حدود اختصاص القاضي الاستعجالي الإداري في قضايا نزع الملكية لأجل المنفعة العامة

   – دعوى الإذن بالحيازة مقبل أداء أو إيداع التعويض الاحتياطي-

  تعليق على قرار محكمة النقض عدد 979 بتاريخ 29 يوليوز 2020

         الصادر في الملف عدد: 6128/4/3/2019

 من إعداد: ذ/الحسن أولياس

باحث في العلوم القانونية والادارية

مقدمة:

تتلخص وقائع القضيةأنه بتاريخ 7 مارس 2019، تم النشر بالجريدة الرسمية لمرسوم موضوعه أن المنفعة العامة تقضي بإحداث مرفق عمومي، وبنزع ملكية قطعة أرضية موضوع مطلب للتحفيظ، يفترض أنها في ملك:

طالب التحفيظ: السيد ب. ا

المتعرضون: م. ع. ل ومن معه

أصحاب الإيداع في إطار الفصل84 من ظهير التحفيظالعقاري: ب. د و آخرون.

بعد ذلك، بادرت الجهة نازعة الملكية إلى إيداع مقال استعجالي بالإذن بحيازة العقار لفائدتها مقابل إيداع التعويض المؤقت لدى صندوق الإيداع والتدبير ومقال في الموضوع من أجل نقل الملكية مقابل التعويض.

أثناء عرض دعوى الحيازة على القاضي الاستعجالي الإداري، تفحص هذا الأخير شهادة المحافظة المدلى بها من طرف نازعة الملكية ليستنتج أن التعويض الاحتياطي هو من حق طالبي التحفيظ وأن المتعرضين قد رفض تعرضهم ضد المطلب من طرف المحافظ العقاري،بناء على ما هو مدون بالشهادة المذكورة.

على إثر ذلك، صدر بتاريخ 28 ماي 2019 الأمر الاستعجالي الذي قضى بالإذن لنازعة الملكية في حيازة العقار مقابل أدائها التعويض لفائدة طالب التحفيظ باعتباره هو المالك، وهو الأمر موضوع عريضة الطعن بالنقض التي تقدم بها المتعرضون والتي عرضوا من خلالها وسيلة فريدة تتمثل في كون قاضي الحيازة تجاوز اختصاصه ليقرر في ملكية العقار، علما أن مهامه تنحصر فقط في مراقبة مدى سلامة مسطرة نزع الملكية.

وبتاريخ 29 يوليوز 2020 ًأصدرت محكمة النقض قرارا استجاب للطلب،قضى بنقض الأمر الاستعجالي المطعون فيه وإحالة الملف على نفس المحكمة للبت في القضية من جديد على اعتبار أن القاضي الاستعجالي لا يحق له مناقشة وثائق تملك المنزوعة ملكيتهم وترتيب أثار عليها تمس بالمراكز القانونية.

من خلال ما تقدم سنحاول أن نبرز باقتضاب شديد ماهية المسطرة القضائية لنزع الملكية من خلال دعويي الإذنلنازعة الملكية بالحيازة مقابل أداء أو إيداع التعويض المؤقت، ونقل الملكية لفائدتها مقابل التعويض النهائي مع تمييز ذلك عن مؤسسة الاحتلال المؤقت للملك، علىأن يتم التطرق انطلاقا من مضمون القرار و القواعد القانونية لحدود اختصاص القاضي الاستعجالي الإداري في هذه المسطرة، ومدى خضوع الأمر الصادر عنه للطعن بالنقض، علما أن قانون نزع الملكية لم يتحدث عن مدى حق الطرف المتضرر في ممارسة هذا الطعن

الفقرة الأولى: المسطرة القضائية لنزع الملكية

الفقرة الثانية: حدود اختصاص القاضي الاستعجالي الإداري من خلال المسطرة القضائية لنزع الملكية ومضمون القرار موضوع التعليق

الفقرة الأولى: المسطرة القضائية لنزع الملكية

تعتبر القضايا المتعلقة بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت من أكثر الدعاوى الرائجة أمام المحاكم الإدارية، وذلك راجع لازدياد نشاط الدولة لإقامة المشاريع والأوراش الموجهة صوب تحقيق المنفعة العامة.

ففي إطار القيام بمسؤولياتها في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والإدارية، تحتاج الدولة والجماعات المحلية والأشخاص الآخرون الجارية عليهم أحكام القانون العام…. ،  إلى عدد كبير من الممتلكات العقارية،وبهدف الحصول عليها تلجأ تلكم الجهات إلى مباشرة مسطرة الاقتناء بالتراضي مع ملاك هذه العقارات أو أصحاب الحقوق العينية عليها، غير أنه في حالة تعذر ممارسة هذه المسطرة ، يتم اللجوء إلى سلوك إجراءات  نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، التي تتضمن مسطرتين الأولى  إدارية والثانية قضائية.

ويشكل القانون رقم 7.81 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم1.81.254 بتاريخ 11 رجب 1402(6 ماي1982) وكذا المرسوم رقم 2.82.382 بتاريخ2 رجب1403(16 ابريل1983)، الصادر بشأن تطبيق القانون المذكور، الإطار القانوني المخول للجهات الممنوح لها حق نزع الملكية، في مباشرة إجراءات هذه المسطرة في سبيل نقل الملكية لفائدتها مقابل حصول المنزوعة ملكيته على تعويض مناسب وعادل لعقاره الذي افتقده.

واستنادا لمقتضيات  الفصل الأول من القانون أعلاه ، فإن نزع ملكية العقارات أو بعضا أو ملكية الحقوق العينية العقارية، لا يجوز الحكم به ، إلا إذا كان الغرض من النزع هو المنفعة العامة، ولا يمكن إجراؤه إلا طبق الكيفيات المقررة قانونا، مع مراعاة الاستثناءات المنصوص عليها بموجب تشريعات خاصة، وهذا المعطى هو ما يميز مسطرة نزع الملكية عن واقعة الاعتداء المادي أو ما يصطلح عليه قضاء ب: ” النزع غير المباشر للملكية “، وإن كان الهدف منهما في نهاية المطاف  الحصول على عقار لإقامة مشروع ذي منفعة عامة، فإن طريقة اللجوء إلى ذلك تختلف ما بين المؤسستين المذكورتين ، فطابع عدم الشرعية وعدم سلوك المسطرة القانونية للحصول على العقار أو الحق العيني هو الذي يتسم به الاعتداء المادي ، على خلاف مؤسسة نزع الملكية التي تعتمد على الشرعية القانونية في الحصول على العقار.

أما مصطلح الاحتلال المؤقت الوارد في عنوان القانون7.81 ، فهو إجراء يهدف فقط إلى احتلال ملك معين من طرف السلطة العامة أومن يحل محلها خلال فترة زمنية محددة، مقابل تعويض يدفع إلى المالك، وقد أوضح الفصل 50 من القانون أعلاه بأن حق الاحتلال المؤقت يعطي للإدارة الحقفقط في الإذن بالحيازة المؤقتة للعقار وذلك بغية تسهيل الإجراءات المرتبطة بالأشغال العامة،عن طريق تسهيل المأمورية في القيام بما يلي:

– الدراسات والأعمال التحضيرية للأشغال العامة.

–  الإيداع مؤقتا للآلات والمواد أو إقامة أوراش أو طرق ضرورية لإنجاز الأشغال أو منشآت أخرى.

  • استخراج بعض المواد.

ويؤذن بالإحتلال المؤقت بمقتضی مقرر إداري يعين العمليات الصادر الأمر بالإحتلال من أجلها ونوعه ومدته المحتملة ومساحته.

وتمر مسطرة نزع الملكية القضائية أمام القضاء الإداري عبر مرحلتين:

تتمثل المرحلة الأولى في دعوى الإذن بالحيازة التي يرفعها نازع الملكية إلى رئيس المحكمة الإدارية بصفته قاضيا للمستعجلات، يطلب فيها الأمر بنقل الحيازة إليه مقابل تعويض احتياطي يدفع للمنزوع ملكيته أو يودع لفائدته بصندوق الإيداع والتدبير، و تكمن مهمة قاضى المستعجلات في  مراقبة صحة وسلامة الإجراءات الإدارية التي قامت بها الإدارة قبل اللجوء القضاء، ويمكنه في حالة عدم احترام تلك الإجراءات أن يرفض بالحيازة عملا بمقتضيات الفصل 24 من قانون نزع الملكية.

وبالموازاة مع دعوى الإذن بالحيازة، يتعين على نازع الملكية أن يتقدم بدعوى أمام محكمة الموضوع قصد استصدار حكم بنقل الملكية مقابل التعويض قبل انصرام أجل سنتين من نشر مقرر التخلي وتبليغه، إلا إذا رفض طلبه طبقا للفصل 17 من قانون نزع الملكية،

ويتضمن طلب نقل الملكية تحديد الجهة نازعة الملكية لمبلغ التعويض الذي تقترحه على المنزوع ملكيته اعتمادا على تقديرات لجنة التقييم الإدارية، وبناء على ذلك تحكم المحكمة بنقل الملكية مقابل التعويض الذي حددته اللجنة المذكورة

إلا أنه في حالة منازعة المنزوعة ملكيته في المبلغ أعلاه أي رفضه لمقترح اللجنة فله أن يطلب بإجراء خبرة على العقار لتحديد قيمته الحقيقية، وتتولى المحكمة تعيين خبير أو أكثر لتحديد هذه القيمة، وللأطراف بعد ذلك الحق في تقديم مستنتجاتهم بعد الخبرة.

وبعد استنفاد الإجراءات المتطلبة يصدر الحكم بنقل الملكية وبتحديد التعويض الذي لا يمكن أن يقل عموما على مقترح اللجنة الإدارية للتقييم، ويمكن الطعن بالاستئناف في شق الحكم المتعلق بالتعويض دون الشق الخاص بنقل الملكية والذي يعتبر نهائيا عملا بمقتضيات الفصل 32 من قانون نزع الملكية، كما أن القرار الاستئنافي بدوره يقبل النقض،

ملاحظة: التعويض الاحتياطي يحكم به بواسطة الأمر الاستعجالي، بينما التعويض النهائي يحكم به بواسطة الحكم النهائي الصادر عن قاضي الموضوع وإذا تجاوز مبلغه حد التعويض الاحتياطي يطلق عليه مصطلح التعويض التكميلي

الفقرة الثانية: حدود اختصاص القاضي الاستعجالي الإداري من خلال المسطرة القضائية لنزع الملكية

من خلال ما تقدم، يتضح أن المشرع منح القاضي الاستعجالي الإداري اختصاصا محدودا يتمثل في مراقبة سلامة إجراءات نزع الملكية وحينما يتأكد من ذلك يصدر أمرا بالإذن لنازعة الملكية في حيازة العقار مقابل أداء أو إيداع التعويض الاحتياطي لدى صندوق الإيداع و التدبير، أو اصدار أمر برفض الحيازة في حالة عدم سلامة الإجراءات الإدارية السابقة على المرحلة القضائية.

وبعبارة أصح، فإن استجابة قاضي المستعجلات لطلب الإذن بالحيازة متوقف على توفر شرطين:

  • احترام نازع الملكية للإجراءات الإدارية المنصوص عليها في الفصول من 8 الى 12 من قانون نزع الملكية، علما أن جميع الوثائق المثبتة لقيام نازع الملكية بهذه الإجراءات تكون مرفقة بالمقال الاستعجالي ومن قبيل الإجراءات موضوع المراقبة: مدى نشر مشروع المرسوم و المرسوم النهائي لنزع الملكية بالجريدتين الرسميتين المعنيتين وكذا الجرائد الوطنية المأذون لها في ذلك شهادة تقييد مشروع المرسوم بالرسم العقاري او بسجل التعرضات في حالة كون العقار موضوع مطلب للتحفيظ، شهادة المحكمة الإدارية بتقييد مشروع المرسوم بالسجل المنصوص عليه في المادة 455 من قانون المسطرة المدنية بالنسبة للعقارات غير المحفظة سجل التعرضات والتصريحات المحتملة المعبر عنها خلال فترة الاشهار، شهادة الجهة نازعة الملكية بنشر مشروع المرسوم وكذا المرسوم النهائي…..الخ.
  • دفع أو أيداع نازع الملكية للتعويض الاحتياطي المقترح من طرفه، هذا التعويض الذي يتم تحديده من طرف اللجنة الإدارية للتقييم.

ويترتب على عدم احترام الشرطين أعلاه، وكما سلف ذلك ذكره، صدور حكم برفض الحيازة وهذا ما أكدته المادة 24 من قانون نزع الملكية، وزكاه الاجتهاد القضائي من خلال الأوامر التالية:

  • الأمر الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بمراكش بتاريخ 9 مارس 2004 في الملف عدد 14-1-04
  • الأمر الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 27 يوليوز 2005 في الملف عدد 524/05
  • الأمر الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 30 أبريل 1997

وإذا كان الفصل 32 من قانون نزع الملكية ينص على أنه لا يمكن الطعن ضد الأمر الصادر بالإذن في الحيازة سواء عن طريق التعرض أو الاستئناف فما الغاية من ذلك، ومن جانب آخر يطرح السؤال هل يمكن الطعن ضد هذا الأمر بالنقض؟

لعل الغاية من عدم إمكانية ممارسة الطعن بالتعرض أو الاستئناف ضد الأمر الصادر بالحيازة يكمن في تمكين الإدارة نازعة الملكية من إنجاز مشاريعها وتكريس القاعدة التي تقضي بعدم عرقلة القضاء للسير العادي للإدارة ووقف أعمالها ما دام أن من آثار الطعن العادي عن طريق التعرض والاستئناف إيقاف التنفيذ.

ومن جانب قابلية الأمر المذكور للطعن بالنقض، فهناك اتجاه فقهي يعتبر أنه ما دام المشرع لم ينص على عدم ممارسة هذا الطعن، فإنه يمكن الطعن بالنقض ضد مثل هذه الأوامر.

انطلاقا مما سبق، يتضح أن محكمة النقض من خلال قرارها موضوع التعليق، وربما من خلال قرارات أخرى صادرة في قضايا مماثلة، قد أجابت على السؤال المطروح وقبلت الطعن بالنقض ضد أمر استعجالي صادر بالإذن في حيازة العقار وذلك حينما ثبت أن القاضي الاستعجالي الإداري تجاوز اختصاصه المتمثل في مراقبة سلامة إجراءات نزع الملكية ليخوض في مناقشة من له الحق في التعويض بناء على ما هو مدون بشهادة الملكية العقارية.

ولعل اجتهاد محكمة النقض أعلاه محمود ومطابق للقانون، للاعتبارات التالية:

  • ما دام الأمر الاستعجالي القاضي بالإذن في الحيازة هو حكم نهائي لا يقبل الاستئناف والتعرض، فمؤدى ذلك أنه يقبل الطعن بالنقض متى توافرت موجبات هذا الطعن تماشيا مع مقتضيات الفصل 353 من قانون المسطرة المدنية.
  • من موجبات النقض ضد الأمر الاستعجالي الآذن بالحيازة، تجاوز القاضي الإداري لاختصاصاته المتمثلة في مراقبة سلامة إجراءات نزع الملكية من خلال الاطلاع على الوثائق المثبتة لذلك والتي يتم إرفاقها بالمقال، وبالتالي فإن البت فيمن له الأحقية في التعويض هو مس بجوهر النزاع الذي يحضر على القضاء الاستعجالي عموما الخوض فيه، كما يمنع عليه كذلك الخوض في مناقشة المنفعة العامة المتوخاة من نزع الملكية.
  • يمكن للقاضي الاستعجالي الحكم بالإذن في الحيازة مقابل ّأداء التعويض للمنزوعة ملكيته في حالة وضوح المركز القانوني لهذا الأخير، وعدم وجود المانع، كأن يكون المنزوعة ملكيته مالكا لرسم عقاري أو جزء منه مع ثبوت كون العقار غير مثقل بأي تحمل أو حق يدعيه الغير عليه.
  • في مثل الحالة التي صدر فيها الأمر الاستعجالي موضوع طلب النقض، يجب على القاضي الاستعجالي الحكم بالإذن في الحيازة مقابل إيداع التعويض المحكوم به لدى صندوق الإيداع والتدبير، وذلك إلى حين الحسم في ملكية من له الحق في التعويض كاستصدار طالب التحفيظ لشهادة عقارية تفيد التشطيب على التعرض من طرف المحافظ العقاري بعد صدور قرار رفضه بالنسبة للحالات المماثلة لظروف وملابسات القضية التي صدر فيها القرار موضوع هذا التعليق.
  • من الناحية العملية في حالة تعدد المنزوعة ملكيتهم وادعاء كل طرف أنه هو المالك للعقار بمعنى عدم ثبوت مراكزهم القانونية بشأن ملكية عقار غير محفظ ، فإن الإجراء القانوني السليم الذي يتخذ هو قيام الإدارة نازعة الملكية بإيداع التعويض لدى صندوق الإيداع والتدبير، ولا يتم استصدار قرار رفع اليد عنه إلا بعد إدلاء من له الحق بحكم نهائي بكونه هو المالك للعقار بعد رفعهلدعوى استحقاقفي مواجهة من ينازعه في التعويض.

بناء على ما سبق، و أمام سكوت القانون رقم 7- 81 وعدم تطرقه لتنظيم الطعن بالنقض ضد الأمر الاستعجالي بالحيازة ، فإنه إن كان هذا الأخير لا يقبل الاستئناف والتعرض، فهو يقبل الطعن بالنقض كذلك متى توافرت موجباته ومن ضمنها رفض القاضي لمقال الإذن بالحيازة نتيجة عدم احترام المسطرة وكذا تجاوزه لحدود اختصاصاته والخوض في مناقشة من له الحق في التعويض في حالة تعدد الملاك المفترضين وعدم وضوح مراكزهم القانونية، كما هو الحال في النازلة التي صدر فيها القرار محل هذا التعليق، ويمكن أن ينضاف لذلك أية حالة يحيد فيها القاضي الاستعجالي عن حدود ومدى اختصاصه كالمنع من مناقشة صبغة المنفعة العامة وما شابه ذلك…

اترك تعليقاً