العقوبات البديلة في المغرب: ثورة تشريعية دخلت حيّز التنفيذ يوم 22 غشت 2025
مقدمة
شهد المغرب يوم 22 غشت 2025 حدثاً بارزاً في مسار إصلاح منظومته العدلية مع دخول القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة حيّز التنفيذ. هذا القانون جاء ثمرة سنوات من النقاشات التشريعية والحقوقية، ويمثل استجابة مباشرة لتوصيات اللجنة الملكية لإصلاح العدالة التي أطلقها الملك محمد السادس سنة 2012، وكذا لمطالب المجلس الوطني لحقوق الإنسان وهيئات المجتمع المدني التي طالبت بعدالة أكثر إنصافاً وإنسانية.
وقد وصفته رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان آمنة بوعياش بكونه “ثورة تصحيحية” تهدف إلى إعادة التوازن للسياسة الجنائية المغربية، والتخفيف من الاكتظاظ السجني الذي بلغ مستويات قياسية (أكثر من 95 ألف سجين حسب معطيات المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج).
خلفية تشريعية وتاريخية
-
سنة 2019: قدمت وزارة العدل مشروعاً أولياً حول العقوبات البديلة في إطار إصلاح المنظومة الجنائية.
-
2022: صادق البرلمان بغرفتيه على القانون 43.22 بعد نقاش طويل تركز على معايير الاستفادة من هذه البدائل.
-
22 ماي 2025: صادق مجلس الحكومة على المرسوم رقم 2.25.386 الذي يحدد كيفية تنفيذ العقوبات البديلة، خاصة في ما يتعلق بالعمل لفائدة المنفعة العامة والمراقبة الإلكترونية.
-
22 غشت 2025: بدء التطبيق الرسمي في المحاكم المغربية.
أبرز صور العقوبات البديلة
1. الغرامة اليومية
-
تُحدد الغرامة ما بين 100 و2,000 درهم عن كل يوم من الحبس.
-
القاضي ملزم بمراعاة:
-
الوضعية المالية للمحكوم عليه.
-
أعبائه الأسرية.
-
خطورة الجريمة.
-
-
🔹 مثال قضائي: المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء حكمت على شخص في قضية إصدار شيك بدون رصيد بأداء 12,000 درهم (200 درهم × 60 يوماً) بدل قضائه شهرين سجناً.
2. العمل من أجل المنفعة العامة
-
يُعتبر من أبرز المستجدات ويستهدف خاصة الشباب والقاصرين فوق 15 سنة.
-
يتراوح بين 40 ساعة كحد أدنى و3,600 ساعة كحد أقصى.
-
يُنجز خلال 6 أشهر من الحكم، مع إمكانية تمديد المدة مرة واحدة.
-
يتم اختيار نوع العمل بما يتناسب مع مؤهلات المحكوم عليه (أعمال بيئية، تعليمية، خدمات اجتماعية…).
-
🔹 مثال قضائي: المحكمة الابتدائية بطنجة في شتنبر 2025 حكمت على شاب ارتكب مخالفة مرورية بإنجاز 120 ساعة عمل لفائدة مؤسسة تعليمية في تنظيف وصيانة مرافقها، بدل حبسه النافذ.
3. المراقبة الإلكترونية (السوار الإلكتروني)
-
تُمكّن من مراقبة المحكوم عليه دون إيداعه السجن.
-
تحدد المحكمة النطاق الجغرافي الذي لا يمكن للمدان تجاوزه.
-
تُعتبر هذه العقوبة مفيدة في قضايا العنف الأسري أو القضايا المالية البسيطة.
-
🔹 مثال قضائي: محكمة الأسرة بالرباط أصدرت حكماً بوضع متهم في قضية عنف ضد زوجته تحت المراقبة الإلكترونية، ومنعته من الاقتراب منها لمسافة أقل من 200 متر.
4. البرامج العلاجية والتأهيلية
-
خاصة بالمدانين في قضايا:
-
الإدمان على المخدرات.
-
العنف الأسري.
-
السلوكيات المنحرفة.
-
-
تُلزمهم بالخضوع لبرامج علاجية وتأهيلية تحت إشراف مختصين، بدل الحبس.
الجرائم المستثناة
القانون استبعد بشكل صريح عدداً من الجرائم الخطيرة من الاستفادة من العقوبات البديلة، ومن بينها:
-
الجرائم الإرهابية.
-
الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي والخارجي.
-
الرشوة والاختلاس وتبييض الأموال.
-
الاتجار الدولي في المخدرات.
-
الاتجار بالأعضاء البشرية.
-
الاستغلال الجنسي للقاصرين أو ذوي الإعاقة.
-
الجرائم العسكرية.
أهداف العقوبات البديلة
-
التخفيف من الاكتظاظ السجني الذي يشكل معضلة مزمنة.
-
تحقيق عدالة إصلاحية تهدف إلى إعادة إدماج المحكوم عليهم في المجتمع.
-
حماية الروابط الأسرية والحد من الآثار السلبية للسجن على الأفراد.
-
الانسجام مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب.
مواقف وآراء
-
آمنة بوعياش: اعتبرت أن القانون يفتح أفقاً جديداً لعدالة أكثر إنسانية.
-
وزارة العدل: أكدت أن الإصلاح جاء استجابة لواقع السجون ولتوصيات الملك محمد السادس.
-
بعض الحقوقيين: رحبوا بالقانون لكنهم حذروا من “خطر التمييز” في تطبيقه إذا لم يُراعَ مبدأ المساواة أمام القضاء.
-
القضاة والمحامون: اعتبروا أن نجاحه رهين بتوفير بنية تحتية قوية لتتبع التنفيذ (مراكز المراقبة الإلكترونية، مؤسسات الاستقبال…).
الخاتمة
يمثل دخول قانون العقوبات البديلة 43.22 حيّز التنفيذ يوم 22 غشت 2025 تحوّلاً نوعياً في العدالة المغربية. فرغم أن الجرائم الخطيرة مازالت خارج نطاق الاستفادة، فإن الجرائم البسيطة والمتوسطة باتت اليوم تُعالج بطرق إصلاحية تساهم في إعادة إدماج الأفراد وحماية المجتمع في آن واحد.
إن التحدي الأكبر يظل في التنزيل العملي: مدى قدرة المؤسسات القضائية والسجنية على توفير الآليات والموارد الكفيلة بإنجاح هذا المشروع، وتحويله من نص قانوني إلى واقع ملموس يلمسه المواطن المغربي.