إشكالية التبليغ القضائي في المغرب: التحديات والحلول في ضوء القانون 46.21
التبليغ القضائي يُعتبر العمود الفقري للمسطرة القضائية لأنه يربط بين النصوص القانونية والواقع العملي. غير أن التجربة المغربية كشفت أنه تحول إلى عنق زجاجة يعرقل نجاعة العدالة ويؤخر البت في القضايا. المفوض القضائي، باعتباره الفاعل المركزي في هذه العملية، يجد نفسه محاصراً بين صرامة النصوص وصعوبات الممارسة اليومية، مما يثير سؤالاً جوهرياً: هل يمكن تصور عدالة ناجزة دون إصلاح جذري لإشكالية التبليغ؟
القانون 46.21: نَفَس إصلاحي وثغرات تطبيقية
القانون 46.21 المنشور في الجريدة الرسمية في يونيو 2025 جاء ليمنح المهنة نفساً جديداً، وقد اعتبرته وزارة العدل إطاراً إصلاحياً متكاملاً. لكن التطبيق العملي أبرز ثغرات، أبرزها مسألة الاختصاص الترابي، حيث تتأرجح الملفات بين المكاتب والمحاكم مما يضاعف الكلفة والوقت على المتقاضين.
العراقيل الميدانية وتأثيرها على آجال البت
إلى جانب هذه الثغرات القانونية، تبرز عراقيل ميدانية: عناوين وهمية، رفض متكرر للاستلام، أو الحاجة إلى تدخل السلطة المحلية. وحسب تقارير المجلس الأعلى للسلطة القضائية فإن %40 من تأجيلات القضايا تعود لمشاكل التبليغ، وهو رقم صادم يعكس عمق الأزمة.
تحذيرات مهنية ودعوات إلى الرقمنة
ندوات مهنية كثيرة حذرت من خطورة الوضع. ففي لقاء بتطوان حول التبليغ وأثره على العدالة، وصف بعض القضاة التبليغ بأنه “قنبلة موقوتة” في مسار التقاضي. وأكد محمود أبو الحقوق، رئيس الهيئة الوطنية للمفوضين القضائيين، أن الهيئة اقترحت التبليغ الإلكتروني كحل جذري. هذا المقترح وجد دعماً في مائدة مستديرة بالرباط بشراكة مع مجلس أوروبا، حيث شددت الخبيرة سارة بن لغى على أن الرقمنة لم تعد خياراً، فيما عرض الخبير الفرنسي Mathieu Chardon تجارب أوروبية قلّصت آجال التبليغ من أسابيع إلى ساعات.
السلامة المهنية: سؤال الحماية قبل سؤال النجاعة
غير أن العراقيل ليست قانونية وتقنية فقط، بل أيضاً إنسانية وأمنية؛ إذ يواجه المفوضون رفضاً، عنفاً لفظياً وجسدياً، بل وتعرض بعضهم لاعتداءات موثقة، مما يطرح سؤال الحماية: كيف نطالب المفوض بالحياد والصرامة دون ضمان أمنه؟
الرقمنة: من التجارب التجزيئية إلى النظام الشامل
مع ذلك، تبقى الرقمنة بارقة الأمل. المغرب أطلق بوابة mahakim.ma
وأدرج مشروع منصة تبادل إلكتروني ضمن برنامج الحكومة المنفتحة. لكن الرهان الحقيقي هو الانتقال إلى نظام شامل وملزم، لأن نصف الرقمنة أشبه بلا رقمنة.
خلاصة وحلول عملية مقترحة
- رقمنة شاملة وصارمة: منصة موحّدة للتبليغ الإلكتروني مع تتبع زمني وإشعارات.
- حماية قانونية وأمنية: بروتوكولات تدخل واستجابة لحوادث العنف المهني.
- تكوين مستمر: في الإجراءات الرقمية وإدارة المخاطر الميدانية.
الخلاصة: التبليغ القضائي ليس مجرد ورقة بل هو بوابة العدالة. نجاح الإصلاحات أعلاه هو المعيار الحقيقي لجدية الدولة في جعل العدالة في خدمة المواطن؛ إذ لا إصلاح للعدالة دون إصلاح التبليغ.