لقد استفحل انعدام الرضا على حال العدالة بالبلاد، ووصل إلى درجة خطيرة من انعدام الثقة في مرافق القضاء، كمؤسسة قادرة على ضمان الحقوق لجميع الأفراد والجماعات، والرقي بالدولة إلى دولة الحق والقانون، يتمتع فيها القضاء فعلا بالاستقلالية، وتصدر عنه الأحكام معللة بشكل جيد وفي زمن معقول ومقبول، مع احترام حق الدفاع والمحاكمة العادلة.
وتبقى الدولة مسؤولة عن السير السيئ لمرفق العدالة، من خلال التشريع الغير المستقل، الذي يؤثر في صياغته تضارب مصالح القوى الفاعلة في الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا تسيطر فيه مصلحة واحدة كليا هي مصلحة الوطن، وما يستدعي ذلك من مواكبة ضرورية لتشريعات الدول الرائدة في هذا المجال.

ما جعل جلالة الملك في خطابه بمناسبة الذكرى 56 لثورة الملك والشعب يوم 20 غشت 2009 يوجه بالقول : ) ..إن الأهداف المنشودة، هي توطيد الثقة والمصداقية في قضاء فعال ومنصف، باعتباره حصنا منيعا لدولة الحق، وعمادا للأمن القضائي، والحكامة الجيدة، ومحفزا للتنمية، وكذا تأهيله ليواكب التحولات الوطنية والدولية، ويستجيب لمتطلبات عدالة القرن الحادي والعشرين..(.

ولعل جودة العدالة لترتبط ارتباطا وثيقا بإجراءات المحاكمة وإصدار الحكم، وخاصة فيما يتعلق بمدة التقاضي أمام المحاكم، وجودة القرار النهائي للقضاء. وإن الحديث عن مدة التقاضي أمام المحاكم، وجودة القرار النهائي للقضاء، يجرنا إلى الحديث عن الدور الذي يلعبه المفوض القضائي في ذلك، كمتدخل في النشاط القضائي، وأخصص له الفقرة الأولى، ثم نستعرض الإطار القانوني المفروض لإنجاز المهام وأخصص له الفقرة الثانيـة، ثم سنتساءل عن مدى تحقق الجودة وإمكانيات الجودة في الفقرة الثالثة، ثم سنتحدث عن أفق الإصلاح المرتقب بخصوص مدى الاستجابة لمطلب توفير ثمن الجودة كما وكيفا بالنسبة للمفوض القضائي في الفقرة الرابعة، ثم طرق  معالجة صعوبات التبليغ  فخاتمة .

الفقرة الأولى : دور المفوض القضائي في مدة التقاضي وجودة القرار النهائي للقضاء :

تشتكي العدالة في المغرب من مشكل البطء في البث في القضايا أمام المحاكم، وتعرف المحاكم تراكما للقضايا، ويكاد يتحقق الإجماع في كون السبب الأساسي في ذلك هو مشكل التبليغ، و سأحاول معالجة هذه الفقرة من خلال الجواب عن ثلاث أسئلة باطراد. أين تكمن أهمية التبليغ ؟ أولا. كيف كان حال التبليغ قبل إحداث مهنة المفوض القضائي ؟ ثانيا . كيف هو حال التبليغ بعد إحداث مهنة المفوض القضائي ؟ ثالثا .

أولا : أهمية التبليغ في النشاط القضائي :

قيــــل : ..)العدالة ليست في أن يصل صاحب الحق إلى حقه فحسب، وإنما العدالة في أن يستوفي حقه في يسر وبغير عنت، وفي زمن قليل، مع تهيئة فسحة زمنية تتسع لاستعمال الروية في إعداد وسائل الدفاع .. (.
ويعتبر حق الدفاع من الحقوق المقدسة للأفراد والجماعات. وتعتبر المساواة في المراكز أمام المحكمة أيضا حقا من حقوقهم الأساسية.

فما يقدمه الخصوم للمحكمة، لا يسلم به على إطلاقه، بل من الضروري إتاحة الفرصة لكل منهم، للتعبير عن وجهة نظره فيما قدمه الآخر ومناقشته. وبالتالي فشرط تبليغ المقال وتوجيه الاستدعاء شرط أساسي لإصدار الحكم على الخصم، وهو ما يسمى بمبدأ التواجهية . والحكم الذي يصدر دون استدعاء هو والعدم سواء .
والتبليغ هو إعلان عن إجراء محدد زمنيا، يكفل وصول الأوراق القضائية – و هي التي تتم بأمر من المحكمة – وغير القضائية – وهي التي تتم بناء على طلب من المعني بها – للأطراف المعنية، وذلك بشكل شخصي، فيتحقق العلم اليقيني، أو بواسطة من سمح لهم القانون باستلام التبليغ

نيابة عن المعني به، فيتحقق العلم الظني، أو بواسطة الإدارة، كالنيابة العامة وكتابة الضبط والقيم المنصب عن مجهول العنوان، فيتحقق العلم الحكمي . وفي كل هذه الحالات ينتج التبليغ أثره القانوني بنفس القوة الثبوثيـــــة.
ثانيا : حال التبليغ قبل إحداث مهنة المفوض القضائي :
بخصوص التبليغ الذي يهم النشاط القضائي، أسندت الدولة المهمة فيه لجهازين، قضائي وإداري. القضائي يتمثل في أعوان كتابة الضبط، والإداري يتمثل خاصة في أعوان السلطة الإدارية حيث يمكن إدخال في إطارها إدارات أخرى كإدارة البريد والدرك و الشرطة … وعرف عن الجهات المشرفة على هاتين السلطتين، الاكتفاء في إسناد هذه المهمة إلى موظفيها وإدارييها الأدنى درجة. مع العلم أن القانون لم يحدد أي من أعوان كتابة الضبط ، و أي من أعوان السلطة الإدارية، وتبقى بذلك الصلاحية ممتدة إلى رأس هرم هؤلاء .

لكن احتقر رجال السلطة القضائية ورجال السلطة الإدارية هذا الإجراء وقللوا من شأنه، فانقلب السحر على الساحر كما يقولون، فتأثر سير المحاكم بتعثر نشاط التبليغ، وتأثرت جودة الأحكام، وعمرت القضايا، وتعرضت حقوق المتقاضين للضياع، فتعرض جراء ذلك كامل الجهاز القضائي لسيل من الانتقادات .. فوجد المشرع نفسه مضطرا للتدخل للبحث عن بديل، بعدما فشلت كل التدابير المتخذة على مدار سنين طويلة، كالتكوين و التحفيز وإعداد المطبوعات والنماذج … في إيجاد الحل الناجع لما تواتر على تسميته بمعضلة التبليغ .

ثالثا : حال التبليغ القضائي بعد إحداث مهنة المفوض القضائي ؟ .

الأزمة و المعضلة إذا، هي التي اضطرت المشرع المغربي للتدخل، واعتماد التجربة الفرنسية الممتدة من سنة 1808 أوروبيا، والتجربة التونسية الممتدة من سنة 1957 مغاربيا وعربيا، فصادق على القانون رقم 80/41 المحدث و المنظم لهيئة الأعوان القضائيين كمهنة حرة، الصادر الأمر بتنفيذه بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.80.440 بتاريخ 25/12/1980 .وبمقتضاه أسند هذا الاختصاص للأعوان القضائيين بصفة عامة، وجعل الاستثناء بنص بخصوص نوع بعينه من إجراءات التبليغ، وهو الموضح بعبارة ) يختص الأعوان القضائيون شخصيا بالقيام بعمليات التبليغ اللازم للتحقيق في القضايا … ( وعبارة ) .. إذا كانت طريقة التبليغ غير محـــــــددة.. ( بالفصـــل 2 * شخصيا حتى لا يقوم بتكليف أشخاص لا تتوفر فيهم الشروط ليقوموا بمهام التبليغ والتنفيذ.. وأدخل على هذا المبدأ استثناءا سنة 1993 *.
وحيث عول المشرع على هذه المهنة المتخصصة المحترفة في حل المعضلة بشكل تام، معتبرا بالتجربتين المعتمدتين المشار إليهما وغيرهما، فترك بذلك باقي الطرق القديمة تعمل أيضا، احتراما للمرحلة الانتقالية فقط، حتى تشق المهنة طريقها وتقدر بشؤونها وتنهض برسالتها، فتتدخل حينئذ الإدارة ) والإدارة هنا لن تكون إلا وزارة العدل ( وتضع حدا لاشتغال باقي الطرق التقليدية، إدارية وقضائية، وما يدور في فلكها، كالبريد المضمون وغيره .. ولليوم ، ورغم مـرور قرابــــة اثنــــــان و عشرين سنة على الممارسة بواسطة هذه المهنة الحرة المتخصصة، إذ انطلقت المهنة تعمل سنة 1990، بتعيين أعوان قضائيين عبر المحاكم بالتدرج، بعد إخضاعهم لتكوين مسبق بالمعهد العالي للقضاء لمدة قصيرة، ثم بالمحاكم أيضا لمدة قصيرة.

وهي تتبع خطى هذه المهنة الفتية، سرعان ما أدركت صعوبة مهمة التبليغ حتى بالنسبة للمفوض القضائي، إذ هو مجرد جزء من نشاطه، فبادرت إلى مساعدته بطرح مشروع قانون لتعديل القانون رقم 80/41 بإحداث مؤسسة الكتاب المحلفين تحددت مهمتهم في القيام بالتبليغات فقط، وكان ذلك سنة 1993 بمقتضى الظهير رقم 138.93.1 الصادر في ربيع الأول 1414 الموافق ل 10 سبتمبر 1993 معتبر بمثابة قانون يغير و يتمم بموجبه القانون رقم 80.41 المتعلق بإحداث هيئة الأعوان القضائيين و تنظيمها – و تجدرا لإشارة إلى كون اعتماد الكتاب بالنموذج الفرنسي كان سنة 1923 بمقتضى القانون المؤرخ في 27 دجنبر 1927، و النموذج التونسي كان سنة 1957 بمقتضى الأمر المؤرخ في 24 يونيو 1957- واستمرت وزارة العدل تستدرك النواقص بالتشذيب و التهذيب بالمناشير حتى سنة 2006، كما استمرت الازدواجية، فلم تتدخل لتضع حدا للطرق القديمة في التبليغ عملا بالترخيص الممنوح لها من طرف المشرع بمقتضى القانون رقم 80/41 . وخلال هذه السنة سنة 2006، عمد المشرع إلى تعديل القانون رقم 80/41 بالقانون رقم 03/81 الذي صدر ظهير بتنفيذه بتاريخ 14/02/2006 .
وهاهي اليوم، حوالي اثنان وعشرين سنة مرت، على الممارسة من طرف هذه المهنة الحرة . والتقييم جار، والصيحات ما تزال تتعالى : نشاط التبليغ متعثر ومنتج للبطء وضعف الجودة في المنتوج القضائي . ما يعني أن حال نشاط التبليغ حتى في ظل وجود مهنة حرة متخصصة، وإلى جانب التبليغ القضائي والإداري القديم، دون المستوى المطلوب، من حيث الكم والسرعة والجودة. فأين يكمن الخلل؟ سأركز على الجانب الذي يهم مهنة المفوض القضائي .

الفقرة الثانية : الإطار القانوني و الأخلاقي لانجاز المهام(التبليغ القضائي) :

أولا : مصدر سلطات المفوض القضائي :

قيل بخصوص كلمة مفوض قضائي لغة أنها تعني التصيير والتوكيل، ويقال فوض إليه الأمر بمعنى صيره إليه وجعله الحاكم فيه. والمفوض القضائي معناه وكيل الإجراءات القضائية، ويحق التساؤل عمن هو المفوض بكسر الواو ؟ هل هو وزير العدل، أم أطراف الدعوى ووكلائهم، أم المحكمة ؟
وزير العدل يرخص فقط بمزاولة المهنة ولا يفوض، والأطراف ووكلائهم لهم الاختيار ليس إلا، ولا يملكون مباشرة الإجراءات حتى يفوضوها، والمحكمة تسند الإجراءات بناء على طلب وليست هي المفوض.
و يبقى بذلك المفوض القضائي مفوضا من طرف الدولة بقوة القانون الذي ينظم مهنته، وممارسة مهنة مفوض قضائي تعتبر ممارسة لجزء من السلطة العامة المتمثلة في تسيير جزء من مرفق العدل بالمغرب. وللمفوض القضائي اختصاصات قضائية تتمثل في القيام بإجراءات التبليغ والتنفيذ وهي إجراءات قضائية، ينوب عن مرفق العدل في القيام بها، للنهوض بها من بوابة التفرغ والتخصص والاحتكــار – الذي سيأتي بالتدريج انظر القانون المقارن: التونسي المادة 10 من قانون 1957 للعدول المنفذين وحدهم الصفة في تحرير الاحتجاجات و الاعلامات والإنذارات في المادة التجارية والبحرية وتنفيذ الأحكام العدلية ومباشرة الإجراءات في البيوعات المأذون بها من طرف المحاكم / الفرنسي المادة 1 من قانون 1945 للأعوان القضائيين وحدهم الصفة في تبليغ الأوراق القضائية و العمل على تنفيذ القرارات القضائية والسندات التنفيذية والمادة 651 من ق م م الفرنسي أنها ترخص بالتبليغ عن طريق العون القضائي ولو كان النص القانوني الخاص يقر بالتبليغ عن طريق آخر غيره – .
وباعتبار المفوض القضائي ينتمي للأسرة القضائية، ويشارك في إدارة مرفق العدل، فهناك التزامات قانونية، وأخرى أخلاقية وأدبية عامة، تفرضها مبادئ العدالة والقانون الطبيعي، وتنفيذا كذلك لصيغة اليمين المهنية التي يؤديها ونصها : ) أقسم بالله العظيم أن أقوم بمهامي بإخلاص وأن أنجزها بدقة وأمانة وأن أراعي في كل الأحوال الواجبات التي تفرضها علي مع الالتزام بالسر المهني (.

ثانيا : التزامات قانونية :

بالإضافة إلى لزوم الحصول على ترخيص بمزاولة المهنة من وزير العدل ) المادة 9 من ق 03/81 ( هناك لزوم أيضا لمكتب بلوازم عمله البشرية والمادية والإدارية ) المادة 18 و 23 و 25 و 26 من القانون 03.81 والمادة 15 و 34 من المرسوم … ( يصير محلا للمخابرة مع المؤسسة، يذكر بجميع المحاضر والمراسلات، ويؤسس لكيان هذه المؤسسة ووجودها الفعلي وأهدافها ) المادة 2 من ق 03/81(. وتستدعي ضرورة ضمان حقوق المتقاضين، السعي لإبرام عقود التأميــــن الخاصــــــة بالمسؤولية المدنية .

ويتعين القيام بالمهام بعناية ودون إهمال ) المادة 737 و 765 و 766 من ق ل ع ( – لكون التبليغ يتوقف عليه تحديد الآجال التي تسقط بانقضائها حقوق المتقاضي، فلا تظهر أهميته ودقته إلا بالنسبة لمن له علاقة بهذا الإجراء – وطبقا للقانون وبحسن نية ) المادة 231 من ق ل ع ( ، وباحترام القواعد العامة لتبليغ الأوراق القضائية الممتدة من الفصل 36 حتى الفصل 41 من قانون المسطرة المدنية، مع مراعاة مقتضيات الفصل 516 من ق م م بخصوص تبليغ الشركات والأشخاص الاعتباريين وفاقدي الأهلية والفصل 29 من ق م م ، فبيانات شهادته تعتمد في التبليغ عن طريق البريد، والفصلان 308 و 309 من ق م ج الذي يحيل على قواعد التبليغ العامة بالمسطرة المدنية بخصوص استدعاء المتهم و المسؤول عن الحقوق المدنية والمطالب بالحق المدني .

وأن يقع التبليغ حسب الآجال المحددة في الفصول 40 ،41 و329 من قانون المسطرة المدنية. والآجال كاملة ) الفصـــل 512 مــــــن ق م م (. وعند التسليم فــــــــي الموطن، التحقق من استمرار سكن المعلن إليه به، فإذا تركه وانتقل منه، انتفت الصفة عن من به .. وللموطن أهمية بالغة في صحة التبليغ و حساب الآجال، ونصت على توضيحات بخصوصه الفصول من 518 إلى 526 من ق م م . والحيطة تدعو إلى الإعلان بالموطـن دون الشخص، إذ فرض الخطأ وارد في الشخص أكثر منه بالنسبة للموطن . والمفوض القضائي ليس ملزما بالبحث عن الشخص إذا لم يجده بموطنه .

وقد يكون من يجب تبليغه فردا طبيعيا أو حكومة أو شركة .. وقد يكون له موطن، وقد يكون مجهول الموطن، وقد يتسلم، وقد يرفض، وقد يكون خارج النفوذ الترابي للمحكمة، أو خارج البلاد .. ولكل حالة أحكامها ومقتضياتها يتعين احترامها.
وتجدر الإشارة إلى وجود اختلافات فقهية وقضائية حول العديد من شكليات التبليغ، ومطلوب من المفوض القضائي أن يكون عمله لصيقا بالنصوص القانونية، وحالة الاختلاف أن يكون مستندا على وجهة نظر قضائية أو فقهية في الأمر، وغير مقبول منه بتاتا حالة السؤال عن الداعي إلى الإنجاز على شكلية ما، الاخراص عن الجواب، أو الجواب بأظن أنها كذلك، أو الجواب بما وجدت عليه العمل جار !.
وذلك في انتظار تدخل المشرع لإعادة قراءة النصوص المنظمة لعملية التبليغ وصياغتها صياغة جديدة تناسب والتطور الذي تعرفه الحياة الاجتماعية والاقتصادية، مع الاستئناس بما توصلت إليه التشريعات الحديثة في هذا الميدان، ويشفع في ذلك ما أصبح يدعى بكونية القوانين، لما لها من صلة بعالمية حقوق الإنسان . والضغط لتحقيق ذلك، من خلال حث الدول إلى حد الضغط أحيانا، للتوقيع على العديد من المعاهدات الدولية، المنظمة لهذا المجال أو ذاك ..

ثالثا : التزامات أخلاقية وأدبيــــــة :

بالإضافة إلى تحلي المفوض القضائي في هذا الباب، بسلوك الاحترام الواجب للقضاء، خاصة بالدائرة التي يعمل بها المفوض القضائي، عليه القيام بالإجراءات والمساعي الضرورية للقيام بمهامه لمصلحة الطالب، دون إظهار همة زائدة للحصول على القضايا. ولا مانع من مشاركة الطالب في سير الإجراءات، لتتم المهام على أحسن وجه. ودون إغفال كتمان السر المهني، احتراما لتضمينه بصيغة اليمين القانونية. وبالرغم من كون المشرع لم يمنع التبليغ في أوقات معينة، لا بقانون المسطرة المدنية القديم ) ظهير 12/03/1913 ( و لا الحالي ) ظ 28/09/1974 (- وهو بذلك كان مضطرا، فنظرا للأزمة الحالة بنشاط التبليغ وكل الأجهزة تعمل إدارية و قضائية، ترك المجال الزمني مفتوحا لتفادي ذرائع عدم الإنجاز وتأخير الإنجاز – لكن المفوض القضائي المحترف المتخصص إذا نهض بمهامـــه – فهو يقدم المهنة كبديل متحضر حديث عصري – فاللياقة وحسن الآداب تقتضي عدم القيام بالإجراءات ليلا أو أيام العطل – خاصة بالمدن – إلا عند الضرورة القصوى . ويتعين مراعاة الأحوال، فمن غير المعقول التبليغ الشخصي بحفل رسمي أو أمام الملء أو

بالمسجد … ففي ذلك نوع من التشهير بالشخص . هذا دون إغفال ضرورة التحلي بالحياد وممانعة جاذبية المال وغلبة الفقر والحاجة – المفروضة فرضا لإبقاء المهنة ضعيفة يسهل اختراقها – . وضرورة تحدي أساليب التطويع والمساومة، للتخلص من الآجال المنصوص عليها في القانون. وضرورة التحلي بالفطنة واليقظة والذكاء، فمن خلال سلوكه وحنكته القانونية وطريقة اشتغاله ومدى لباقته ومدى سعة صدره ومدى سرعة بديهته وشكل هندامه … يكون المجتمع قناعته تجاه المهنة وحكمه عليها، وينعكس ذلك عليه وعلى المهنة سلبا أو إيجابا، كما تستفيد منه أو تتضرر منه العدالة بصفة عامة، فهو المثال الأبرز للعدالة المتنقلة بين الناس.

الفقرة الثالثة : مدى تحقق الجودة وإمكانيات الجودة وثمن الجودة في عمل المفوض القضائي :

أولا : نسبة الجودة في عمل المفوض القضائي :

أ- رؤية من الداخل :

الجودة في عمل المفوض القضائي كما هي مطلوبة، مقصودة من عدة وجوه. ويكفي بالنسبة لمن هو بداخل البيت إدراك نسبة الجودة الحاصلة، من خلال مقارنة واقع العدالة فيما له علاقة بنشاط التبليغ، قبل وبعد إحداث مهنة المفوض القضائي . وأيضا من خلال استحضار الصورة النمطية التي حاولت رسمها من خلال الفقرة السابقة. أما الآخر، والآخر أنواع .. فيمكن إدراك نسبة الجودة في عمل المفوض القضائي، من خلال مواقفه المعلنة وانتقاداته الموضوعية منها خاصة.
وحيث هو الأمر كذلك، أترك كل ذات منا تراجع نفسها لبرهة من الزمن، آملا إحداث قطيعة ابستمولوجية – ما أمكن ذلك، من خلال الصلاحيات الممنوحة قانونا لرئيس مكتب المجلس ومكتـب المجلس– مع الماضي، واستشراف مستقبل متجدد، مواكب لحركة التغيير الحثيثة الجارية .. وأكتفي في هذه الفقرة بإيراد بعض من تقييم الآخر حول المهنة.

ب – رؤية من الخارج :

– جاء بورقة عمل لمديرية الشؤون المدنية لسنة 1998 بثلاث محاور ليوم التواصل مع العون القضائي ما يلي : ) من الملائم التذكير بأن اعتماد نظام الأعوان القضائيين كان نتيجة للصعوبات والعوائق التي كان يعرفها تبليغ الاستدعاءات وتنفيذ الأحكام والقرارات والأوامر خاصة بسبب ضعف المستوى الثقافي والقانوني للمبلغين وأعوان التنفيذ على قلتهم، وما يترتب عن ذلك من عدم سلامة وثائق التبليغ ومحاضر التنفيذ والمعاينات، وما يعتريها من نقص مما يؤدي أحيانا إلى استبعادها أو بطلانها. ومن تم فإن اعتماد نظام الأعوان القضائيين وإحلاله محل التبليغ والتنفيذ عن طريق أعوان المحكمة كان يهدف بالأساس إلى : العمل على السرعة في الإنجاز، والقضاء على التراكم الناتج عن تعذر التبليغ بالوسائل المتوفرة، والعمل على تقليص عمر الملف بالمحكمة من يوم تسجيله إلى يوم البث فيه، وإجراء التبليغ بطريقة سليمة، تتوفر فيها كافة الضمانات بواسطة أشخاص مؤهلين التأهيل الكافي، والعمل على أن تتم إجراءات التنفيذ بالسرعة و الفعالية المطلوبة بواسطة أشخاص أكفاء ومؤهلين تتوفر فيهم الضمانات التي تحقق للقضاء هيبته وللأطراف حقوقهم. لفت انتباه السادة الأعوان القضائيين للتصرفات الصادرة عن عدد منهم دون احترام قواعد الأخلاق المهنية وإخلالا بالنصوص القانونية ومسا بحرمة القضاء، الذي يشتغلون لفائدته وفي خدمته ومن أجل حسن سيره وسواء تعلق الأمر بالتبليغ أو التنفيذ. هذا فضلا عن المخاطر التي يمكن أن يؤدي إليها سلوك بعضهم الذين لا يتوانون عن الإخلال بالثقة والمصداقية الواجب توافرها فيهم، فإخلالهم بواجباتهــم لـــه

أثر مباشر على سمعة القضاء وحرمته وثقة الناس فيه واطمئنانهم إلى أحكامه. تحسيس الأعوان القضائيين بأهمية وخطورة الدور الموكول إليهم و جسامة المهام المعهود إليهم بها وانعكاسها على العمل القضائي سلبيا وإيجابيا، ومن تم فإن العمل على إصلاح القضاء، والرفع من مردوديته، لا يمكن أن يتأتى بصورة فعلية دون إصلاح نظامي التبليغ والتنفيذ ودون تقيد القائمين بهاتين المهمتين بقواعد حسن السلوك ( .
– أورد الحسن أبو يقين في كتابه * إجراءات التبليغ فقها وقضاء * طبعة 2002 بالصفحة 313 ما يلي : ) .. ولا شك أن نظام الأعوان القضائيين الحديث العهد في المنظومة القضائية المغربية غير مبني على أسس متينة، وتعرض منذ دخوله حيز التطبيق لعدة مضايقات وإكراهات، بالإضافة إلى أنه تشوبه مؤاخذات عديدة، وتزداد مساوئه يوما عن يوم، لدرجة أن الجميع يكاد يتفق على الاستغناء عنه، في حين أنه في الحقيقة يعد ضروريا و لا مفر من اعتماده، بعد أن يتم إصلاحه جذريا، سواء من حيث التأهيل أو التأديب، مع إيجاد عوامل تحفيزية للمنتمين لهذه المهنة ..) .

– جاء بتقديم السيد محمد بوزبع وزير العدل لمشروع القانون رقم 03.81 بتنظيم مهنة المفوضين القضائيين بدورة أبريل 2005  من المعلوم أن نظام الأعوان القضائيين الذي تم إحداثه في بداية الثمانينات من القرن الماضي، جاء لمواجهة معضلة التبليغ و التنفيذ، التي تثقل كاهل المحاكم خاصة مع الازدياد المضطرد للدعاوى و الطيات و الإجراءات المتبعة من أجل تصريف القضايا أو تنفيذها، و عدم توازي ذلك مع عدد الأعوان المكلفين بالتبليغ و التنفيذ الذين كان بعضهم يفتقر إلى التكوين و المهنية الضرورية للقيام بأعباء المهام الموكولة إليهم في مجال التبليغ و التنفيــذ.

و قد حقق هذا النظام عدة ايجابيات، خاصة فيما يتعلق بالسرعة في الانجاز و الكفاءة المهنية للأعوان القضائيين ذوي التكوين الجامعي، إلا أنه يجب الاعتراف بوجود صعوبات و سلبيات حالت دون الوصول إلى النتائج المتوخاة. وقد قامت وزارة العدل بعدة تدابير لمعالجة بعض هذه الصعوبــــــات و خاصة من خلال وضع ميكانيزمات و مساطر عملية للتنسيق بين كتابة الضبط و الأعوان القضائيين، و كذا تفعيل مراقبة قضائية على أعمال الأعوان القضائيين من طرف مسؤولي المحاكم، غير أن الفائدة و النجاعة من هذه التدابير بقيت نسبية بسبب عدم وجود الإطار القانونــــي الملائــــم و الملزم .

و لتجاوز ما ذكر، تم في مرحلة تمهيدية إجراء تقييم لتجربة الأعوان القضائيين تمت فيه استشارة مختلف الفعاليات المهنية في الحقل القضائي، و هو تقييم خلص فيه إلى ضرورة إعادة تنظيــــم مهنة الأعوان القضائيين، و ذلك من خلال إدخال عدة تعديلات جوهرية على المنظومة القانونية التي تضبط ممارسة هذه المهنة، و انطلاقا من ذلك تم إعداد مشروع قانون يتسم بعدة مستجدات تجعله أكثر قربا من الممارسة و أكثر ضبطا لها، ووضع قواعد تكفل احترام أخلاقيات المهنة و تسعى إلى تأطير أكبر لها … ).
– أورد عبد الجبار بهم باحث جامعي في كتابه *مؤسسة المفوض القضائي * بالطبعة الأولى لسنة 2007 بالصفحة 99 ما يلي : ( إن عمل المفوض القضائي لم يعد عملا يعبر عن مهنة منظمة بقانون خاص فحسب، و إنما أضحى مرتبطا بمؤسسة شبه نظامية تشكل امتدادا لجملة مـن اختصاصـــــات و اهتمامات قطاع العدل، و لعل حجم المسؤوليات التي أسندها المشرع لهذه المؤسسة و طبيعة الاختصاصات الإجرائية و الموضوعية التي خولها لها تمثل حجم الآمال و الانتظـــارات المنعقدة عليها ) .

ثانيا : إمكانيات الجودة وثمنها، في عمل المفوض القضائي :

أ – متطلبات الجودة :

أشرنا فيما سبق إلى كون الدولة قد فوضت بقانون جزءا من اختصاصاتها للمفوض القضائي، وحملته بذلك مسؤولية صعبة وخطيرة، مرتبطة ارتباطا مباشرا مع السلطتين التنفيذية والقضائية، وحملته بالتزامات و اشتراطات للنهوض بهذه الوظيفة . فكان عليه التحلي بالعديد من الخصال، منها

الحنكة القانونية، والحيطة والحذر، وممارسة المهنة بهندام لائق، وبمكتب لائق، يليق بهيبة المهنة، والحرص على اختيار مساعدين أمناء وأذكياء وجديين، وتوفير الجو الملائم لهم نظير خدماتهم .. بالإضافة إلى لزوم التأمين عن المسؤولية المدنية، وعن الحريق ، وعن السرقة ، وعن حوادث الشغـل، والانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، و إبرام عقود التقاعد وعقود التغطية الصحية، ومسايرة التطور التشريعي والعلمي والاجتهادات القضائية، والاشتراك في الجريدة الرسمية، والمشاركة في المجلات المتخصصة والندوات العلمية، والانخراط مع مساعديه في برامج التكوين المستمر وهلماجرا … ولتغطية هذه المتطلبات وغيرها، حق للمفوض القضائي على الدولة التي كلفته للنيابة عنها في هذا الاختصاص، أن تتكفل بضمان سبل تمويل كل ذلك، وتحصينه من السقوط في التعويل على انتظار الصدقات والإعانات من هذا الطرف أو ذاك .. وأن لا تنتظر حتى يفسد، فتتدخل فقط لتخليقه بالكلام، وكأنه فقط في حاجة إلى النصح والإرشاد أو العقاب والزجر! و كأنه مواطن انحرف عن اختيار و إرادة .

ب – الإمكانيات المتوفرة :

1- على مستوى التأهيل لمزاولة المهنـــة :
– حدد المرسوم رقم 2.85.736 الصادر في 21 ربيع الآخر 1407 الموافق ل 24 ديسمبر 1986 بتطبيق أحكام القانون رقم 80.41 المتعلق بإحداث هيئة للأعوان القضائيين وتنظيمها الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.80.440 بتاريخ 17 من صفر 1401 الموافق ل 25 ديسمبر 1980 ، حدد بالمادة 2 مدة التدريب في ستة أشهر نصفها بالمعهد العالي للقضاء والنصف الآخر بالمحكمة .
– نفس الشيء بالنسبة للمرسوم رقم 2.08.372 صادر في 28 من شوال 1429 الموافق ل 28 أكتوبر 2008 بتطبيق أحكام القانون رقم 81.03 بتنظيم مهنة المفوضين القضائيين، حدد بالمادة 4 مدة التكوين في ستة أشهر نصفها بالمعهد العالي للقضاء والنصف الآخر بالمحكمة .
– وبالمادة 15 من نفس المرسوم، جعل من اختصاصات الهيئة الوطنية السهرعلى تنظيم لقـــاءات و ندوات علمية من شأنها أن ترفع من مستوى الأداء، وأن تضمن تطوير وتحديث أساليب المهنـــة .
وتعتبر مدة التدريب و التكوين غير كافية تماما، على الإحاطة بكل المتطلبات المعرفية و التقنية حول المهنة و محيطها ..
و لاستكمال النواقص من طرف الهيئة الوطنية، لم تمكن هذه الأخيرة من سلطة الإلزام على التكوين، و قد تفلح هنا و لا تفلح هناك، و لن تتحقق الغاية ، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار المعانات من الإحباط جراء الواقع المادي الكارثي، و القانوني المفرط في الوصايـــة و التشدد الشكلي .
2- على المستوى المادي :
حدد قرار للوزير المنتدب لدى الوزير الأول الكلف بالشؤون الاقتصادية رقم 159.89 صادر في 27 من ربيع الآخر 1409 الموافق ل 8 ديسمبر1988 بتحديد أسعار الأجور المستحقة على الإجراءات التي يقوم بها الأعوان القضائيون في الميادين المدنية و التجارية و الإدارية، تعريفة للإجراءات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها مضحكة ..
فتراجع عنها نفسه بالقرار رقم 1115.98 صادر في 22 من ذي الحجة 1409 الموافق ل 26 يوليو 1989 ، و أيضا بقيت مهينة .
– و تم تعزيز هذه الاهانة بقرار مشترك لوزير العدل ووزير المالية و الاستثمارات الخارجية رقم 898.97 صادر في 6 محرم 1418 الموافق ل 13 مايو 1997 بتحديد التعويض السنوي الإجمالي المستحق عن الإجراءات في الميدان الجنائي .

و أمام هذه القرارات، لا يسع الشرفاء الملحقين بالمهنة إلا تقديم الاستقالة و البحث عن سبيل آخر للعيش، أو الالتحاق بركب الفساد مكرهين بفعل ضغط المتطلبات ..
و بتاريخ 18 من جمادى الأولى 1427 الموافق ل 15 يونيو 2006، أصدر وزير العدل وحده القرار رقم 1129.06، فنسخ بذلك السابق بخصوص تعريفة الإجراءات المدنية و التجارية و الإدارية.
و أيضا استبق النص التنظيمي و كرس شح التعريفة و أحدث سابقة خطيرة في المهن الحرة و هي وضع سقف للمبالغ نظير الإجراءات .. مع الإشارة إلى كون المرسوم التنظيمي ل 28 أكتوبر 2008 أوكل المهمة بالمادة 14 إلى وزير العدل و المالية بقرار مشترك . و لم يصدر بعد هذا القرار لحد الآن رغم ما تم من ملتمسات و طلبات و احتجاجات و إضرابات و اعتصامات…

ج- ثمن الجودة الحقيقي :

الرفع من الجودة لا يهم القاضي وحده، بل كل المتدخلين في النشاط القضائي، و بالتالي لن تتحقق الجودة الشاملة في الخدمة القضائية، إلا بمراعاة تحققها لدى كل هذه الجهات وعلى رأسها المفوض القضائي . فالمراحل التي تسبق صدور الحكم و تليه، تؤثر بشكل واضح في جودته، بدءا من افتتاح الدعوى – السرعة و الدقة في التبليغ و المعاينة و الاستجواب..- إلى حين صدور القرار- السرعـــة و الدقة في تبليغ الأحكام – و الانتهاء بتنفيذه – السرعة و الدقة في إجراءات التنفيذ – . و كل هذه الخدمات، من شروط الجودة فيها، استقلال المهنة عن إرادة المتقاضين .. و من الطبيعـــي و المنطقــي و العدل أن يكون للجودة المطلوبة و المرجوة ثمن، بل لا بد من المصالحة بين الجودة كمــا و كيفـــا و الثمن . و يمكن تشخيص ثمن الجودة في الآتي :
– قانون منظم للمهنة قوي ومتزن : ونظن أن وزارات العدل بكل الدول العربية قامت بدراسة لتجارب بعضها البعض، وخرجت بنتيجة سة 2008، بأن قرر وزراء العدل بها وضمنهم وزير العدل المغربي بمجلسهم المنعقد ببيروت بتاريخ 27/11/2008، باعتبار مهنة المفوض القضائي بالجزائر نموذجا.
إذ لا بد من التنصيص على :
– أن مهنة المفوض القضائي مهنة حرة و مستقلة، و المفوض القضائي ضابط عمومي، يقوم وحده بمهام التبليغ و التنفيذ، عندما لا ينص القانون على خلاف ذلك .
– توسيع اختصاصات المفوض القضائي بإضافة التنفيذ الودي والوساطة والتحكيم والصلح .
– التنصيص صراحة على إمكانية اطلاع المفوض القضائي على المعلومة وبشكل فوري، تفعيلا للفصل 27 من الدستور * للمواطنين والمواطنات حق الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون … * فرفض العديد من الإدارات مد المفوض القضائي بالمعلومة المطلوبة وبالسرعة اللازمة يسهم في عرقلة مهمة التبليغ والتنفيذ، بالحيلولة دون السرعة والفعالية المطلوبيــن.
– سن تعريفة أتعاب لإجراءات المفوض القضائي تفي بمتطلبات مكتبه المادية، ومتطلبات مكتبه العلمية، وتضمن العيش الكريم للمفوض القضائي و أسرته، ولكتابه وباقي العاملين معه …
– التنصيص على تمكين المفوض القضائي من أتعابه في قضايا المساعدة القضائية من خزينة الدولة و على رأس كل شهر.
– السماح للمفوض القضائي بولوج مهنة القضاء و المحاماة …
– تمكين الهيئة الوطنية للمفوضين القضائيين من سبل الإدارة الحقيقية للمهنة، بإسناد كافة صلاحيات المراقبة والتأديب، وتدعيمها ماديا للنهوض بأعبائها بقوة وباستقلالية تامة .

ودون ذلك، الاستعاضة عن المهنة بالإدماج في الوظيفة العمومية بالسلم العاشر مع اعتبار الأقدمية. فبالإمكانيات المتوفرة حاليا يبقى أمر الجودة مستحيلا، وما قد يتحقق، فبفضل إخلاص البعض، وعلى حساب راحتهم وراحة أسرهم، فهم يتعذبون ليستفيد آخرون، وهذا ليس من العدل في شيء، وقد يولد لونا آخر من المشاكل، أقلها الحقد تجاه الدولة الظالمة وفق إحساسه وأسرته وشعـوره وشعور أسرته .. ما يضعف حجم عقيدة الوطنية في القلوب .

الفقرة الرابعة : أفق الإصلاح المرتقب بخصوص مدى الاستجابة لمطلب توفير ثمن الجودة المتوخاة :

أولا : مشروعية ثمن الجودة :

بالإضافة إلى الدراسة التحليلية التي عرجت عليها آنفا بشكل مختصر، يجد أيضا ثمن الجودة شرعيته فيما يلي :
أ : خطاب جلالة الملك 29 يناير 2003 بمناسبة افتتاح السنة القضائية بأكاديــــــر :
* .. ولأن تأهيل العدالة رهين بالتكوين الجيد للقضاة، وبتحسين الوضعية المادية للقضاة المبتدئين، والأعوان القضائيين، فإننا نهيب بحكومتنا أن تنظر في مراجعة وضعيتهم المادية، ووضع نظام أساسي محفز لكتاب الضبط، تحصينا لهم من كل الإغراءات والانحرافات، المخلة بشرف القضاء ونزاهة رسالته .*
ب – خطاب جلالة الملك 20 غشت 2009 الشهير :
– بالمجال الأول من مجالات الإصلاح المسطرة :
* دعم ضمانات الاستقلالية … وفي نفس الإطار، يجدر مراجعة النظام الأساسي للقضاة، في اتجاه تعزيز الاحترافية، والمسؤولية والتجرد، ودينامية الترقية المهنية، وذلك في ارتباط مع إخراج القانون الأساسي لكتاب الضبط، وإعادة النظر في الإطار القانوني المنظم لمختلف المهن القضائية.*
– بالمجال الرابع من مجالات الإصلاح المسطرة :
.. تأهيل الموارد البشرية، تكوينا وأداء وتقويما، مع العمل على تحسين الأوضاع المادية للقضاة وموظفي العدل..
ج – خطاب جلالة الملك فاتح مارس 2010 بمناسبة افتتاح الدورة الجديدة للمجلس الأعلى للقضاء بالرباط :
.. وفيما أخذت المحاكم الإدارية والتجارية تعطي ثمارها في مجال ترسيخ سيادة القانون سواء في علاقات الإدارة بالمواطن أو في ميدان الأعمال فقد تحققت على المستوى التشريعي إصلاحات هامة في انتظار أخرى هي في طريق الإنجاز من شأنها استكمال بناء صرح العدالة وتعزيز قدرات المحاكم للتغلب على البطء باعتماد القضاء الفردي فضلا عن إضفاء البعد الإنساني على قانون السجون وعصرنة القضاء الجنائي وإعادة تأهيل المهن القضائية وتحسين تكوين القضاة و الأعوان القضائيين وكذا ظروف عملهم في العديد من المحاكم.
د- تصدير الدستور الجديد لسنة 2011 :
إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.

ثانيا : الأمر بيد المفوض القضائي عبر جديته في عمله، وجديته في نضالاته لانتزاع ثمن جودة عمله، بكافة الطرق المشروعة :

أ- الجدية في العمل :
– تقتضي الجدية في العمل، مسك السجلات المنصوص عليها قانونا بشكل منظم، وتتمثل في السجل اليومي المنصوص عليه بالمادة 25 من القانون 03.81 وسجل التداول المنصوص عليه بالمادتين 24 و 26 من نفس القانون. والكناش المنصوص عليه بالمادة 29 من نفس القانون. وأن يسعى إلى تحصيل سجل المادة 25 و كناش المادة 29 من لدن الهيئة الوطنية الموكول إليها أمر طبعهما وفق اختصاصاتها بالمادة 15 من المرسوم التطبيقي ل: 28 أكتوبر 2008 .
– وتقتضي الجدية أيضا، الحرص على الإنجاز وفق المسطرة القانونية السليمة، و بتجرد تام، مع بذل العناية اللازمة، وفي الأمد الزمني المعقول والمقبول، لكل الإجراءات المحالة عليه، ومن أية جهة وردت، سواء المحكمة أو الأطراف مباشرة..
– وتقتضي الجدية أيضا، مد الهيئة الوطنية ومجالسها بإحصاءات دورية، كإخبار بخصوص جميع الإجراءات المحالة نوعا وعددا، تاريخا ومآلا. وذلك حتى تتمكن هذه الجهات من بسط مردود المهنة للرأي العام وكل من يعنيه الأمر.

والتصدي للادعاءات المنحازة والخالية من الموضوعية، الصادرة من هنا وهناك حول دور المهنة في واقع العدالة، الهادفة إلى الدفع في اتجاه مزيد من الوصاية عليها ليستمر الحجز عليها وتستمر ضعيفة، وملاذا آمنا، يختبئ وراءه كل فشل في الإصلاح و التغيير بمرفق العدالة.
ب – الجدية في النضال :
– تقتضي الجدية في النضال الانضباط لقرارات الهيئة الوطنية، بشكل تام، ومهما تكن التضحيات. ذلك أن أجهزة الهيئة الوطنية التي انتخبها المفوض القضائي لتمثيله، وتأطيره، وتخليقه، وتكوينه، والسعي إلى تطوير وتحديث أساليب عمله، ثم الدفاع عن حقوقه وحمايته، سكوتها عن أي مسعى للمس بهذه الحقوق من أية جهة بدا، يعد خيانة. وبالتالي دعوتها إلى تبن خطوات نضال ما، لمقاومة عناد ما، أو تعد ما، على حقوق المفوض القضائي، فلازم الانضباط إلى هذه الخطوات. وأي خذلان من المفوض القضائي بدوره يعد خيانة تجاه زملائه، وتجاه من ائتمنهم لتمثيله والدفاع عن حقوقه.
– وتقتضي الجدية في النضال أيضا، المشاركة في الحوار الوطني حول الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة. وقد اعتبرت الهيئة الوطنية، عضوا في هيئة الحوار الوطني للإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة. فهذا أوان الكلام لكل ذا رأي، والممارس أولى بأن يتكلم ويستمع إليه، فليس من رأي ومارس كمن سمع .. و لعل الصوت وصل أخيرا، وبعد طول صياح، بضرورة الإنصات إلى الممارسين أولا، وقبل تسطير النصوص. فتقرر عقد ندوات جهوية موضوعاتية في مناطق مختلفة بالبلاد من أجل تلقي ملاحظات ومقترحات الجهات المعنية بمخطط الإصلاح، حتى تتمكن اللجنة المنبثقة عن الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح القضاء، من وضع الأرضية المناسبة للإصلاح، آخذة بعين الاعتبار جميع الآراء المعبر عنها.

فلا ينبغي التأخر عن الركب، والصبر على الويل والسكوت، حتى يفوت الأوان، بل يجب الصدح بالمظالم والكشف عن المفاسد، وتقديم الاقتراح، وترك البصمات، لإقامة الحجة على من تحمل الأمانة لتقويم الاعوجاجات في المشهد القضائي برمته اليوم، فالإرادة السياسية على ما يبدو متوفرة في الوقت الحالي، أكثر من أي وقت مضى من أجل الإصلاح. وإن كانت الآثار السلبية لمن سبقوا بدءا من عمر عزيمان ومرورا بمحمد بوزبع وعبد الواحد الراضي ومحمد الطيب الناصري، والذي أيئسوا الناس من الإصلاح فوقعوا بذلك ورقة دخوله غرفة الإنعاش – ما تزال تخيم بظلالها على المشهد القضائي. لكن مطلوب العمل والتفاؤل على كل حال.
) وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ( الآية .. صدق الله مولانا العظيم .

أعده
الأستاذ سعيد القرشي
رئيس المجلس الجهوي للمفوض القضائيين للجديــــدة
بمناسبة اللقاء العلمي الأول لمفوضي الدائرة و كتابهم
بمقر محكمة الاستئناف بالجديدة يوم السبت 16/06/2012

اترك تعليقاً