إن القيمة الحقيقة للقانون تتوقف على تطبيقه المحايد،لذا فإن كان مبدأ الفصل بين السلطات المعروف في القانون الدستوري،يكفل حماية السلطة القضائية ككل من أي تأثير خارجي من باقي سلطات الدولة،فإن هذا الإستقلال لايكون كاملا إلا بتوفير ضمان آخر داخل هذه السلطة القضائية ذاتها،وهو ضمان الفصل بين وظائف الإتهام والتحقيق والمحاكمة.
يقوم بالتحقيق الإعدادي قاض من قضاة التحقيق المعينين بكل محكمة من المحاكم الابتدائية أو محاكم الاستئناف، وفقا لإجراءات معينة بدقة، وفي ظل مسطرة قضائية تمتاز بوفرة ضمانات حقوق الدفاع،وبذلك يكون قضاة التحقيق هم السلطة الثالثة المكلفة بالتحري عن الجرائم (إضافة إلى الشرطة القضائية والنيابة العامة).
الفرع الأول: القضاة المكلفون بالتحقيق
يقوم بالتحقيق قاض من بين قضاة الحكم بمحكمة الاستئناف أو المحكمة الابتدائية، يتم تعينهما بقرار لوزير العدل بناء على اقتراح رئيس المحكمة التي ينتميان إليها.
المبحث الأول:التعريف بقاضي التحقيق
يتجلى التعريف بقاضي التحقيق في الإجراءات التي يقوم بها، والصلاحيات المخولة إليه للقيام بمهام التحقيق الإعدادي.
فهو يملك سلطات واسعة للتقرير في حرية المواطنين وفي ممتلكاتهم، ويباشر مهامه من خلال مجموعة النصوص القانونية المعقدة باستعمال علمه وخبرته، إضافة إلى أخلاقياته المهنية وضميره وفضائله التي تكسب مهمته عظمتها الحقيقية.
فإذا كان هو الجهة التي أوكل إليها القانون القيام بالتحقيق الإعدادي من خلال جمع الأدلة عن الجرائم والبحث عن مرتكبيها واتخاذ القرارات على ضوئها، فإن المهام المتعددة التي أسندها إليه جعلته صاحب أدوار مختلفة ومتداخلة:
– فهو ضابط سام للشرطة القضائية، من حيث جمع الأدلة عن الجرائم والبحث عن مرتكبيها، مباشرة أو بواسطة إنابة قضائية، والوقوف على الجريمة المتلبس بها طبقا للمادة 75 من ق.م. ج، التي توجب على الوكيل العام للملك أو وكيل الملك أو ضابط الشرطة القضائية التخلي له عن القضية بمجرد حضوره إلى مكان وقوع الجريمة المتلبس بها.
بحيث يمارس الصلاحيات الموكولة إلى ضباط الشرطة القضائية، كما له أن يأمر هؤلاء بمتابعة الأبحاث والتحريات فيها. ويحيل جميع وثائق البحث على النيابة العامة بمجرد الانتهاء، لأنه أنجزه بضفته ضابطا ساميا للشرطة القضائية، وليس بصفته قاضيا للتحقيق يباشر إجراءات التحقيق الإعدادي، إلا إذا قدم له الوكيل العام للملك أو وكيل الملك الحاضرين بعين المكان ملتمسا بإجراء تحقيق، فينقلب دوره آنذاك إلى دور قاضي التحقيق؛
– وهو جهة إتهام، من حيث مهامه الشبيهة بمهام النيابة العامة، كإصدار الأوامر الماسة بالحرية وبالحق في التنقل، والاعتقال الاحتياطي، والتقاط المكالمات الهاتفية، وتفقد المؤسسات السجنية، وتسخير القوة العمومية…؛
– وهو جهة قضائية، من حيث إصدار القرارات وإجبارية تعليل بعضها، ومن حيث قابلية هذه القرارات للطعن، وكذلك من حيث قوة الإثبات التي أعطاها القانون للاعتراف الذي يتم أمامه وللتصريحات التي يفضي بها الشهود إليه.
المطلب الأول: المبادئ التي يقوم عليها التحقيق
يختلف مفهوم الدليل الموجب للمتابعة بين قضاء التحقيق وقضاء الحكم،فقاضي التحقيق يقرر المتابعة شأنه شأن النيابة العامة عند وجود ما يجعل الشبهة محتملة في تقديره،فهو لا يرجح بين حجج الإثبات وحجج النفي، ولا يرد أي دليل بحجة أنه لم يقتنع به، لأن ذلك يخرج عن سلطته،أما قضاء الحكم فلا يأخذ بالأدلة إلا إذا كانت قاطعة أو وجد ما يجعلها مقنعة، فهو بذلك يقيم الحجج المعروضة عليه ويرجح بينها ويرد ما لم يقنعه منها،لذلك يقال إن دور قضاء التحقيق هو جمع الأدلة وأن دور قضاء الحكم هو تدقيقها وتقييمها.
ولتوفير ظروف المحاكمة العادلة كان لزاما أن يحاط قضاء التحقيق ببعض الضمانات التي يكرسها المبدءان التاليان:
مبدأ الفصل بين التحقيق وبين النيابة العامة من خلال مبدأ فصل المتابعة عن التحقيق، جعل القانون زمام كل واحد من هذين الإجراءين بيد جهة متميزة تتمتع بأقصى ما يمكن من الاستقلال تجاه الجهة الأخرى.
فعهد بالمتابعة إلى النيابة العامة من غير أن تنهض بأعباء التحقيق،ومنح لقاضي التحقيق وحده الاختصاص للقيام بإجراءات التحقيق الإعدادي، دون تحريك الدعوى العمومية،فقاضي التحقيق لا يستطيع أن يبادر إلى إجراء تحقيق من تلقاء نفسه، وعليه أن ينتظر حتى تكلفة النيابة العامة بذلك بواسطة ملتمس، أو أن تقدم إليه مطالبة بالحق المدني من طرف المتضرر من الجريمة.
إن مبدأ فصل التحقيق عن الاتهام كان أمرا موضوعيا أيضا لدعم المحاكمة العادلة،فلما كانت وظيفة التحقيق أقرب إلى وظيفة الحكم، فإنه لم يكن من المنطق أن تعطي سلطة الاتهام وسلطة الحكم لجهة واحدة، ضمانا لتحقيق سلامة العمل ولبث الطمأنينة في نفس المتهم.
2- مبدأ حماية المصالح
لأجل دعم مبدأ حماية مصالح جميع أطراف الدعوى الزجرية خلال مرحلة التحقيق، أحاط المشرع هذه المرحلة بمجموعة من الضمانات وهي:
– الحق في المؤازرة من طرف محام منذ الاستنطاق الابتدائي؛
– توثيق جميع إجراءات التحقيق بإشهاد كاتب للضبط على استنطاق المتهمين وعلى تصريحات الشهود، وبتحرير قاضی التحقيق لجميع أوامره وقراراته؛
– ضمان سرية التحقيق بعدم حضور مراحل التحقيق إلا لمن يسمح له القانون، وبمنع إفشاء أو نشر ما يجري أثناء التحقيق تحت طائلة العقاب ( المادة 15 من ق.م. ج.).
المطلب الثاني: المطالبة بإجراء التحقيق
تتم المطالبة بإجراء التحقيق إما من طرف النيابة العامة أو من طرف المتضرر، وذلك في الجرائم التي يوجب فيها القانون إجراء التحقيق،
الفقرة الأولى: الجرائم القابلة للتحقيق
لما كان التحقيق الإعدادي أداة للبحث عن الأدلة قبل إحالة المتهم على قضاء الحكم، فإنه كان منطقيا أن يستثني القانون منه بعض القضايا الحاملة معها، منذ اقتراف الأفعال الجرمية، وسيلة الإثبات كالتلبس.
وأن يجعله إلزاميا وواجبا بالنسبة لبعض الجرائم الخطيرة والمعاقب عليها بشدة، لأنه يقوي ضمانات المتهم ويدعم مفهوم المحاكمة العادلة.
فالحالات التي يقرر المشرع المغربي إجراء التحقيق فيها تنظمها المواد 83 و 92 و 264 إلى 268 و470 و 486 من قانون المسطرة الجنائية، وفي قوانين أخرى تنظم اختصاص بعض الجهات القضائية الخاصة.
ويمكن حصر أهم الحالات التي يجري فيها التحقيق كما يلي:
أولا : المطالبة بالتحقيق من طرف النيابة العامة
میز المشرع في هذه الحالة بين الرشداء والأحداث. كما میز بين الجنايات والجنح
1 – التحقيق في الجنايات
حسب المادة 83 من ق.م. ج. يكون التحقيق في القضايا الجنائية إلزاميا في بعضها واختياريا في بعضها الآخر.
التحقيق الإلزامي
يكون التحقيق واجبا وإلزاميا في الجنايات في الأحوال الآتية:
* في الجنايات المرتكبة من طرف الأحداث كيفما كانت العقوبة المقررة لها،فكلما تعلق الأمر بجناية ارتكبها حدث يقل سنه عن 18 سنة شمسية كاملة، يتعين على الوكيل العام للملك أن يتقدم بملتمس بإجراء تحقيق بشأنها، إذا قرر متابعة الحدث.
* وبالنسبة للرشداء، يتعين المطالبة بالتحقيق بصفة إلزامية، إذا قررت النيابة العامة المتابعة وذلك في الحالات الآتية:
– إذا كانت إحدى الجنايات المرتكبة معاقبة عليها بالإعدام، أو بالسجن المؤبد، أو يصل الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها ثلاثين سنة، ولو تم ضبط الفاعل في حالة تلبس؛
– إذا كانت الجناية المرتكبة معاقبا عليها بغير هذه العقوبات، ولم يتم ضبط الفاعل في حالة تلبس. ذلك أن الإحالة المباشرة من طرف الوكيل العام للملك على غرفة الجنايات تقتصر على حالة التلبس بالجناية وكون القضية جاهزة للحكم. وبالرجوع للمادة 419 من ق.م.ج. التي تحدد كيفية إحالة القضية على غرفة الجنايات، يتبين أن الإحالة المباشرة على غرفة الجنايات مقصورة على ما تضمنته المادة 73 من ق.م. ج. المتعلقة بحالة التلبس، مما يقصي من دائرة الإحالة المباشرة على غرفة الجنايات، الجنايات غير المتلبس بها.
ب – التحقيق غير الإلزامي (الاختياري)
يكون التحقيق اختياريا في الجنايات، إذا تعلق الأمر بحالة تلبس بالجناية، وتبين للوكيل العام للملك أن القضية غير جاهزة للحكم.
وبالرجوع إلى المادة 73 من ق.م. ج. يبدو أنها أتاحت اللوكيل العام للملك الحق في إصدار أمر بوضع المتهم رهن الاعتقال وإحالته على غرفة الجنايات داخل أجل لا يتجاوز 15 يوما ولا يقل عن خمسة أيام ، إذا تعلق الأمر بالتلبس بجناية أو جنحة وظهر أن القضية جاهزة للحكم.
وأما إذا ظهر له أن القضية غير جاهزة للحكم، فإنه يلتمس إجراء تحقيق فيها.
ويتضح من ذلك أنه لا خيار للوكيل العام للملك في إحالة القضية على قاضي التحقيق إذا كانت القضية غير جاهزة للحكم. أي متى تبين له أن وسائل الإثبات غير كافية وأن الحقيقة لم تتضح بعد من البحث الذي أنجزته الشرطة القضائية،وإذا كان هناك من يقول بأن الوكيل العام للملك يملك الخيار في هذه الحالة، فنرى أن الخيار الوحيد المتاح له هو سلطته في تقدير ما إذا كانت القضية جاهزة أو غير جاهزة للحكم،وبديهي أن تقديره تحكمه ظروف موضوعية، ولذلك فإنه إذا اعتبر القضية جاهزة وهي خلاف ذلك، فإن ذلك سيضر بالبحث عن الحقيقة وينتج عنه حكم لا يعكسها. أو نقول أن مفهوم الاختيارية ليس متروكا إلى تقدير عضو النيابة العامة وإنما هو مرتبط بمدى تحقق أو انتفاء مقتضيات المادة 73 من ق.م.ج. بالنسبة للجنايات غير المعاقب عليها بالعقوبات المذكورة أعلاه. ويستخلص من ذلك أنه رغم أن المشرع استعمل في الفقرة الأخيرة من المادة 83 من ق.م.ج. تعبير “يكون – التحقيق- اختياريا فيما عدا ذلك من الجنايات…”، فإن الواقع لا يسمح بالاختيار بالنسبة للجنايات إلا في حدود السلطة التقديرية المتاحة للوكيل العام للملك لتقدير مدى جاهزية القضية للحكم في حالة التلبس. وحتى في هذه الحالة فإنه لا يملك الخيار لأنه ملزم بإحالتها مباشرة على الجلسة، وقد عبرت الفقرة 4 من المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية عن ذلك بالقول: ” إذا ظهر أن القضية غير جاهزة للحكم، التمس إجراء تحقيق فيها”.
2- التحقيق في الجنح
التحقيق الإلزامي في الجنح
يكون التحقيق إلزاميا في الجنح بمقتضى نص خاص في القانون. وتعتبر المواد من 255 إلى 257 من ق.م.ج. نموذجا للنصوص الخاصة الإحالة الجنح والمخالفات غير القابلة للتجزئة عن الجنايات والمرتبطة بها على التحقيق مع هذه الجنايات.
وتعتبر الجرائم غير قابلة للتجزئة متى كانت متصلة اتصالا وثيقا لدرجة لا يتصور بعضها بدون البعض الآخر،وكذلك إذا كانت مترتبة عن نفس السبب وناشئة عن نفس الدافع وارتكبت في نفس الوقت وفي نفس المكان المادة 256.
وأما الجرائم المرتبطة فهي الجرائم التي:
– ترتكب في وقت واحد من طرف أشخاص مجتمعين؛
– أو ترتكب من طرف أشخاص مختلفين ولو في أوقات متباينة وفي أماكن مختلفة على إثر اتفاق سابق بينهم؛
– أو إذا ارتكب الجناة جرائم للحصول على وسائل تمكنهم من ارتكاب جرائم أخرى؛
– ويعتبر إخفاء الأشياء المحصل عليها في جريمة بمثابة جريمة مرتبطة بالجريمة التي مكنت من الحصول على تلك الأشياء. (المادة 257)
وتنص المادة 255 أن المحكمة المختصة بالنظر في الجريمة الأشد تكون مختصة بالنظر في الجرائم المرتبطة بها أو غير القابلة للتجزئة عنها، ويؤدي هذا الأمر إلى أن المخالفات والجنح المرتبطة بجنايات خاضعة التحقيق الإلزامي أو غير قابلة للتجزئة عنها تصبح هي الأخرى قابلة للتحقيق، بل يجب التحقيق فيها مع الجنايات المذكورة.
ومن الأمثلة الأخرى على التحقيق الوجوبي في الجنح، ما نصت عليه المواد 264 وما يليها من ق.م. ج. وما يليها المتعلقة بقواعد الاختصاص الاستثنائية بشأن الجنايات والجنح المنسوبة لبعض القضاة أو الموظفين.
ب – التحقيق الاختياري في الجنح
يكون التحقيق اختياريا في الجنح المرتكبة من طرف الرشداء متى كان الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها يوازي على الأقل خمس سنوات.
وتتمثل الاختيارية في تقدير ما إذا كان من المناسب أو غير المناسب إحالة القضية على المحكمة، وهي لیست متروكة لتقدير عضو النيابة العامة لاستعمالها حسب مزاجه وهواه ولكنها مقررة لهدف استجماع كافة الأدلة المتعلقة بالفعل الجرمي، سواء كانت في صالح المتهم أو ضده، تعزيزا لضمانات المحاكمة العادلة خاصة في القضايا المعقدة أو التي تتطلب إجراءات معينة في البحث كقضايا التزوير مثلا أو القضايا الاقتصادية التي قد تحتاج لخبرات ولتحقيق الخطوط مثلا).
ولذلك يتعين على وكيل الملك أن يأخذ بعين الاعتبار في اختياره المطالبة بإجراء تحقيق أو اللجوء إلى مسطرة الإحالة المباشرة على قضاء الحكم، النتائج المتوخاة من التحقيق، وهل من شأنه أن يسلط الأضواء على نقط حاسمة وما تزال غامضة في القضية، أم أن الأدلة المحصل عليها من البحث المجري بواسطة الشرطة القضائية كافية وواضحة.
فالغاية من إتاحة إمكانية إجراء التحقيق هي الوصول إلى الحقيقة كاملة، وليست إجراء شكليا،فكلما كانت القضية واضحة كلما أصبح اللجوء إلى التحقيق غير ذي جدوى،بل إنه سيضر بحسن سير العدالة نتيجة إغراق قاضي التحقيق بالقضايا الواضحة أو البسيطة التي تأخذ من وقته وجهده على حساب القضايا التي تحتاج فعلا للتحقيق.
كما يكون التحقيق اختياريا في الجنح المرتكبة من طرف الأحداث مهما كانت عقوبتها أو كيفية ضبط فاعليها.
يذهب الفقه إلى أن هذه القواعد الخاصة بإلزامية التحقيق تشكل قاعدة جوهرية يؤدي الإخلال بها إلى بطلان المتابعة، وعلى المحكمة أن تثير البطلان تلقائيا ولو لم يتمسك به المتهم باعتبار أنه من النظام العام.
والواقع أن التحقيق يعتبر ضمانة من الضمانات المرتبطة بحقوق الدفاع، وهو من الحقوق الأساسية والجوهرية التي يترتب عن الإخلال بها البطلان.
وللنيابة العامة عند وضعها ملتمسا بفتح تحقيق، أن تطلب منه القيام بأي إجراء مفيد لإبراز الحقيقة، كالاستماع إلى الشهود أو إجراء الخبرة أو مقابلة المتهم مع شاهد معين، أو أي إجراء آخر تراه ضروريا للحفاظ على الأمن، وخاصة وضع المتهم رهن إشارة العدالة،ولها أن تدلي بملتمسات إضافية أثناء مرحلة التحقيق وإلى غاية إنهائه، وأن تطلب تسليمها ملف الإجراءات من قاضي التحقيق شريطة إرجاعه بعد الإطلاع عليه في ظرف 24 ساعة.
فالنيابة العامة تمارس الدعوى العمومية وتراقب سيرها، وتختلف وسائل هذه المراقبة، كما تتفاوت صلاحياتها بين مرحلة التحقيق الإعدادي ومرحلة المحاكمة.
غير أنه إذا ارتأى قاضي التحقيق عدم الاستجابة لطلبات النيابة العامة، فعليه أن يصدر أمره بالرفض معللا، خلال الخمسة أيام الموالية لتقديم الملتمس بالنسبة للطلبات المذكورة في المادة 89 من ق.م.ج.
أما بالنسبة لملتمس إيداع المتهم بالسجن المنصوص عليه في المادة 134 من ق.م. ج.، فلا يشترط تعليل الأمر الصادر بشأنه، غير أن قاضي التحقيق ملزم بإصداره خلال 24 ساعة من تقديم الملتمس بإجراء التحقيق، وعليه أن يبلغه فورا إلى النيابة العامة.
ورغم أن قاضي التحقيق مستقل إداريا وقضائيا عن النيابة العامة، ولا يخضع لتوجيهاتها وأوامرها ولا يصدر قراراته إلا بتوجيه من ضميره واقتناعه الشخصي. فإن النيابة العامة موكول إليها مراقبة أعماله والإشراف المباشر عليها، وهي تملك وسائل فعالة لهذه المراقبة ولهذا الإشراف أهمها:
– تعيين القاضي المكلف بالتحقيق عند تقديم الملتمس بإجراء التحقيق،ففي حالة تعدد قضاة التحقيق بالمحكمة تعين النيابة العامة القاضي المكلف بالتحقيق في كل قضية على حدة، وتتوجه بملتمسها إليه باسمه؛
– تقديم ملتمس إلى الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف معللا بأسباب يرمي إلى سحب قضية من قاضي التحقيق وإحالتها علی قاض أخر، إما تلقائيا وإما بناء على طلب من الطرف المدني، أو من المتهم، وتبت الغرفة الجنحية في الطلب داخل أجل لا يتعدى عشرة أيام من تاريخ توصلها به، بقرار غير قابل لأي طعن. ولا يوقف الملتمس سير إجراءات البحث والتحقيق، التي تتواصل بكيفية عادية إلى حين صدور قرار الغرفة الجنحية.
ثانيا: المطالبة بالتحقيق من طرف المتضرر
يفهم من المواد 92 من ق.م. ج. وما يليها أنه يحق للمتضرر إقامة الدعوى العمومية بواسطة الادعاء المباشر أمام قاضی التحقيق، سواء تعلق الأمر بجناية أو بجنحة قابلة للتحقيق. فإذا لم تكن الجريمة قابلة للتحقيق فإنه لا يمكن للمطالب بالحق المدني أن يطالب بإجراء تحقيق بشأنها.
وقد نصت المادة 92 من ق.م. ج. أن كل شخص تضرر من جناية أو جنحة يمكن أن ينصب نفسه طرفا مدنيا عند تقديم شكايته أمام قاض التحقيق “ما لم ينص القانون على خلاف ذلك”. كما أن المادة 93 من ق.م. ج. تفيد أن النيابة العامة لا يمكنها أن تعارض في إجراء التحقيق الذي يطالب به الطرف المدني إلا في حالات محددة، من بينها الحالة التي لا تكون فيها “الجريمة من النوع القابل للتحقيق”.
وتعبير “ما لم ينص القانون على خلاف ذلك” الوارد في المادة 92 من ق.م. ج يعني بالإضافة إلى ما ذكر، حالات أخرى يقرر فيها القانون مسطرة خاصة، كما هو الشأن بالنسبة للحصانة الديبلوماسية أو البرلمانية. أو كالمطالبة بإجراء تحقيق في حق عضو من أعضاء الحكومة من أجل فعل جرمي ينسب إليه خلال ممارسته مهامه. أو كما الشأن بالنسبة للمساطر الخاصة المنصوص عليها في المواد 264 وما يليها من ق.م.ج. بشأن الجرائم المنسوبة لبعض القضاة والموظفين، حيث يقرر القانون مسطرة خاصة تتم عبر إحالة القضية من طرف النيابة العامة على الغرفة الجنائية بمحكمة النقض، أو على الرئيس الأول المحكمة الاستئناف حسب الأحوال. وهو ما لا يفسح المجال التحريك الدعوى من طرف المتضرر مباشرة، علما بأن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف قد يقرران إجراء تحقيق في القضية،وفي هذه الحالة فلا شيء يمنع المتضرر من الانتصاب كطرف مدني أمام قاض التحقيق.
1 – إقامة الدعوى العمومية من طرف المتضرر
إذا كانت الصلاحية في إقامة الدعوى العمومية وممارستها تعود إلى النيابة العامة بصفة أساسية، كما رأينا، وهي تملك في ذلك سلطة الملاءمة،فإن القانون خول لكل شخص تضرر من فعل جرمي الحق في إثارة الدعوى العمومية عن طريق الادعاء المدني، وفق شروط وإجراءات معينة، ما لم تكن هناك قيود أو موانع ينص عليها القانون ( المادة 92 من ق.م. ج)
و يعتبر هذا الحق المخول للمتضرر إمكانية وضعها المشرع في متناوله لحماية حقوقه في حالة عدم قيام النيابة العامة بتحريك الدعوى العمومية في إطار إعمال ما لها من سلطة الملاءمة.
فيحق له أن يقيم هذه الدعوى عن طريق الادعاء المباشر بالحق المدني، أمام قاضي التحقيق المختص بالتحقيق في الفعل الجرمي الذي تضرر منه، وذلك ما لم يصطدم هذا الحق بمانع كالحصانة أو الاختصاص أو القواعد الاستثنائية.
و كما يمكن للمتضرر تحريك الدعوى العمومية عن طريق الادعاء المباشر في مواجهة شخص ذاتي – طبيعي – سواء كان فاعلا أصليا للجريمة أو مساهما أو مشاركا فيها، فإنه يمكنه تحريكها في مواجهة شخص معنوي فيما يتعلق بالجرائم التي تمكن نسبتها إلى الأشخاص المعنوية.
و تتلخص شروط وكيفية إثارة الدعوى العمومية من طرف المتضرر أمام قاضي التحقيق طبقا للمادة 92 من قانون المسطرة الجنائية في :
– وجوب كون الجريمة جناية أو جنحة، دون المخالفة التي لا يمكن للمتضرر منها تحريك الدعوى العمومية بشأنها عن طريق الادعاء المباشر، إلا إذا كانت مرتبطة بجنحة أو بجناية، أو غير قابلة لتجزئتها عنهما؛
– وجوب وجود متضرر من هذه الجريمة تتوفر فيه أهلية الادعاء،وإذا لم يكن متوفرا عليها، فيقيم الدعوى بإذن من نائبه القانوني أو بمساعدته (المادة 352 من ق.م.ج)وفي حالة عدم وجود هذا الأخير فبواسطة وكيل خصوصي تعينه له المحكمة بناء على ملتمس النيابة العامة ( المادة 353 من ق.م.ج )؛
– قیام علاقة سببية مباشرة بين الجريمة والضرر ( المادتان 2 و7 من ق.م.ج)؛
– يكون قاضي التحقيق مختصا نوعيا ومكانيا.
ويوجب القانون على المطالب بالحق المدني المثير للدعوى العمومية غير المحصل على المساعدة القضائية، أداء مبالغ مالية لقبول شكايته المباشرة، تشمل المبلغ المفترض أنه ضروري المصاريف إجراءات الدعوئ كأجور الخبراء والتراجمة ومصاريف استدعاء الشهود الخ… والذي يحدده قاضي التحقيق مراعيا في تقديره الإمكانيات المالية للمشتكي، ويحدد له أجل الإيداع الذي يترتب عن عدم احترامه عدم قبول الشكاية المباشرة.
ومن الناحية العملية فإن الشكاية المباشرة توضع بكتابة التحقيق، وتحال بعد أن تسجل على قاضي التحقيق ليحدد المبلغ المفترض لتسديد مصاريف الإجراءات وأجل إيداعه، ويبلغ مقرر التحديد إلى المشتكي مقابل ما يثبت التوصل به، ليرتب عند عدم الإيداع بعد انصرام الأجل المحدد، جزاء عدم القبول الذي تنص عليه المادة 95 من قانون المسطرة الجنائية.
أما المشتكى المستفيد من المساعدة القضائية بمقتضی المرسوم الملكي المؤرخ في فاتح نونبر 1966 فيعفى من جميع الأداءات، طبقا للمادة 56 من القانون رقم 23-86 المتعلق بالمصاريف القضائية في الميدان الجنائي والمادة 95 من قانون المسطرة الجنائية.
و تعتبر المذكرة التي يقدمها الطرف المدني في هذه الحالة، تأكيدا لمتابعته لسير الدعوى التي أثارها،ويتعين أن تكون المذكرة مستوفية لشروط معينة.
ولا يكون المتضرر المتدخل كمطالب بالحق المدني أمام قاضي التحقيق، في الدعوى العمومية التي أقامتها النيابة العامة ملزما بأداء أي مبلغ، لأن مصاريف الدعوى العمومية في هذه الحالة تسبقها الخزينة العامة، لأن النيابة العامة هي التي أقامت الدعوى.
وحسب ماجاءت به المادة 95 من قانون المسطرة الجنائية، التي أوكلت إلى قاضي التحقيق مهمة إشعار الوكيل القضائي للمملكة، في حالة إقامة الدعوى العمومية من طرف المشتكي المتضرر عن طريق الادعاء المدني، في مواجهة قاض أو موظف عمومي أو عون تابع للسلطة أو القوة العمومية، وظهر أن الدولة يمكن أن تتحمل المسؤولية المدنية من جراء أعمال تابعها.
وخلافا لما كان عليه الأمر في ظل قانون المسطرة الجنائية الملغي الذي كان يعتبر إشعار الوكيل القضائي للمملكة واجبا إجرائيا يترتب عن عدم القيام به الحكم بعدم قبول المتابعة،فإن المشرع لم يعد يعتبر هذا الإشعار سوى إجراء تنظيميا ولم يرتب أي جزاء قضائي عن عدم القيام به، سواء من طرف قاضي التحقيق في نطاق الشكاية المباشرة ( المادة 95 من ق.م. ج.)، أو من طرف النيابة العامة عند تحريكها للدعوى العمومية ( المادتان 3 و 37 من ق.م.ج.)، أو من طرف المحكمة التي يقدم أمامها طلب التعويض ضد من سبق ذكرهم من موظفي القطاع العام ( المادة 351 من ق.م.ج. ).
و تشترط المادة 96 من ق.م. ج. على المتضرر المطالب بالحق المدني أمام قاضي التحقيق، سواء عن طريق الادعاء المباشر أو بانضمامه إلى دعوى حركتها النيابة العامة، إذا لم يكن له موطن أو محل إقامة بدائرة نفوذ محكمة قاضي التحقيق الذي يباشر الإجراءات، أن يعين محلا للمخابرة معه داخل تلك الدائرة.
و يظهر أن غاية المشرع من هذا الإجراء، هي ضمان تيسير إجراءات التحقيق فقط، من خلال إمكانية استدعاء الطرف المدني كلما دعت الضرورة إلى ذلك، بدليل أنه لم يرتب على مخالفته سوى حرمان المشتكي من إمكانية الاحتجاج أو الدفع بعدم تبليغه بالإجراءات أو الاستدعاءات التي يقتضيها القانون لصالحه، وذلك حتى لا تتعرض للبطلان إجراءات التحقيق التي ينجزها قاضي التحقيق في غياب هذا الطرف المدني.
وإذا كان يحق للمتضرر غير المثير للشكاية المباشرة أن يتدخل للمطالبة بالحق المدني أمام قاضي التحقيق وفي أية مرحلة من مراحل التحقيق، فإن المادة 94 من قانون المسطرة الجنائية تعطي المتهم والنيابة العامة وباقي الأطراف المدنية الباقية إمكانية منازعته في قبول طلباته، وذلك بهدف من المشرع في كبح جماح المتضرر من أي غلو في مطالبه، قد يسيء إلى إجراءات التحقيق نفسها أو يعيقها، أو يمس بمصالح المتهم التي لا علاقة لها بموضوع الجريمة أو بحقوق مطالب أخر بالحق المدني. ويبت قاضي التحقيق في قبول هذا المتضرر مطالبا بالحق المدني بعد إحالة الملف على النيابة العامة ووضعها ملتمسها في هذا الصدد.
ويعتبر إطلاع النيابة العامة على إجراءات التحقيق، الوسيلة الكفيلة لتمكينها من مراقبة سلامة هذه الإجراءات وقانونية القرارات التي يصدرها بشأنها قاضي التحقيق، حتى يتأتى لها سلوك الطعن المناسب، عندما ترى ذلك مبررا للحفاظ على الحقوق ولضمان التطبيق السليم للقانون.
وتقوم النيابة العامة خلال إطلاعها على ملف التحقيق المحال عليها من طرف قاضي التحقيق بمراقبة توفر كافة الشروط الشكلية والجوهرية لقبول الشكاية المباشرة ومنها:
– أهلية الادعاء بالنسبة للمشتكي والمتهم على السواء؛
– اختصاص قاضي التحقيق المرفوعة إليه القضية، مكانيا ونوعيا (المادتان 55 و 44 )؛
– قابلية الأفعال موضوع الشكاية للتحقيق باعتبارها جريمة قابلة للتحقيق ولم تسقط بالتقادم أو بسبب أخر من أسباب انقضاء الدعوى العمومية.
ولا يمكن للنيابة العامة تقديم ملتمسها بعدم إجراء التحقيق إلا إذا كانت الأفعال لا تقبل أي تكييف جرمی، أو لا تقبل التحقيق فيها، أو إذا وجدت أسباب تمس الدعوى العمومية كالتقادم.
ويمكن للنيابة العامة إذا أحيلت عليها شكاية مباشرة غير مدعمة بأسباب كافية أو غير مبررة بمستندات، أن تلتمس فتح تحقيق مؤقت حول أي شخص قد يكشف عنه البحث ولو كانت الشكاية قد قدمت ضد مجهول.
ولا يمكن لقاضي التحقيق أن يستمع في هذه الحالة إلى المشتكى بهم إلا بصفتهم شهودا، إلى حين تقديم ملتمس جديد ضد شخص معين أو توجيه الاتهام إليهم أو إلى أحدهم،وعليه أن يطلعهم على الشكاية وأن يشعرهم بحقهم المخول لهم بمقتضى المادة 118 من قانون المسطرة الجنائية في رفض الاستماع إليهم بهذه الصفة، ويدون ذلك بالمحضر،وإذا عبروا عن ممارستهم لهذا الحق فلا يمكن لقاضي التحقيق أن يستمع إليهم إلا بصفتهم متهمين بحيث يستنطقهم ويوجه إليهم الاتهام ولا يقرر في حقهم أي إجراء من الإجراءات القانونية الخاصة بالشهود المتخلفين.
و تأكيدا على التقاضي بحسن نية، فقد أكد المشرع على زجر من يلجأ إلى إقامة دعوی کیدية أو ينضم إلى دعوى أقامتها النيابة العامة، وذلك بمطالبته بالتعويض أمام المحكمة المدنية المختصة في إطار قواعد التعسف في استعمال الحق، أو متابعته بشأن جريمة الوشاية الكاذبة طبقا للفصل 445 من القانون الجنائي، متى توفرت الشروط القانونية التي تتيح ذلك.
2 – موانع إقامة الدعوى العمومية من طرف المتضرر:
إذا كان المشرع قد سمح للمتضرر بإقامة الدعوى العمومية أمام قاضي التحقيق عن طريق الادعاء بالحق المدني، فإن هذا الحق ليس مطلقا، إذ قد تحول بعض الموانع دون ممارسته لهذا الحق. ومن هذه الموانع:
أ- الجرائم المنسوبة إلى أعضاء الحكومة والمشمولة باختصاص الغرفة الجنائية بمحكمة النقض
ب- الجرائم التي تختص المحكمة العسكرية الدائمة للقوات المسلحة الملكية بنظرها.
ج- المخالفات المرتكبة أثناء الجلسات والتي نصت المادة 269 م ن ق.م.ج.على أن المحاكم تبت فيها خلافا للقواعد العادية تلقائيا أو بناء على ملتمسات النيابة العامة ضمن شروط خاصة نظمتها المواد من 357 إلى 361 من ق.م. ج.، والتي لا يمكن للمتضرر منها سوى الانضمام إلى المسطرة التي تم تحريكها على الشكل المذكور للمطالبة بالتعويض؛
د- الجرائم المرتكبة من طرف بعض القضاة وموظفي الدولة، والتي تنظمها قواعد اختصاص استثنائية،والتي تخضع إقامة الدعوى العمومية بشأنها إلى الشكليات المحددة في المواد 264 إلى 268 من ق.م. ج. حيث يسند أمر تحريك الدعوى العمومية بشأنها إلى الغرفة الجنائية بمحكمة النقض أو إلى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، ويسند أمر التحقيق إلى أحد أعضاء الغرفة المذكورة أو إلى أي مستشار بمحكمة الاستئناف، ولو لم يكن هو القاضي المعين للقيام بمهام التحقيق بمقتضى قرار وزير العدل،ولا يمكن للمتضرر من الجريمة المرتكبة من طرف الأشخاص المشمولين بهذه المسطرة سوى الانضمام إلى المتابعة المفتوحة على النحو المذكور، ولا حق له في إقامة الدعوى العمومية مباشرة.
هـ – بعض الجرائم المرتكبة خارج أرض الوطن والتي أناط المشرع تحريك الدعوى العمومية بشأنها بالنيابة العامة وحدها دون المتضرر، وبعد توصلها بشكاية رسمية من البلد الذي ارتكبت فيه الجريمة،وذلك عملا بمقتضيات المادة 708 من قانون المسطرة الجنائية.
و- ولا يمكن للمتضرر أن يقيم الدعوى العمومية في مواجهة حدث يقل عمره عن 18 سنة عملا بمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 463 من قانون المسطرة الجنائية.
المبحث الثاني: صلاحيات قاضي التحقيق
يقوم قاضي التحقيق بمجرد مطالبته بإجراء تحقيق إعدادي، بعدة إجراءات وأبحاث ويصدر عدة أوامر،وسنتطرق في المطلبين التاليين لإجراءات التحقيق الإعدادي وأوامر قاضي التحقيق.
المطلب الأول: إجراءات التحقيق الإعدادي
يقوم قاضي التحقيق بعدة إجراءات وأبحاث تهدف أساسا إلى جمع الأدلة للوصول إلى الحقيقة والتعرف على مرتكبها والإلمام بشخصيته،وهو يقوم من أجل ذلك ببعض المهام يتجلى أهمها في إجراء بحث اجتماعي ونفسي، وفي القيام باستنطاق المتهم وسماع الشهود ومواجهتهم مع بعضهم أو مع المتهم، وفي القيام بتفتيش الأماكن وحجز ما بها من أشياء أو وثائق لها علاقة بالجريمة، وكذا القيام ببعض التحريات المفيدة للكشف عن الحقيقة ولو عن طريق التقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد.
أولا: البحث الاجتماعي والنفسي
إن الإلمام بالظروف النفسية والاقتصادية والاجتماعية للمتهم، التي يكون لها تأثير من قريب أو من بعيد على ارتكابه الجريمة، يعد من المقومات الأساسية التي تساعد على فهمه كانسان مرتبط بثقافة وبمجتمع معينين، مما يساعد على محاكمته محاكمة عادلة ومنصفة من شأنها أن تضع المسؤولية في إطارها الواقعي، وليس في إطار معيار مبسط ومجرد عن الواقع،ويساعد كذلك على تحديد الجزاء والعقوبة الملائمة، مما يؤدي إلى تسريع إصلاح المتهم وإعادة إدماجه في المجتمع.
ورغم أنه من الممكن أن يستقي قاضي التحقيق بعض المعلومات حول هذه الظروف من خلال استنطاقاته للمتهمين، فإن المعلومات التي يصل إليها تظل جزئية وقاصرة،لذلك أوكلت إليه المادة 87 من ق.م.ج. إجراء بحث مستقل عن الاستنطاق وعن المقابلات – حول شخصية المتهم وحالته العائلية والاجتماعية، بصفة إلزامية في الجنايات واختيارية في الجنح، بهدف التعرف بدقة أكثر على أحوال المتهم والظروف التي كانت محيطة به وقت ارتكاب الجريمة.
ويستفاد من ذلك أن قاضي التحقيق يطلب التحري حول شخصية المتهم من أجل التعرف على نوع سلوكه وطباعه وعاداته وظروفه النفسية والعصبية،ويتحرى بشأن حالته العائلية للتعرف على وسطه الأسري والظروف التي يحيا فيها والأشخاص الذين يخالطهم من قريب. وقد يفيد هؤلاء في التعرف على شخصية المتهم. ويتحرى كذلك عن الحالة الاجتماعية للمتهم المعرفة الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، ومعارفه وأصدقائه الذين يؤثرون فيه،وكذا ظروف عيشه ونمط حياته.
كما يقوم أيضا بإجراء بحث حول التدابير الكفيلة بتسهيل إعادة إدماج المتهم في المجتمع، إذا كان سن هذا الأخير يقل من 20 سنة وكانت العقوبة المقررة للجريمة لا تتجاوز خمس سنوات، وارتأى قاضي التحقيق وضعه رهن الاعتقال الاحتياطي، لتكتمل النظرة وتتضح الرؤية،ويقصد من هذا البحث توفير عناية خاصة بالأحداث وبصغار السن،وغاية هذا البحث هي التعرف على التدابير الحمائية الكفيلة بإصلاح الحدث وإعادة إدماجه في المجتمع كفرد صالح، بحيث يكون قاضي التحقيق – ثم المحكمة في حالة إحالة القضية عليها – على علم بالأسلوب السليم لتقويم سلوك هذا الشخص الذي يعتبر بسبب صغر سنه محتاجا إلى مساعدة خاصة لإصلاح وتقويم سلوكه.
و يجري قاضي التحقيق هذه الأبحاث إما بواسطة ضباط الشرطة القضائية عن طريق إنابة قضائية، أو بواسطة أي شخص أو مؤسسة مؤهلين للقيام بذلك من المتخصصين في علم النفس أو علم الاجتماع الجنائيين أو في علم الإجرام الذين يمكنهم إنجاز هذا النوع من التحريات بكفاءة.
ورغم تأكيد المشرع على أهمية هذا البحث فان النتائج التي يسفر عنها لا تعد حجة لصالح المتهم ولا عليه، وأن المحكمة غير ملزمة بأخذها بعين الاعتبار إلا للتعرف على الظروف الشخصية للمجرم،وقد اعتبر العمل القضائي الفرنسي انتفاء هذا البحث أو عدم كفايته غير معيب للمسطرة حتى على مستوى الجنايات،وهذا الموقف انتقده الفقه بشدة نظرا لأن المشرع الفرنسي، شأن المشرع المغربي، جعل هذا البحث إجباريا في الجنايات مما يجعل هذا الاتجاه القضائي محل انتقاد.
و تسمح المادة 88 من ق.م.ج. لقاضي التحقيق بأن يخضع المتهم لفحص طبي أو نفساني. وأن يأمر بعد إطلاع النيابة العامة، بإخضاعه لعلاج ضد التسمم، إذا بدا له أنه مصاب بتسمم مزمن ناتج عن استهلاكه للكحول أو لمادة مخدرة أو المؤثر عقلي. ويتم هذا العلاج بالمؤسسة السجنية التي يوجد بها المتهم، أو في مؤسسة متخصصة حسب الشروط المنصوص عليها قانونا. وتتوقف خلال فترة العلاج مسطرة التحقيق الإعدادي ويحتفظ سند الاعتقال بمفعوله.
كما أنه يمكن للمتهم أو محاميه أن يطلب إجراء الفحوص المذكورة أو إخضاعه للعلاج وإذا رفض قاضي التحقيق، فعليه أن يصدر بذلك أمرا قضائيا معللا بأسباب الرفض.
و لقاضي التحقيق القيام بكافة التحريات التي يراها صالحة للكشف عن الحقيقة، فهو يقدر حسب اقتناعه الشخصي جدوى اللجوء إلى أي إجراء من الإجراءات وله – في حدود القانون – الحرية التامة لتسيير بحثه بالطريقة التي يراها أنجع وأكثر فائدة لمعرفة الحقيقة، سواء تلقائيا أو بطلب من الأطراف.
ثانيا: التنقل والتفتيش والحجز
يعتبر التنقل والتفتيش والحجز أهم الوسائل المتاحة لقاضي التحقيق، لضبط أدلة الجريمة والكشف عن الحقيقة،ولقاضي التحقيق الحق في الاستعانة بمن يراه مؤهلا لذلك،وينتج عن هذه الإجراءات أفضل دليل تطمئن إليه المحاكم في تكوين قناعتها. والتفتيش أو الحجز ليس مجرد عمل مادي اقتضته الضرورة وإنما هو إجراء جوهري يهدف إلى البحث عن الحقيقة في أي مكان قد توجد فيه، ولو في الأماكن الحميمية الخاصة بالأشخاص،فإجراءات المعاينة والتفتيش، وما يترتب عنهما من حجز، تمس المتهم في شخصه وحقوقه وحريته، لذلك أحاطها المشرع بضمانات معينة، تتمثل في صفة القائم بها، وفي توفر شروط موضوعية وأخرى شكلية لإنجازها على الوجه القانوني المطلوب.
و إن كان المشرع لم يحدد تعريفا قانونيا للمعاينة أو التفتيش، فإنه قد حدد المقصود بالمنزل في الفصل 511 من القانون الجنائي، باعتباره محلا ينصب عليه في الغالب إجراء التفتيش،وأحدث بالمادة 60 من قانون المسطرة الجنائية إجراء جديدا يتمثل في تفتيش النساء بواسطة امرأة ينتدبها ضابط الشرطة القضائية،للدلالة على أن المقصود بالشخص الذي ينصب عليه التفتيش هو كل ما يتصل بكيانه المادي كأعضائه الداخلية والخارجية، وما يرتبط بها من ملابس وحلي، وما يحمله من أشياء في يديه أو جيبه أو أعضائه الداخلية، كغسل معدته لتحليل محتوياتها أو أخذ نموذج البصمة الوراثية إن تطلب الأمر ذلك.
التشابه والاختلاف بين التفتيش والمعاينة
و يتشابه التفتيش والمعاينة في كون القائم بهما ينتقل إلى عين المكان للقيام بالمشاهدات وإجراء جميع التحريات،ويختلفان في كون:
1 – المعاينة يقوم بها ضابط الشرطة القضائية وقاضی التحقيق وهيئة المحكمة على السواء تلقائيا أو بناء على طلب أحد الأطراف،بخلاف التفتيش الذي لا يمكن للمحكمة القيام به إلا في حالات استثنائية ومحددة، ويبقى من أهم الصلاحيات المخولة لقاضي التحقيق وللشرطة القضائية؛
2 – المعاينة تهدف إلى إثبات وقائع مادية لحالة شيء من خلال المشاهدة أو فحص هذا الشيء مباشرة، أو فحص شخص معين لإثبات ما عليه من آثار العنف، أو إذا كان هو المتهم، الإثبات نسبة الكحول في دمه مثلا،وأما الغاية من التفتيش الذي ينصب على شخص أو محل معين فهي ضبط أدلة الجريمة موضوع التحقيق للكشف عن الفاعل؟
3 – المعاينة تتم أثناء عملية التفتيش، وقد تكون هدفا في حد ذاتها نتيجة لانتقال السلطة القائمة به،أما التفتيش، فيلتزم القائم به أثناء الشروع فيه بشروط دقيقة يؤدي الإخلال بها إلى بطلان المحضره.
و قد أجازت المادة 99 من ق.م.ج لقاضي التحقيق أن ينتقل إلى أي مكان لإجراء المعاينات المفيدة أو القيام بالتفتيش وفق شروط محددة، بإعتبار أن تقدير ضرورة الإنتقال لإجراء المعاينة أو التفتيش أو الحجز موکول لسلطة القائم به،ويقصد بكلمة ” أي مكان ” منزل المتهم أو منزل غيره أو محلات أخرى يمارس فيها عمل أو نشاط ليلي بصفة معتادة، أو أماكن يشغلها شخص يلزمه القانون بكتمان السر المهني، أو طائرة مغربية، أو أجنبية إذا حطت بالمغرب، أو قطار، أو سفينة تجارية أجنبية دخلت ميناء بحريا مغربيا، وغير ذلك من الأماكن الخاصة إلا ما استثناه القانون كمقار البعثات الدبلوماسية.
ويتعين على قاضي التحقيق إذا قرر الانتقال لإجراء المعاينات أو التفتيش:
أن يشعر النيابة العامة بذلك في الوقت المناسب حتى يترك لممثلها الخيار في مرافقته؛
2- أن يستعين في مهمته بكاتب الضبط؛
3- وأن يحرر محضرا بما أنجزه من أعمال.
ويتعين أن يتضمن المحضر هوية المستمع إليهم، وأن يشار فيه بوضوح إلى المعاينات والإجراءات التي قام بها قاضي التحقيق،وأن تدون به أقوال الشهود و آراء الخبراء أو الأشخاص الذين تمت الاستعانة بهم في عمليات البحث أو الذين ساهموا في توضيح المعطيات التي تتطلب ذلك،وأن يتضمن وصفا لكل الأشياء المحجوزة أو التي خضعت للمعاينة والوثائق المختلفة التي يتم إلحاقها به،وأن يحرر بأسلوب واضح وبسيط وخال من كل ما من شأنه أن يخلق اللبس أو الغموض،وأن تكون الكتابة متتابعة بدون فراغ أو شطب،وأن يتم الاعتذار عن الخطأ بالعبارات المناسبة، مع الإشارة إلى إلغاء الخطأ أو تصحيحه،وأن يصادق قاضي التحقيق وكاتب الضبط والمتهم والشاهد وعند الاقتضاء الترجمان على ما يقع بالمحضر من شطب وما قد يلحق بالهامش، وإلا فإنها تعتبر كأن لم تكن،كما يتعين أن يتم إمضاء كل ورقة من أوراق المحضر من طرف الأشخاص المذكورين.
ولتمكين قاضي التحقيق من تفعيل الإثبات المباشر بالوقوف بنفسه على دلائل الجريمة وتكوين قناعته الشخصية، أجازت له المادة 100 من قانون المسطرة الجنائية، أن يقوم بإجراءات التحقيق خارج دائرة نفوذ المحكمة التي يمارس فيها مهامه، إذا كانت متطلبات التحقيق تستلزم ذلك، شريطة أن يخبر بذلك النيابة العامة بمحكمته، وأن يشعر مقدما النيابة العامة لدى المحكمة التي ينقل إلى دائرة نفوذها،ويمكن أن يتم إشعار النيابة العامة بأية وسيلة من وسائل البريد أو الاتصال،ويمكن لها أن تقرر مرافقة أحد أعضائها لقاضي التحقيق خلال قيامه بهذه الإجراءات،ويجب على قاضي التحقيق أن يصطحب معه كاتب الضبط.
وجرى العمل القضائي على أن المعاينة التي استلزمتها متطلبات التحقيق “لا يلحقها البطلان بسبب غياب المتهم عنها، وكل ما يمكن للمتهم هو أن يتمسك لدى محكمة الموضوع بما قد يكون في المعاينة من نقص أو عيب حتى تقدرها المحكمة وهي على بينة من أمرها شأنها شأن الأدلة الأخرى “.
ويقترن إجراء الانتقال غالبا بعملية التفتيش، في جميع الأماكن التي قد يعثر فيها على أشياء يكون اكتشافها مفيدا في التحقيق. لذلك أحاطه المشرع بالضمانات المنصوص عليها في المواد 59 و 60 و 62 من ق.م. ج. حماية لما تستلزمه حرية الفرد وما تفرضه المبادئ الدستورية من حماية للمنازل،وتقضي المواد المذكورة أن التفتيش ينبغي أن يحاط بالضمانات الآتية:
– حفظ سرية الوثائق والمستندات التي يتم حجزها وعدم إطلاع الغير عليها. ويقصد بالغير كل شخص ما عدا قاضي التحقيق وكاتب الضبط وممثل النيابة العامة إذا كان حاضرا خلال إجراء التفتيش، والأشخاص الذين يستعين بهم قاضي التحقيق، وصاحب المنزل أو ممثله أو الشاهدين المدعوين لحضوره من أقاربه أو أصهاره الموجودين بعين المكان، أو في حالة تعذر ذلك فمن الغير ممن لا تربطهم علاقة تبعية بالسلطة القضائية أو الشرطة القضائية.
غير أنه يمكن إطلاع جهات أخرى على هذه الوثائق إذا تعلق الأمر بجريمة تمس بأمن الدولة أو بجريمة إرهابية،ويراد من ذلك في هذه الحالات استغلال هذه الوثائق المحجوزة من طرف جهات مختصة بمكافحة الإرهاب أو حماية أمن الدولة الداخلي أو الخارجي؛
– إذا كان التفتيش يتم في منزل المتهم، فإن قاضي التحقيق يسلك فيه مقتضيات المادة 60 من ق.م. ج. فيدعو صاحب المنزل لحضوره أو تعيين ممثل عنه،وفي حالة تعذر ذلك فبحضور شاهدين غير خاضعين لسلطة قاضي التحقيق أو القاضي المنتدب من قبله لإجراء التفتيش؛
– إذا تعلق الأمر بجناية أو جريمة إرهابية، يمكن إجراء التفتيش خارج الوقت القانوني، شريطة أن يقوم به قاضي التحقيق شخصيا بحضور ممثل النيابة العامة؛
– إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية، وكان الأمر يقتضي الاستعجال الشديد، فإنه يمكن لقاضي التحقيق إصدار قرار معلل بإجراء التفتيش بانتداب قاض أخر أو ضابط الشرطة القضائية للقيام به خارج الأوقات القانونية؛
– وإذا كان التفتيش سيجري في منزل غیر منزل المتهم فإن المادة 103 من ق.م. ج أوجبت استدعاء رب المنزل أو من يشغله لحضور هذا التفتيش، فإن تغيب أو رفض أجري التفتيش بحضور شخصين من أقاربه أو أصهاره الموجودين بالمكان،وإلا فبحضور شاهدين لا تربطهما بالسلطة القضائية أو بالشرطة القضائية أية تبعية. فإذا أجري الحجز تعين على قاضي التحقيق أن يدعو رب المنزل لحضوره وأن لا يبقي تحت الحجز سوی الوثائق المفيدة لإظهار الحقيقة والتي قد يضر الكشف عنها بسیر التحقيق في الفقرة 5 من المادة 104)؛
– إذا كان التفتيش سيجري في أماكن تشغلها النساء، فإن قاضي التحقيق ينتدب امرأة لتفتيش النساء؛
– إذا تعلق الأمر بتفتيش أماكن يشغلها أشخاص يلزمهم القانون بحفظ السر المهني، فيتعين على قاضي التحقيق اتخاذ التدابير والاحتياطات التي تمكن من حفظ ذلك السر،ومن بين هذه التدابير مثلا، تقليص عدد الأشخاص الحاضرين إلى الحد الأدنى الواجب، وعند الاقتضاء تنبيه الحاضرين إلى ضرورة المحافظة على هذا السر وتذكيرهم بالمقتضيات القانونية التي تعاقب على إفشائه؛
– إذا تعلق الأمر بتفتيش مكتب محام، فيتعين أن يقوم به قاضي التحقيق بنفسه أو ينتدب لذلك قاض آخر،ويتم التفتيش بحضور نقيب هيئة المحامين أو بعد إشعاره بذلك بأي وسيلة من الوسائل الممكنة سواء بواسطة الهاتف أو كتابة أو شفويا أو بوسائل الاتصال الأخرى؛
ويبدو أن تبسيط القانون لكيفية الاستدعاء ولوضع المعايير المرنة التي تسمح لقاضي التحقيق بالقيام بكل الإجراءات التي يراها مفيدة للكشف عن الحقيقة، أمر ضروري تفرضه حالة الاستعجال، التي تقتضي أن تترك لقاضي التحقيق الحرية في إنجاز عمله فيما لا يمس بحقوق الدفاع وبضمان مبدأ المشروعية،وأن إلزامه باتخاذ التدابير الضرورية للحفاظ على السر المهني، وبالعمل على دعوة نقيب المحامين للحضور عند إجراء التفتيش في مكتب محام، هو إجراء تفرض الخصوصيات المهنية إعماله بسبب ما يمكن أن يضمه هذا المكتب من وثائق وأسرار تخص الغير، تم تسليمها للمحامي أو للشخص المؤتمن على السر المهني بسبب مهنته التي حرص القانون على إضفاء الحماية اللازمة عليها للمحافظة على هذه الأسرار،لذلك خصص القانون عقوبة زجرية لمن يقوم بإفشاء هذا السر، بل إن المادة 105 من ق.م.ج. تعاقب عن كل إبلاغ أو إفشاء، خلافا للقانون، لوثيقة وقع الحصول عليها من تفتيش في مرحلة التحقيق الإعدادي، بعقوبة أشد من عقوبة المادة 61 من ق.م. ج. المتعلقة بإفشاء سر التفتيش الذي تنجزه الشرطة القضائية، وذلك لأن المحافظة على السر في هذه المرحلة من البحث الجنائي ترتبط بالضمانات القضائية، إذ أن القضاء يكون قد وضع يده على القضية والأمكنة التي تسبغ عليها حماية خاصة كثيرة، ومن بينها عيادات الأطباء ومكاتب المحامين والموثقين، والأبناك ومكاتب المسؤولين النقابيين والإداريين و التراجمة و غيرهم، باعتبارها مستودع الأسرار التي يحميها القانون، ولا يباح لأي فرد الإطلاع علی ما بداخلها، لأن بها من الوثائق ما يعتبر من أسرار المهنة التي لا يجوز أن تضبط أثناء التفتيش لتعلقها بأشخاص آخرين،لذلك تقرر المادة 104 من ق.م.ج. أنه إذا تبين أثناء التحقيق ما يستوجب البحث عن وثائق في أماكن معدة لاستعمال مهني يشغله شخص ملزم بكتمان السر المهني، فعلى قاضي التحقيق أو ضابط الشرطة القضائية المنتدب من طرفه أن يطبق مقتضيات المادة 59 مسن ق.م. ج.، فيشعر أولا النيابة العامة المختصة ويتخذ مسبقا جميع التدابير لضمان احترام السر المهني.
و إذا كانت القاعدة أن جميع إجراءات التحقيق يباشرها قاضي التحقيق، فانه يجوز له أن ينيب عنه وبصفة استثنائية ضابطا للشرطة القضائية لتنفيذ إجراءات معينة، ضمن القواعد المنصوص عليها في المواد من 189 إلى 193 من قانون المسطرة الجنائية.
وسواء قام بالبحث عن الوثائق قاضي التحقيق أو الضابط المنتدب من طرفه فانه يجب على الفور إحصاء جميع الأشياء والوثائق المحجوزة ووضع الأختام عليها،ولا يمكن فرز الوثائق أو فتح الأختام إلا بحضور المتهم أو نائبه أو بعد استدعائهما، ما لم يتعذر ذلك بسبب الفرار أو لسبب آخر يتعذر معه الحضور،وإذا انصب الحجز على نقود أو سبائك أو سندات أو قيم أو أوراق تجارية يعتبر الاحتفاظ بها عينا غير ضروري لإظهار الحقيقة أو للمحافظة على حقوق الأطراف، فإن قاضي التحقيق يصدر إذنا لكاتب الضبط للإيداعها بصندوق الإيداع والتدبير أو ببنك المغرب.
وحفاظا على حقوق الأشخاص، أوجب القانون على قاضي التحقيق أن يأمر بأن تسلم للمعنيين بالأمر بناء على طلبهم في أقرب وقت ممكن، نسخ من الوثائق المحجوزة بعد المصادقة على مطابقتها للأصول من طرف كاتب الضبط، ما لم يتعارض ذلك مع متطلبات التحقيق.
و مما ذكر يتبين أن الوثائق المرتبطة بالجريمة تكون صادرة إما عن المتهم أو عن غيرهومن ذلك:
– الأوراق الشخصية، كالرسائل والمحررات والمذكرات الشخصية الصادرة عن المتهم المرتبطة وقائعها بالجريمة موضوع التحقيق والتي تم حجزها عن طريق تفتیش قانوني أو وقعت في يد الضحية أو الغير وتم الإدلاء بها؛
– أوراق صادرة عن الغير سواء كانوا أقارب المتهم أو أصدقاءه أو أجانب عنه، والتي تتضمن وقائع لها علاقة بالجريمة.
وبالإضافة إلى حجز الوثائق والمستندات، يمكن حجز المنقولات الأخرى.
وبمقتضى المادة 106 من قانون المسطرة الجنائية، يجوز القاضي التحقيق أن يأمر برد الأشياء المحجوزة تلقائيا، أو بناء علی ملتمس من النيابة العامة، أو بناء على طلب من أي طرف في القضية، أو أي شخص أخر يدعي انه له حقوقا على شيء محتفظ به لدى العدالة.
وترد الأشياء بعينها أو بقيمتها بعد بيعها، إذا كان قاضي التحقيق قد قرر بيعها خشية فسادها أو تلفها أو لتعذر الاحتفاظ بها. وذلك ما لم تكن محل نزاع، أو لازمة لسير إجراءات التحقيق، أو خطيرة، أو قابلة للمصادرة كالعملة المهربة والأسلحة غير المرخصة والسبائك المستوردة خلافا القانون،ويبلغ قاضي التحقيق طلب استرداد المحجوزات إلى الأطراف الأخرى في القضية وإلى النيابة العامة من أجل تقديم ملاحظاتهم داخل ثلاثة أيام من تاريخ التبليغ،ثم يبت في الطلب داخل ثمانية أيام،كما يمكنه أن يأمر بالرد بناء على ملتمس للنيابة العامة، أو تلقائيا ودون طلب من الأطراف،ويقبل الأمر الصادر عن قاضی التحقيق الطعن داخل أجل عشرة أيام من تاريخ تبليغه، ولذلك أوجب القانون تعليله،ولا يؤثر الطعن في سير التحقيق،ويمكن للجميع بمن فيهم الأغيار الذين يقدمون طلب الاسترداد أن يضعوا ملاحظاتهم مكتوبة لدى الغرفة الجنحية،ويمكن لكافة الأطراف في القضية – باستثناء هؤلاء الأغيار – أن يطلبوا وضع ملف الإجراءات رهن إشارتهم.
و يبقى قاضي التحقيق مختصا للنظر في طلبات رد الأشياء المحجوزة المقدمة إليه، في الوقت الذي يكون استئناف قراره بعدم المتابعة في القضية ذاتها معروضا على الغرفة الجنحية ويكون الأمر الذي يصدره في هذه الحالة قابلا للطعن طبقا لما ذكر أعلاه.
ثالثا: التقاط المكالمات الهاتفية والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد
منعت المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية التقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها أو أخذ نسخ منها أو حجزها،ومن هذه الوسائل البرقيات والفاكس والبريد الإلكتروني والرسائل البريدية عبر الهاتف النقال وغيرها،إلا أنه نظرا لتطور الجريمة المنظمة، أدخل المشرع استثناء على هذا المبدأ إذا اقتضت ضرورة البحث ذلك. وأجاز لقاضي التحقيق أن يأمر كتابة بالتقاط المكالمات المذكورة.
ولم يقيد القانون سلطة قاضي التحقيق بنوع الجريمة ولا بخطورتها كما فعل بالنسبة للوكيل العام للملك،ولذلك فإن قاضي التحقيق يمكنه أن يلجأ إلى هذه المسطرة كلما اقتضت ذلك ضرورة البحث الذي يقوم به وكيفما كانت الجريمة التي يحقق فيها.
وإذا أمر قاضي التحقيق بالتقاط المكالمات أو الاتصالات، فإنه يصدر بذلك أمرا يتضمن التعريف بالمكالمة الهاتفية أو المراسلة المراد التقاطها وتسجيلها أو أخذ نسخ منها أو حجزها، وبالجريمة التي تبرر ذلك، والمدة التي سيتم خلالها الالتقاط والتي لا يمكنها أن تتجاوز أربعة أشهر، يمكن تمديدها مرة واحدة لمدة أربعة أشهر أخرى بمقتضى أمر مماثل.
ورغم أن المشرع لم يوضح ما إذا كان أمر قاضي التحقيق يكتسي السرية، أم أنه يخضع كسائر الأوامر الأخرى الصادرة عن قاضي التحقيق التبليغ وللطعن أمام الغرفة الجنحية، فإننا نرى أن طبيعة هذا الإجراء تتنافي وتبليغه للأطراف الأخرى باستثناء النيابة العامة،فالغاية من التقاط المكالمات أو غيرها من الاتصالات في التحري عن الجريمة وجمع الأدلة عنها، وهو أمر لا يصبح ممكنا إذا علم المعنيون بالأمر بخبر الالتقاط.
و يمكن لقاضي التحقيق، أو لضابط الشرطة القضائية الذي يتم تعيينه من قبله للقيام بهذه المهمة، أن يطلب من جميع الجهات التي تستغل وسائل الاتصال كيفما كان وجه استغلالها وضع جهاز للالتقاط (المادة 110 من ق.م.ج.)، والحصول على المعلومات والوثائق الضرورية للتعرف على الاتصال الذي سيتم التقاطه، من أي مستغل أو مصلحة للاتصالات المشار إليها في القانون المتعلق بالبريد والمواصلات، قصد القيام بعمليات الالتقاط المأذون بها وتسجيلها وأخذ نسخ منها ( المادة 114 من ق.م.ج. ).
و ينجز محضر بهذه العمليات يبين فيه تاريخ بدايتها وتاريخ نهايتها مع وضع التسجيل والمراسلة في وعاء أو غلاف مختوم ( المادة 111 من ق.م. ج. )، بعدما يتم نقل محتوى الاتصال كتابة من طرف السلطة القضائية المكلفة بالبحث أو التحقيق أو ضابط الشرطة القضائية المكلف من قبلها، ولو بالاستعانة بذوي الاختصاص لفك الألغاز والرموز في الحالة التي تكون فيها الاتصالات مشفرة،أو بترجمان لتعريب محتوى الاتصالات والمراسلات التي تمت بلغة أجنبية، بعد أن يؤدي اليمين على أن يترجم بأمانة وأن لا يفشي أسرار البحث والمراسلات “، إن لم يكن مسجلا بجدول التراجمة المقبولين لدى المحاكم.
و الغاية من تدوين جميع العمليات، هي توثيقها بكيفية قانونية في محاضر قانونية تصبح أوراقا من أوراق القضية،وتتم إبادة التسجيلات والمراسلات بمبادرة من قاضي التحقيق أو النيابة العامة عند انصرام أجل تقادم الدعوى العمومية، أو بعد اكتساب الحكم الصادر في الدعوى قوة الشيء المقضي به، على أن يحرر محضر عن عملية الإبادة يحفظ بدوره بملف القضية.
و بغاية توفير السرية الضرورية لنجاح عملية الالتقاط، قرر المشرع – بالمادتين 115 و116 من ق.م.ج. – عقوبات لزجر مجموعة من الأفعال التي قد تؤدي إلى المساس بهذه السرية أو قام بإنجاز التقاط للمكالمات أو الاتصالات بطريقة غير قانونية. ولا تطبق العقوبات المشار إليها في المادتين المذكورتين إلا إذا لم تكن الأفعال معاقبا عليها بعقوبات أشد.
رابعا: الاستماع إلى الشهود
على قاضي التحقيق أن يستمع إلى كل شخص حضر بمحض إرادته، إذا رأى أن شهادته مفيدة في إظهار الحقيقة،وله كامل الصلاحية للاستدعاء كل شاهد أو شخص للحضور أمامه إذا قدر وجود فائدة في شهادته،ويتم الاستدعاء بالطرق الإدارية، أو برسالة مضمونة، أو بواسطة القوة العمومية التي يملك قاضي التحقيق صلاحية تسخيرها بمقتضى المادة 54 من قانون المسطرة الجنائية، أو بواسطة المفوضين القضائيين.
و إذا تخلف الشخص المستدعی وجه له قاضي التحقيق استدعاء ثانيا،فإذا تخلف رغم توصله بهذا الاستدعاء، أجبره قاضي التحقيق بناء على ملتمس النيابة العامة، على الحضور بواسطة القوة العمومية ( المادة 129 من ق.م. ج.). وأصدر في حقه أمرا غير قابل لأي طعن بأداء الغرامة المنصوص عليها في المادة 128 من ق.م.ج 222 والتي يمكن إعفاؤه منها كليا أو جزئيا إذا حضر وقدم مبررا مقبولا عن سبب تخلفه عن الحضور.
ورغبة من المشرع في تثبيت قواعد العدالة وتحقيقها، وتيسير الظروف للوصول إلى الحقيقة، فقد خول لقاضي التحقيق، بموجب المادة 131 من قانون المسطرة الجنائية، متى تمت إفادته بان الشاهد يتعذر عليه الحضور، أن ينتقل بنفسه إلى حيث يتواجد هذا الأخير، إذا كان يقيم بدائرة النفوذ الترابي لقاضي التحقيق، من أجل الاستماع إليه،كما يمكنه أن ينتدب لذلك قاضيا آخر للتحقيق إذا كان الشاهد يقيم خارج دائرة نفوذه القضائي، ويمكن لهذا الأخير أن ينتدب ضابطا للشرطة القضائية إذا كان الشاهد يقيم داخل النفوذ الترابي لدائرته بمحل بعيد عن مقر المحكمة،وترسل التصريحات في ظرف مختوم إلى قاضي التحقيق المعني بالأمر.
أما الأشخاص المذكورون في المادة 133 من ق.م. ج. وهم الوزير الأول وأعضاء الحكومة وكتاب الدولة ونواب كتاب الدولة وممثلو الدول الأجنبية، فلا يمكن لقاضي التحقيق استدعاءهم إلا طبقا للكيفيات المنصوص عليها في المادتين 326 و 327 من قانون المسطرة الجنائية،ويقضي ذلك أن يطلب الاستماع إلى أعضاء الحكومة وكتاب الدولة ونواب كتاب الدولة بواسطة وزير العدل، الذي يتقدم بتقرير إلى المجلس الوزاري،فإذا منح المجلس الإذن، فإن الشهادة يدلي بها حسب الكيفيات العادية.
وإذا لم يأذن المجلس الوزاري في حضور الوزير أو كاتب الدولة أو نائب كاتب الدولة أمام قاضي التحقيق، وكذلك إذا لم يطلب قاضي التحقيق حضورهم، فإن الشهادة يتلقاها كتابة بمنزل الشاهد، الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف أو قاضي آخر ينتدبه إذا كان الشاهد يقيم خارج دائرة نفوذ المحكمة.
والواقع أن المادة 133 من ق.م.ج. المتعلقة بالاستماع للأعضاء الحكومة تحيل على مقتضيات المادة 326 المتعلقة بالاستماع لشهادة هؤلاء الأشخاص أمام المحكمة،ونعتقد أن قاضي التحقيق المعني بالأمر ينتدب الرئيس الأول بمحكمته لتلقي الشهادة إذا كان الشاهد يقيم بدائرة نفوذه، أو يطلب منه انتداب أحد القضاة إذا كان الشاهد لا يقيم بالدائرة القضائية لقاضي التحقيق،ويحدد قاضي التحقيق ملخص الوقائع والطلبات والأسئلة المطلوب أداء الشهادة بشأنها، ويوجهها إلى الرئيس الأول،وبمجرد تلقيه الشهادة يقوم الرئيس الأول أو القاضي المنتدب من قبله بتسليمها فورا إلى كتابة قاضي التحقيق المختص، أو توجه إليها مغلقة ومختوما عليها.
ويبدو أن مصلحة البحث كانت تقتضي فسح المجال القاضي التحقيق للقيام بالإجراء بنفسه متى كان ذلك ممكنا، وألا يلجأ إلى الرئيس الأول إلا في حالة اقتضاء الأمر إصدار إنابة قضائية.
وإذا تعلق الأمر بممثل دولة أجنبية سواء كان سفيرا أو قائما بالأعمال أو مبعوثا دبلوماسيا، فإن الشهادة تطلب كتابة بواسطة الوزارة المكلفة بالشؤون الخارجية،وإذا قبل الممثل الأجنبي أداء الشهادة فإن الرئيس الأول يتلقاها شخصيا أو ينتدب قاض لتلقيها وفقا للكيفية المشار إليها بالنسبة لأعضاء الحكومة.
وبالنسبة لباقي الشهود فقد نظم قانون المسطرة الجنائية طريقة الاستماع إليهم بموجب المواد من 119 إلى 126 و 131. وأيا كانت الجهة التي تؤدي أمامها الشهادة فيتعين أن تتسم بميزتي البساطة والدقة،فبساطتها تكمن في تسهيل أسلوب أدائها ومخاطبة ضمير الشاهد ووازعه الأخلاقي والعقائدي توخيا للصدق في شهادته، مع تنبيهه عند الاقتضاء – إلى مغبة انحرافه وحياده عن قول الحق،وأما دقتها فتتجلى في التركيز خلال الاستماع إلى الشاهد على ما عاينه أو شاهده أو سمعه، دون إغفال التفاصيل والجزئيات.
و تعتبر هاتان الميزتان ضمانتين أساسيتين للوصول إلى صدق الشهادة بما يكفل الاهتداء إلى الحقيقة،لذلك حرص المشرع على أن تؤدي الشهادة وفق شكلية محددة، فقرر أن يدلي الشهود بشهادتهم أمام قاضي التحقيق بصفة منفردة لكل شاهد على حدة، بمحضر كاتب الضبط وبدون حضور المتهم.
و الغاية من أداء الشاهد شهادته منفردا هي ضمان رفع كل حرج عن الشهود ومنع تأثير بعضهم على بعض، وتفادي أي تنسيق فيما بينهم إما بصفة عفوية أو مقصودة، بخصوص ما يتعلق بالتوضيحات أو بالأسئلة التي قد تطلب منهم أو تطرح عليهم من طرف قاضي التحقيق في مكتبه.
وإذا كان الشاهد يتكلم لغة أو لهجة يصعب فهمها استمع إليه تلقائيا أو بناء على طلب بواسطة ترجمان بالغ سن الرشد (18 سنة) وغير مدعو للشهادة في القضية، بعد أدائه اليمين على أن يترجم بأمانة ما لم يكن مسجلا بجدول التراجمة المقبولين لدى المحاكم.
ونظرا لأن المشرع لم يحدد صيغة اليمين التي يؤديها الترجمان غير المحلف واكتفى بالقول في المادة 120 فقرة 2 من قانون المسطرة الجنائية “على أن يترجم بأمانة”، فنرى أن قاضي التحقيق يمكن أن يطلب أداء اليمين طبقا للصيغة المنصوص عليها في المادة 27 من ظهير 2001/ 06 / 22 ، المتعلق بالتراجمة المقبولين لدى المحاكم بصيغتها المنصوص عليه في المادة 24 من هذا القانون:
( اقسم بالله العظيم بان أترجم بأمانة ووفاء الأقوال التي ينطق بها أو يتبادلها الأشخاص وكذا الوثائق التي يعهد إلي بها في هذا الصدد، وأن أحافظ على السر المهني ).
وإذا أثير أثناء القيام بالترجمة نزاع في أمانتها، فلقاضي التحقيق أن يقرر إذا كان من المناسب تعيين مترجم أخر بدله. وإذا كان الترجمان محلفا وأقدم على الترجمة إلى غير اللغة المرخص له بها، يتعرض للعقوبة التأديبية طبقا للمادة 26 من ظهير 26 يونيو 2001. أما إذا كان النزاع يتعلق بتحريف الترجمان أقوال الشاهد بكيفية متعمدة، واستشف قاضي التحقيق أن ذلك التحريف ناتج عن سوء نية، فانه يعمد إلى اتخاذ ما يلزم التباشر في حقه الإجراءات القانونية وفقا لمقتضيات الفصل 374 من القانون الجنائي.
و يلزم الترجمان بكتمان السر المهني خلال أداء مهمته وإلا عرض نفسه للمساءلة الجنائية طبقا الفصل 446 من القانون الجنائي، بالإضافة لإمكانية مساءلته تأديبيا إذا كان ترجمانا محلفا.
وحرصا من المشرع على ضمان حق الدفاع حدد في المادة 121 من قانون المسطرة الجنائية شكلية خاصة للاستماع إلى الشاهد الأصم أو الأبكم تتمثل في أن توجه إليه الأسئلة وأن يجيب كتابة إذا كان يحسن الكتابة، وإلا فبواسطة شخص يحسن التحدث معه أو أي شخص قادر على التحدث معه، بعد أداء هذين الأخيرين اليمين القانونية على أن يترجما بأمانة،وإذا أثير نزاع حول هذه الأمانة فلقاضي التحقيق أن يقرر تعيين غيرهما.
ويجب أن يتضمن المحضر الذي تدون به الشهادة اسم الترجمان العائلي والشخصي وسنه ومهنته ومحل سكناه واليمين التي أداها، ويوقع المحضر الترجمان نفسه والشاهد أو يضع بصمته أو يشار إلى تعذر ذلك، إلى جانب قاضي التحقيق وكاتب الضبط.
و قبل الشروع في الاستماع إلى الشاهد يتعين على قاضي التحقيق أن يتحقق من هويته الكاملة (أي اسمه الشخص والعائلي واسم والديه، وسنه ووضعيته العائلية ومهنته ومحل سكناه، ويطلع على بطاقة تعريفة الوطنية)، ثم يستفسره عما إذا كانت تربطه علاقة قرابة أو مصاهرة بأحد طرفي النزاع وعن درجتها، ومدی تبعيته لأحد الأطراف، لأن من شأن كل هذه المعطيات أن تؤدي إلى التأثير في الشهادة، التي قد تصبح نتيجة لذلك شهادة مجاملة أو تعاطفا أو ردا للجميل أو خوفا من الطرد بالنسبة لتبعية الشغل،كما يتعين عليه أن يتأكد من أهلية الشاهد لأداء الشهادة ومن صلاحيته لأدائها وخلوه من موانعها. وأن يتأكد من عدم وجود العداوة بين الشاهد وأحد الأطراف،وهذا إجراء وإن لم يتم النص عليه صراحة في قانون المسطرة الجنائية، فقد سار عليه القضاء، لما له من دور في تفادي الانتقام عن طريق توريط أحد الأطراف أو تمهيد السبيل لإفلات المتهم من العقاب انتقاما من الضحية.
ويتعين أن يتم التنصيص على كل المعلومات السابقة في المحضر، نظرا لما في ذلك من ضبط لتحقيق للهوية،ويؤدي الشاهد اليمين بالصيغة المنصوص عليها في المادة 123 من ق.م. ج.، إذا كان القانون لا يعفيه منها، قبل الشروع في تدوين مختلف الأسئلة والأجوبة.
و لترسيخ مصداقية وصدق هذه المعلومات، أجازت المادة 122 من قانون المسطرة الجنائية لقاضي التحقيق تحذير الشاهد من أي انزلاق في شهادته، من خلال تلاوة المقتضيات الجنائية المتعلقة بالمعاقبة على شهادة الزور.
و تعتبر الشهادة التي تؤدي أمام قاضي التحقيق بعد أداء اليمين القانونية، وسيلة إثبات كما أكد ذلك محكمة النقض،ولا يمكن الطعن فيها بالزور إلا إذا أصبحت نهائية، بعد اعتماد المحكمة مضمونها في إصدار حكمها، كما ينص على ذلك الفصل 368 من القانون الجنائي، الذي يعرف شهادة الزور بأنها الأقوال المدلى بها أمام القضاء بعد أداء اليمين، بقصد تغيير الحقيقة عمدا وتضليل العدالة،أما إذا تم سماع الشاهد بعد اليمين وكان الحكم لا زال لم يصدر أو صدر ولم يصبح باتا، فإنه لا يمكن الطعن في الشهادة بالزور لاحتمال عدم أخذ القضاء بها من جهة، ولترك الفرصة للشاهد للرجوع إلى الصواب وإعادة قول الحقيقة طالما أن أقواله لم تصبح نهائية.
كما أنه إذا استمع قاضي التحقيق إلى الشاهد بدون يمين، فان شهادته لا يمكن اعتبارها شهادة زور في أي حال من الأحوال ولا يترتب عن أخذ القضاء الزجري بها إبطال حكمه كما قرر محكمة النقض ذلك: “لأن القضاة يكونون قد بتوا بناء على قناعتهم وليس إعمالا بالشهادة باعتبارها حجة قاطعة”.
و إذا تم سماع اليمين من فاقد الأهلية أو من شخص محروم من أداء الشهادة، أومن أحد الأشخاص الذين يعفيهم القانون منها كالقاصر، والمحكوم عليه بعقوبة جنائية، وأصول المتهم وفروعه وزوجه، فإن ذلك لا يعد سببا لبطلان شهادتهم، ولا يمنع القضاء من الأخذ بمضمونها، بعكس الشهادة التي تؤدي بدون يمين في غير الحالات المذكورة.
لم يحدد قانون المسطرة الجنائية التاريخ الذي يعتمد عليه لتحديد سن الشاهد من أجل مطالبته باليمين لبلوغه سن الرشد أو إعفائه منها باعتباره قاصرا، هل هو تاريخ وقوع الأفعال موضوع الشهادة، أم تاريخ الحضور أمام قاضي التحقيق،ويبدو من قراءة الفقرة الثالثة من المادة 123 من ق.م.ج. أن نية المشرع توافق القاعدة الفقهية القائلة أن ” العبرة في تحديد عمر الشاهد بزمن أداء الشهادة وليس بزمن التحمل بها “.
ولا يعتبر الحكم على الشاهد بعقوبات زجرية موجبا دائما للإعفاء من أداء اليمين أو سببا للحرمان من أداء الشهادة،ذلك أن الأمر يتعلق بنوع العقوبة المحكوم بها عليه،فإذا كان الشخص المستدعى الأداء الشهادة سبق الحكم عليه بعقوبة جنائية، فإنها تستتبع بالضرورة تطبيق عقوبات إضافية في حقه ولو لم ينص عليها الحكم،ومن بين هذه العقوبات الإضافية التجريد من الحقوق الوطنية، الذي يشمل عدم الأهلية الأداء الشهادة أمام القضاء،ولذلك فإن المادة 123 من قانون المسطرة الجنائية نصت على سماع شهادة الأشخاص المحكوم عليهم بعقوبة جنائية دون أداء اليمين،وهو نفس الاتجاه الذي نص عليه الفصل 26 من القانون الجنائي الذي يعتبر تصريحات هؤلاء الأشخاص على سبيل الإخبار فقط.
وأما إذا كان محكوما عليه بعقوبة جنحية، فإنها لا تحول دون أهليته لأداء الشهادة أمام القضاء إلا إذا حكمت المحكمة بعدم الأهلية لأدائها صراحة في الحكم ، لأن العقوبات الإضافية في الجنح لا تطبق إلا إذا حكم بها القضاء،أما أقارب المتهم المعنون من أداء اليمين، فهم زوجه وأصوله وفروعه دون غيرهم كإخوته وأصهاره.
وعند الانتهاء من تضمين كاتب الضبط الأسئلة الموجهة إلى الشاهد وأجوبته عنها في المحضر، فإن قاضي التحقيق يدعو الشاهد إلى قراءة نص شهادته. فإذا أقرها وضع توقيعه على كل صفحة من صفحات المحضر، وإذا كان أميا وأقرها بعد تلاوتها عليه من طرف كاتب الضبط، وضع بصمته على كل صفحة على حدة. وإذا رفض الشاهد أو تعذر عليه التوقيع أو وضع البصمة، ينص على ذلك في المحضر. ويوقع القاضي وكاتب الضبط والترجمان، في حالة الاستعانة به، بدورهم على كل صفحة من صفحات المحضر الذي يصبح منذئذ ورقة رسمية لا يمكن الطعن في مضمونها إلا بالزور.
و تعتبر المادة 126 من ق.م. ج. ملغاة، كل صفحة من المحاضر خالية من التوقيع أو من البصمة ومن الإشارة إلى المانع. كما تعتبر كأن لم تكن كل كتابة بين السطور، وكل شطب وكل إضافة بطرة المحضر لم يتم المصادقة عليها من طرف قاضي التحقيق وكاتب الضبط والشاهد والترجمان.
ولقاضي التحقيق أن يجري مواجهة بين الشهود، أو بينهم وبين المتهمين بحضور محاميهم ما لم يتنازلوا عن ذلك. وأن يشركهم في تشخيص الجريمة، أو كل عملية مفيدة لإظهار الحقيقة.
و للشاهد الذي يحضر لأداء الشهادة أمام قاضي التحقيق بناء على الاستدعاء الذي يوجه إليه، الحق في الحصول على تعويض عن الحضور وعن الإقامة، يصرف له طبقا للمواد من 15 إلى 17 من القانون رقم 23-86 المتعلق بالمصاريف القضائية في الميدان الجنائي. ويضاعف قدر هذا التعويض إذا كان الشاهد المريض أو المصاب بعاهة يستعين بشخص مرافق، أو إذا تعلق الأمر بولد يقل عمره عن 16 سنة أو ببنت يقل عمرها عن 21 سنة ورافقهما أحد الأقارب أو الخدم. كما يدفع التعويض للشهود الذين يستمع إليهم قاضي التحقيق بمساكنهم إذا ترتب عن ذلك فقدان بعض ما يتقاضونه من أجور. كما يكون له الحق في استرداد مصاريف السفر بحسب تعريفة الدرجة الثانية بالقطار أو مؤسسة النقل العام، وإذا استعمل سيارته يعوض بحسب 0. 70 درهما للكيلومتر الواحد من مسافة الذهاب والإياب بين مقر سكناه ومقر قاضي التحقيق.
وإذا كان الشاهد قاضيا أو مأمورا بكتابة الضبط أو موظفا أو مأمورا إداريا أو ترجمانا قضائيا أو خبيرا قضائيا، وطلب منه الإدلاء بشهادته فيما شاهده أو أنجزه بهذه الصفة أو أثناء قيامه بعمله، فإنه يستحق استرجاع مصاريف السفر بحسب ضوابط المادة 22 من القانون المذكور، كما يستحق تعويضا عن التنقل مساويا للتعويض الممنوح لموظفي الإدارات العمومية مع زيادة 50 %، وطبقا لما هو منصوص عليه بالمادة 24 من نفس القانون.
و تدفع هذه التعويضات من طرف وكيل الحسابات بالمحكمة من المبلغ الذي يكون قد أودعه المشتكي المثير للدعوى العمومية بمثابة المصاريف التي قدرها قاضي التحقيق. وإذا تعلق الأمر بدعوى حركتها النيابة العامة فتدفع التعويضات من خزينة الدولة بناء على تقدير قاضي التحقيق. وإذا كان الشاهد غير قادر على تحمل مصاريف التنقل فإنه يلجأ إلى رئيس أقرب محكمة ابتدائية ليسلمه حوالة مؤقتة على الحساب لا يقل مبلغها عن تكلفة السفر.
ولا تحول العقوبة المتخذة في حق الشاهد الحاضر والممتنع عن الشهادة أو عن أداء اليمين طبقا للمادة 128 من قانون المسطرة الجنائية، دون تطبيق العقوبات المنصوص عليها في الفصل 378 من القانون الجنائي في حقه إذا كان يعلم دليلا على براءة معتقل احتياطي أو متابع بجناية أو بجنحة وامتنع عن الإدلاء بشهادته. وفي المقابل لا يعاقب الأشخاص الذين يسمح لهم القانون بعدم الإدلاء بشهادتهم ولو طلب منهم ذلك والذين يمنحهم القانون الحرية في الإدلاء بشهادتهم أو عدم الإدلاء بها كالأطباء والجراحين وملاحظي الصحة والصيادلة والمولدات وكل شخص مؤتمن على السر المهني.
خامسا: استنطاق المتهم ومواجهته مع الغير
يقصد بالاستنطاق مواجهة المتهم الذي يجري التحقيق معه، بالتهم المنسوبة إليه، ومطالبته بإبداء رأيه فيها، ثم مناقشته تفصيلا في أدلة الدعوى إثباتا أو نفيا من أجل الكشف عن الحقيقة. ويكون الاستنطاق إما ابتدائيا أو تفصيليا، مع ما قد يتخلل كل واحد منهما من مواجهة بين المتهمين أو بينهم وبين الشهود أو مع الطرف المشتكي. ا و للاستنطاق طبيعة خاصة مميزة له عن سائر إجراءات التحقيق، إذ أنه لا يعتبر إجراء للبحث عن أدلة الاتهام من خلال الحصول على اعترافات المتهم فقط، بل ينظر إليه كوسيلة دفاع يحاط من خلالها المتهم علما بما ينسب إليه من أفعال مخالفة للقانون، وبما يحتوي عليه ملف الدعوى من أدلة ضده، وتتاح له خلاله الفرصة لكي يدلي بالإيضاحات التي تساعده على إبراز براعته.
1- مرحلة الإستنطاق الأولي
أ- مثول المتهم أمام قاضي التحقيق لأول مرة الاستنطاق الأولى أو الابتدائي حسب مفهوم المادة 134 من ق.م. ج.، يتم خلال المرحلة التي يمثل فيها المتهم لأول مرة أمام قاضي التحقيق، إما بناء على ملتمس النيابة العامة بإجراء التحقيق معه، أو على إثر شكاية مباشرة مصحوبة بالادعاء المدني مقدمة ضده من طرف المتضرر.
يتعين على قاضي التحقيق خلال هذا الاستنطاق، أن يتأكد من هوية المتهم عندما يحضر أمامه لأول مرة، وذلك بالتحقق من اسمه العائلي والشخصي، ونسبه، وتاريخ ومكان ولادته، وحالته العائلية، ومهنته، ومكان إقامته وسوابقه القضائية، بالإضافة إلى رقم بطاقة تعريفة الوطنية ورقمه المالي إن كان موظفا بإدارة عمومية. كما يمكن إخضاع المتهم لتشخيص قضائي للتعرف على هويته، بما يشمله هذا التشخيص من أخذ البصمات وقياس الأعضاء وأخذ الصور، أو إخضاعه لفحص طبي عند الحاجة. وعلى إثر ذلك مباشرة يجب على قاضي التحقيق أن يشعر المتهم بان له الحق في أن يختار محاميا، أو أن يعينه له بصفة تلقائية إذا طلب ذلك، وينص على ذلك في المحضر. ويحيط قاضي التحقيق،المتهم علما بالتهم المنسوبة إليه بأسلوب سهل الفهم، وليس فقط بتكييفها القانوني الذي قد يصعب عليه إدراك معناه بدقة ويطلعه على نوع الأدلة المقدمة ضده، کشهادة الشهود مثلا، حتى يستجوبه وهو على بينة من هذه الأدلة، ويمكنه من مواجهتها بالأدلة المنافية لها. ويشعر القاضي المتهم بأن له الحرية في عدم الإدلاء بأي تصريح. ويشار إلى هذا الإشعار وجواب المتهم في المحضر. ويحق للمحامي حضور الاستنطاق الأولي.
ولاستجواب المتهم عدة خصائص تهدف كلها إلى توفير أقصى حد ممكن من الضمانات، ولذلك لا يؤثر صمت المتهم وعدم رده على الأسئلة التي توجه إليه أو امتناعه عن مناقشة الأدلة التي تعرض عليه، على صحة الإجراءات من الناحية القانونية و على قاضي التحقيق أن يستجيب لطلب المتهم الذي كان موضوعا تحت الحراسة النظرية،أو لطلب محاميه الرامي إلى إخضاعه لفحص طبي،وله أن يأمر بهذا الإجراء تلقائيا إذا ما لاحظ وجود علامات على المتهم تبرر إجراء خضوعه لذلك الفحص. ويقوم بتعيين طبيب خبير لتنفيذ هذه المأمورية من بين الخبراء المسجلين بالجدول.
وعند الانتهاء من استنطاق المتهم، يقرر قاضي التحقيق بشأن تركه في حالة سراح أو اعتقاله احتياطيا أو وضعه تحت المراقبة القضائية. إلا أنه في حالة مخالفة ملتمس النيابة العامة الرامي إلى الإيداع في السجن، يتعين على قاضي التحقيق أن يصدر بذلك أمرا بعدم الاعتقال الاحتياطي داخل أجل أربع وعشرين ساعة، ويبلغه فور صدوره إلى النيابة العامة.
وإذا قرر القاضي ترك المتهم في حالة سراح فإنه ينبهه إلى وجوب إخباره بكل تغيير لعنوانه،ويمكن للمتهم أن يختار محلا للمخابرة معه داخل دائرة نفوذ المحكمة الجاري بها التحقيق.
وخلافا للمقتضيات السابقة يمكن لقاضي التحقيق أن يقوم على الفور باستجواب شاهد أو مواجهته مع الغير أو مع المتهم، إذا اقتضت ذلك حالة الاستعجال الناتجة إما عن ظروف شاهد يستهدده الموت أو خشية اندثار بعض العلامات والأدلة على الجريمة. ويتعين أن ينص المحضر على أسباب الاستعجال. : و يمكن لقاضي التحقيق أن يمنع المتهم من الاتصال بالغير لمدة عشرة أيام قابلة للتجديد مرة واحدة، سواء كان هذا الغير من العموم أو له علاقة بالجريمة، سواء كان حرا أو معتقلا. أما اتصال المتهم بمحاميه فهو حق يبدأ منذ انتهاء الاستنطاق الأولي ولا يسري عليه المنع المذكور أبدا.
ب – حضور المحامي
ولا يجوز سماع المتهم ولا الطرف المدني أو مواجهتهما إلا بحضور محامي كل منهما أو بعد استدعائه، إلا إذا تنازل المتهم أو الطرف المدني عن حقه في حضور دفاعه.
وإذا كان محامي المتهم متواجدا بالمحكمة فيمكنه قبل الشروع في الاستنطاق الأولي أن يشعر قاضي التحقيق بتواجده ويحضر هذا الاستنطاق. ويشعر قاضي التحقيق المتهم غير المتوفر على محام وقبل استنطاقه الأولي بحقه في اختيار محام، وإلا فإنه يعين له محاميا بناء على طلبه. وقد جرت العادة أن يتم تعيين المحامين في هذه الحالة بحسب ترتيبهم في لائحة تنجز من طرف مجلس الهيئة وتتضمن المحامين الذين ليست لهم موانع تحول دون قيامهم بهذا الواجب على الوجه المطلوب.
2 – الاستنطاق التفصيلي
يقصد بالإستنطاق التفصيلي الاستنطاق الذي يقوم به قاضی التحقيق للمتهم بعد انتهاء المرحلة الأولى المسماة الاستنطاق الابتدائي أو الأولي. ويركز قاضي التحقيق في هذه المرحلة على تدقيق بحثه في كافة الأفعال المنسوبة إلى المتهم. وله أن يوجه إليه أسئلة مختلفة وينصب على التفاصيل والجزئيات التي من شأنها جمع الأدلة الكافية للوصول إلى الحقيقة.
ويمكن أن يشمل الاستنطاق التفصيلي أكثر من جلسة واحدة. وقبل الشروع فيه، يتعين على قاضي التحقيق أن يستدعي محامي المتهم بواسطة رسالة مضمونة الوصول توجه إليه قبل كل استنطاق بيومين كاملين على الأقل. ويجب أن يوضع ملف القضية رهن إشارته قبل الاستماع إلى موكله بيوم واحد على الأقل.
ولا يقصد من حضور المحامي فتح المجال أمامه للمرافعة كما هو الأمر خلال المحاكمة، لأن الغاية من هذا الحضور هي مساعدة موكله على تهيئ دفاعه والاحتياط من خرق المسطرة. لذلك لا يجوز للمحامي أن يتناول الكلمة إلا لتوجيه أسئلة بعد أن يأذن له قاضي التحقيق، الذي له كامل الصلاحية في رفض الإذن بوضع السؤال إذا رأى فيه استدراجا للمتهم. وفي هذه الحالة تضمن الأسئلة التي رفض طرحها بالمحضر، أو يلحق به نصها المضمن بمذكرة، والغاية من ذلك أن يتمكن المحامي لاحقا من أن يبرر أمام المحكمة بعض اوجه الدفاع التي لم تقبل منه خلال التحقيق. كما يمكنه التقدم ببعض الدفوع وإثارة بعض الملاحظات المتعلقة بحسن تطبيق القانون وسلامة الإجراءات.
و لما كان الغرض من حضور المحامي للاستنطاق أو المواجهة هو مراقبة سلامة الإجراءات، فإنه يتعين عليه أن يدفع بكل إخلال يتعلق بالاستدعاء أو بالاطلاع على ملف القضية قبل قفل المحضر، لأن المادة 139 من ق.م.ج. تمنع عليه إثارة ذلك فيما بعد. ويعتبر المحضر مقفولا بمجرد التوقيع عليه.
أما الطعن ببطلان الاستنطاق وما يترتب على ذلك من آثار فتحكمه القواعد العامة في البطلان، فيكون البطلان مطلقا إذا مس الخرق قاعدة متعلقة بالنظام العام، وللمحكمة أن تقضي به تلقائيا ولو تنازل المتهم عن التمسك به. أما إذا مس الخرق قاعدة جوهرية مقررة لمصلحة المتهم فقط، كدعوة محاميه للحضور، والسماح له بالاطلاع على ملف التحقيق فان البطلان يكون نسبيا، ويجب على من يتمسك به أن يدفع به أمام محكمة الموضوع التي لا تثيره من تلقاء نفسها.
و كما هو الشأن بالنسبة لكافة الأعمال القضائية، يتعين أن يتم كل استنطاق وكل مواجهة في حضور كاتب الضبط الذي يشهد على كل ما يتم أمامه في محضر.
3 – المواجهة
يقصد بالمواجهة إجراء مقابلة بين شخصين أو أكثر من الشهود أو المتهمين، لبيان ما اختلف فيه الشهود قصد تقييم شهادتهم وتمكين قاضي التحقيق من تكوين قناعته للأخذ بما يراه موافقا للأدلة التي بين يديه، وبالتالي عرض هذه الأقوال على المتهم ليقرها أو يطعن فيها.
ونظرا لأن قاضي التحقيق يستمع إلى الشهود على انفرادی فإنه يتعين عليه في حالة مواجهتهم مع بعضهم، أن يقتصر الأمر على توضيح حقيقة تضاربت أقوالهم بشأنها ويرغب قاضي التحقيق في استجلائها للوصول إلى الحقيقة. وكذلك الأمر في حالة مواجهتهم مع المتهم للمزيد من التوضيح لما يراه قاضي التحقيق متضاربا من الوقائع أو غير منطقي من حيث مجريات الأحداث.
المطلب الثاني: أوامر قاضي التحقيق
خول القانون لقاضي التحقيق صلاحيات واسعة للتأكد من الاتهام ومن الأدلة المقدمة إليه، لتأكيد أو دفع الاتهام. وبالتالي للكشف عن الحقيقة، من خلال الإجراءات المتعلقة بجمع الأدلة گالتنقل، والتفتيش، والحجز، والتقاط المكالمات والاستماع إلى الشهود، والخبرة.
ولما كان استنطاق المتهم هو أهم إجراءات البحث عن الدليل، فقد وضع القانون بين يدي قاضي التحقيق مجموعة من الآليات الإجرائية، التي تتعلق بشخص المتهم، عليه أن يعمل على تسخيرها بعيدا عن المؤثرات والأهواء، وفي خدمة العدالة وإحقاق الحق، وبكيفية تنم عن حنكته واستقامته. وأن يراعى عند تقريرها عدم المساس بالحقوق الدستورية للمواطنين. وهذه الآليات منها ما هو متعلق و مرتبط بشخص المتهم، ويهدف إلى الحد من حريته أو إجباره على المثول أمام قاضي التحقيق، وهي الأمر بالحضور والأمر بالإحضار والأمر بالإيداع في السجن والأمر بإلقاء القبض أو الأمر بالاعتقال الاحتياطي. ومنها ما يتعلق بالحد من بعض حقوقه كالأمر بالوضع تحت المراقبة القضائية، والأمر بتحديد كفالة مالية أو شخصية، والأمر بإغلاق الحدود وسحب جواز السفر. أما الأوامر التي لا تساعد قاضي التحقيق في البحث عن الدليل، کالأمر بإرجاع الحالة والأمر برد الأشياء المحجوزة، والأمر ببيع الأشياء المحجوزة التي يخشی فسادها، فإنها تتضمن قواعد إجرائية، وأسند القانون أمر إصدارها الى قاضي التحقيق لتعلق موضوعها بالقضايا المعروضة عليه ويضمن البت فيها مصلحة للضحايا أو لأطراف الدعوى.
يشترط في الأوامر المتعلقة بشخص المتهم والهادفة إلى اجباره على المثول أمام قاضي التحقيق والمنصوص عليها في الباب الثامن من القسم الثالث من الكتاب الأول، والنافذة المفعول في جميع أنحاء المملكة، أن تتحقق فيها إلى جانب الشروط الخاصة بكل واحد منها، الشروط العامة التالية:
- أن تتم عمليات الضبط والإحضار المأمور بها تحت اشراف قاضي التحقيق ومراقبته؛
- أن يشار في كل أمر إلى نوع التهمة وإلى المواد القانونية المطبقة ؛
- أن تتضمن الأوامر هوية المتهم ورقم بطاقة تعريفه عند الاقتضاء؛
- أن يؤرخها قاض التحقيق ويوقعها ويختمها بطابعه ؛
- أن يحترم حين إنجازها، القواعد المشار إليها سابقا بشأن الاستعانة بترجمان وبالتخاطب مع الصم والبكم.
أما الشروط الخاصة بكل أمر على حدة، فهي التالية:
أولا – الأمر بالحضور
عرفت المادة 144 من قانون المسطرة الجنائية الأمر بالحضور بأنه ” إنذار يوجهه قاضي التحقيق للمتهم للحضور أمامه في تاريخ وساعة محددين “. وهو بذلك شبيه بالاستدعاء الذي توجهه المحكمة، ولا يقيد حرية المتهم، إلا أنه في حالة عدم امتثال المتهم له، فلقاضي التحقيق أن يلجأ إلى إصدار أوامر أخرى أشد لإحضاره بالقوة. فهو بمثابة إنذار بالحضور قبل استعمال وسائل أخرى للإجبار على الحضور.
يبلغ هذا الأمر إلى المتهم بواسطة مفوض قضائي أو بواسطة الشرطة القضائية أو القوة العمومية. وعلى قاضي التحقيق أن يستنطق المتهم بمجرد حضوره. ويحق للمحامي أن يحضر إلى جانب المتهم خلال الأستنطاق.
ثانيا – الأمر بالإحضار
عرفت المادة 146 من ق.م. ج. الأمر بالإحضار بأنه ” الأمر الذي يعطيه قاضي التحقيق للقوة العمومية لتقديم المتهم أمامه في الحال”.
ونظرا لطبيعة الأمر بالإحضار، المتجلية في التنفيذ المادي بتقييد حرية المتهم وإلزامه بالحضور، فإن القانون أو كل أمر تبليغه وتنفيذه إلى أعوان القوة العمومية المؤهلين قانونا لضبط الأشخاص ونقلهم جبرا ولو لم يكونوا ينتمون إلى جهاز الشرطة القضائية.
ويمكن في حالة الاستعجال نشر الأمر بأحضار الميم الحر بكافة الوسائل طبقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 146 من ق م ج من ق.م. ج. وتسليم أصله إلى الجهة المكلفة بتنفيذه وتختلف طريقة تبليغ وتنفيذ الأمر بالإحضار تبعا للوضعية التي لا يكون عليها المتهم من حيث كونه معتقلا أو حرا.
* إحضار المتهم الحر تختلف كيفية التنفيذ بحسب ما إذا كان المتهم الحر (أي غير المعتقل) يوجد داخل الدائرة القضائية للمحكمة التي يعمل بها قاضي التحقيق أو خارجها:
– فإذا كان موجودا داخل الدائرة القضائية، فإنه يتعين على عون القوة العمومية أو ضابط الشرطة القضائية المكلف بتنفيذ الأمر بالإحضار أن يبلغه إلى المتهم بعرضه عليه وتسليمه نسخة منه، ثم يعمل على تقديمه أمام قاضي التحقيق حالا. وإذا رفض الامتثال للأمر أو حاول الفرار فإن العون المكلف بالتنفيذ يجبره على ذلك بالقوة العمومية القريبة التي يتعين عليها الاستجابة لطلب التسخير الذي يتضمنه الأمر.
– وإذا كان المتهم الحر موجودا خارج دائرة نفوذ قاضي التحقيق، فإنه يقدم إلى النيابة العامة بمكان إلقاء القبض عليه التي يقوم أحد قضاتها باستفساره عن هويته وإشعاره بحريته في ألا يدلي بأي تصريح، وتدوين ما قد يصرح به تلقائيا . ثم يأمر بنقله إلى مقر قاضي التحقيق الذي أصدر الأمر بالإحضار، ما لم يعترض المتهم على ذلك ويستدل بحجج قوية لنفي التهمة عنه. إذا في هذه الحالة ينقل إلى السجن، ويوجه إشعار بذلك وبأسرع وسيلة ممكنة كالفاكس مثلا، إلى قاضي التحقيق مصدر الأمر.
كما يوجه إليه المحضر الذي يتضمن حضور المتهم ويتضمن هويته الكاملة وأوصافه وكافة البيانات التي تساعد على معرفة هويته، وكذلك جميع البيانات التي تساعد على فحص الحجج التي أدلى بها. ويشار فيه إلى إشعاره بحريته في عدم الإدلاء بأي تصريح.
ولقاضي التحقيق أن يقرر في أمر نقل المتهم إليه، فإذا قرر مثوله أمامه فإنه يصدر أمرا بنقل المتهم، وفي هذه الحالة يتم ترحيله طبقا للمادة 52 من المرسوم المؤرخ في 3 نونير 2000 المتضمن كيفية تطبيق القانون رقم 23-98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية الصادر الأمر بتنفيذه بالظهير الشريف المؤرخ في 1999/ 8 / 25 وتصرف نفقات النقل من الحساب الخاص بمصاريف القضاء الجنائي طبقا للمادة 4 وما يليها من القانون رقم 23- 86 السابق ذكره
* إحضار المتهم المعتقل
قد يكون المتهم معتقلا على ذمة قضية أخرى، فيصدر قاضي التحقيق أمرا بإحضاره.. ففي هذه الحالة أوكل القانون إلى مدير المؤسسة السجنية مهمة تبليغ الأمر بالإحضار إليه. وفيما يتعلق بالتنفيذ، يختلف الأمر كذلك بحسب موقع مكان السجن.
فإذا كان السجن يوجد بالنفوذ الترابي لقاضي التحقيق، فإن الأمر ينفذ كما هو الشأن بالنسبة لنقل كافة المعتقلين إلى مقر المحكمة. وإذا كان المتهم موجودا بسجن يوجد خارج النفوذ الترابي لقاضي التحقيق فإنه يتم ترحيله إلى السجن الكائن بالنفوذ الترابي لقاضي التحقيق.
وإذا كان معتقلا احتياطيا على ذمة قضية أخرى فلا يتم ترحيله إلا بعد موافقة الجهة القضائية المكلفة بالقضية التي هو معتقل احتياطيا من أجلها. ويقوم بالترحيل رجال الأمن الوطني أو الدرك الملكي تبعا لاختصاصهم المكاني.
و على قاضي التحقيق أن يصدر أمرا بالنقل إلى الجهة التي ستتكفل بتنفيذ الترحيل، ويوجه نسخة منه إلى المؤسسة السجنية مع الأمر بالإحضار.
وتصرف نفقات النقل من الحساب الخاص بمصاريف القضاء الجنائي طبقا للمادة 4 وما يليها من القانون رقم 23- 86 السابق ذكره.
و على قاضي التحقيق أن يستنطق المتهم في جميع الأحوال بمجرد تقديمه إليه، وإذا تعذر ذلك، يتم نقله إلى السجن على أن يقوم قاضي التحقيق باستنطاقه داخل 24 ساعة. وإذا لم يتم ذلك فإن مدير السجن أن يقدمه تلقائيا إلى النيابة العامة المختصة التي تلتمس من قاضي التحقيق استنطاقه فورا. وعند تغيبه تلتمس من أي قاض آخر من قضاة الحكم بالمحكمة القيام بذلك على الفور وإلا أطلق سراحه. ويعتبر المتهم الذي لم يستنطق خلال هذا الوقت معتقلا إعتقالا تعسفيا، ويعرض كل قاض أو موظف أمر أو س مح ببقائه بالسجن، للعقوبة التي يقررها القانون للاعتقال التعسفي ويحق لمحامي المتهم حضور الاستنطاق في جميع الأحوال. كما يجب على قاضي التحقيق أو القاضي الذي يقوم بالاستنطاق أن يستعين بمترجم أو شخص يحسن التخاطب مع االمتهم إذا اقتضى الأمر ذلك لكونه أصم أو أبكم أو يتحدث لغة أو لهجة لا يحسنها القاضي.
وإذا تعذر على الشرطة القضائية أو القوة العمومية العثور على المتهم الذي صدر في حقه الأمر بالإحضار، فإنها ترجع الأمر إلى قاضي التحقيق مرفوقا بمحضر يثبت عدم عثورها عليه.
وإذا عثر على المعني بالأمر ورفض الامتثال لتنفيذ الأمر بالإحضار، أو حاول الهروب بعد أن صرح باستعداده للامتثال، فيتم إجباره على الامتثال بواسطة القوة العمومية، ويحق للضابط أو العون المكلف بالتنفيذ في هذه الحالة أن يستعمل القوة العمومية الموجودة بأقرب مكان. ويجب على هذه القوة الاستجابة لطلب التسخير المضمن في نص الأمر بالإحضار.
ثالثا- الأمر بالإيداع في السجن
تعرف المادة 152 من قانون المسطرة الجنائية الأمر . بالإيداع في السجن بأنه” الأمر الذي يصدره قاضي التحقيق إلى رئيس المؤسسة السجنية لكي يتسلم المتهم ويعتقله اعتقالا احتياطيا
ويسمح هذا الأمر للسلطات المختصة بالبحث عن المتهم والتعرف على مكان وجوده، ويكون كذلك سندا لنقل المتهم إذا كان قد بلغ إليه. ويبلغ الأمر قاضي التحقيق، ويشير إلى التبليغ بالمحضر.
ويشترط لإصدار الأمر بالإيداع في السجن:
– أن تكون الأفعال المنسوبة إلى المتهم جناية أو جنحة يعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية. فإذا تعلق الأمر بمتهم من أجل اجنحة مرتبطة بالجريمة موضوع التحقيق، ولم تكن العقوبة المقررة لتلك الجنحة عقوبة سالبة للحرية، فإن قاضي التحقيق لا يمكنه إصدار أمر بإيداع المتهم بالسجن من أجلها؛
– أن يكون قاضي التحقيق قد أستنطلق المتهم، فلا يمكن القاضي التحقيق إصدار أمر بإيداع المتهم في السجن قبل استنطاقه ابتدائيا على الأقل؛
– يتم تبليغ الأمر بالإيداع في السجن إلى المتهم، ويشار إلى التبليغ في محضر الاستنطاق.
ومن البديهي أن قاضي التحقيق غير مقي بمنتديات النيابة العامة سواء كانت ترمي إلى اعتقال المتهم أو عدم اعتقاله..
ومن جهة أخرى فإنه يمكن لقاضى الأحداث حبة للمادة 486 من ق.م. ج ، أن يصدر هذا الأمر في حق لهم الحمد الذي يفوق عمره 12 سنة طبقا للشروط المحددة في المراد به ق.م. ج.، ولا سيما إذا ظهر أن هذا التدبير ضروري و باید در سال اتخاذ تدبير آخر غيره.
رابعا- الأمر بإلقاء القبض
تعرف المادة 154 الأمر بإلقاء القبض بكونه “الأمر الصادر للقوة العمومية بالبحث عن المتهم ونقله إلى المؤسسة السجنية المبينة في الأمر حيث يتم تسليمه واعتقاله فيها “.
و يتعين أخذ رأي النيابة العامة بشأنه إلا إذا كان المتهم في حالة فرار، أو متواجدا خارج تراب المملكة، وكان التحقيق جاريا في حقه بشأن جناية أو جنحة معاقب عليها بعقوبة سالبة الحرية. ويمكن في حالة الاستعجال نشره كما ينشر الأمر بالإحضار.
ويسند أمر تنفيذ الأمر بإلقاء القبض إلى القوة العمومية ويبلغ إليها. ويقتضي تنفيذه أن ينقل المتهم بمجرد ضبطه إلى المؤسسة السجنية المنصوص عليها فيه مقابل إشهاد بذلك يسلمه رئيسها لعون القوة العمومية، إذا كان الضبط قد تم داخل دائرة نفوذ قاضي التحقيق. ويتم استنطاقه من طرف قاضي التحقيق داخل 48 ساعة من الاعتقال، وإلا فإن رئيس المؤسسة السجنية يقدمه إلى النيابة العامة المختصة التي تلتمس من قاضي التحقيق و عند تغيبه من قاض آخر من قضاة الحكم استنطاقه فورا وإلا أطلق سراحه. وكل احتفاظ بالمتهم أكثر من هذه المدة يعتبر اعتقالا تحكميا.
وإذا كان ضبط المتهم قد تم خارج دائرة نفوذ قاضی التحقيق فإنه يقدم بمجرد ضبطه إلى النيابة العامة لمكان ضبطه التي تتحقق من هويته، وتشعره بحريته في الإمساك عن الكلام. فإذا قبل الكلام، تلقت منه تصريحاته في محضر يوجه حالا إلى قاضي التحقيق المختص. كما تخبر هذا الأخير وتلتمس نقل المتهم وتسد شیر قاضي التحقيق إن تعذر نقله.
ويبقى الأمر بإلقاء القبض ساري المفعول ولو بعد إحالة القضية على المحكمة المختصة من طرف قاضي التحقيق. فإذا ضبط المتهم في أي مكان، فإن النيابة العامة تتأكد من هويته وتشعره بحقه في علم الكلام وتستنطقه إن رغب فيه، في محضر تضعه بملف القضية أو تحيله إلى النيابة العامة المختصة إن لم تكن هي المختصة.
وعلى عون القوة العمومية الذي ينفذ الأمر أن يراعي حرمة المنازل وأن لا يلجها بعد التاسعة ليلا وقبل السادسة صباحا، وله أن يستعين بالقوة العمومية من أقرب مكان إليه.
أما إذا تعذر ضبط المتهم فإن الأمر بإلقاء القبض عليه يبلغ بتعليقه في المكان الذي يوجد به آخر محل لسكناه. ويحرر محضر بذلك من قبل المكلف بالتنفيذ، بمحضر شخصين يختارهما من أقرب جيران المتهم، يوقعان إلى جانبه أو يشار في المحضر إلى رفضهما أو إلى عجزهما عن التوقيع. ويؤشر عليه من طرف ضابط الشرطة المختص محليا أو من طرف نائبه في حالة غيابه.
وتعرض مخالفة الشكليات السابقة، كلا من قاضي التحقيق و عضو النيابة العامة وكاتب الضبط للعقوبات التأديبية، بصرف النظر عن المساءلة الزجرية في حالة الاعتقال التحكمي.
خامسا- الوضع تحت المراقبة القضائية
يعتبر الوضع تحت المراقبة القضائية من أهم إجراءات التحقيق المتعلقة بشخص المتهم التي استحدثت بالقانون المغربي لأول مرة بمقتضى قانون المسطرة الجنائية الجديد. وهو بديل اللاعتقال الاحتياطي، وعلى الرغم من كونه يمس بعض الحقوق والحريات الأساسية للمتهم، إلا أنه يختلف عن الاعتقال الاحتياطي في كونه يبقى مجرد تدابير، وإن كان من شأنه الحد من حرية المتهم أو من بعض حقوقه، فإنه يتيح له أن يبقى حرا. في حين يؤدي الاعتقال الاحتياطي إلى هرمان المتهم من حريته والزج به في السجن.
والمشرع اعتبر المراقبة القضائية تدبيرا استثنائيا لا يعمل به إلا في الجنايات أو الجنح المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية.
و يأمر قاضي التحقيق بوضع المتهم تحت المراقبة القضائية كبديل للاعتقال الاحتياطي، من شانه ضمان حضوره الإجراءات التحقيق، كلما لم تكن ضرورة التحقيق أو الحفاظ على أمن الأشخاص وخاصة الخصوم، أو الحفاظ على النظام العام تدعو إلى اعتقاله احتياطيا. ويمكن لقاضي التحقيق اتخاذ هذا التدبير في أية مرحلة من مراحل التحقيق، لمدة شهرين قابلين للتجديد خمس مرات.
و يصدره قاضي التحقيق في شكل أمر يبلغه شفهيا للمتهم فور صدوره، ويشار إلى ذلك في المحضر. كما يبلغ إلى النيابة العامة داخل اجل أربع وعشرين ساعة من تاريخ اتخاذه. ويتضمن الأمر واحد أو أكثر من التدابير أو الالتزامات المشار إليها في المادة 161 من ق.م. ج . و التي يتعين على المتهم الخضوع لها. وتتجلی تدابير المراقبة القضائية في الالتزامات التالية:
– عدم مغادرة الحدود الترابية المحددة من قبل قاضی التحقيق. حيث يعين قاضي التحقيق المنطقة أو الجهة أو الحي الذي يتعين على المتهم عدم مغادرته؛
– عدم التغيب عن المنزل أو المسكن الذي يحدده قاضي التحقيق، إلا وفق الشروط والأسباب التي يقررها القاضي نفسه. ويمكن ملا أن يقرر موافقته مسبقا، أو إشعار الشرطة أو الدرك الملكي بالمنطقة بذلك أو أي شرط أخر لا يمنعه القانون؛
– عدم التردد على بعض الأمكنة التي يحددها القاضي. وغالبا ما يكون المنع منصبا على بعض الأماكن التي يخشى فيها إتلاف أدلة الجريمة، أو أماكن من شأنها التأثير على سلوك المتهم، أو يخشى أن يتعرض فيها للانتقام مثلا؛
– – إشعار قاضي التحقيق بكل تنقل خارج الحدود التي يعينها نجس القاضى نفسة؟ –
– استجابة المتهم للاستدعاءات التي توجه إليه من طرف سلطة أو شخص يكلفه قاضي التحقيق بمراقبته؟
– التقدم بصفة دورية أمام المصالح المعينة من طرف قاضي التحقيق كالشرطة أو الدرك الملكي، التي يتعين عليها أن تسجل تواریخ حضور المتهم لديها بناء على ما قرره قاضي التحقيق (المادة 166 من ق.م.ج. )؛
– الخضوع لتدابير المراقبة المتعلقة بالنشاط المهني أو حول المثابرة على تعليم معين. ويكلف القاضي سلطة أو شخصا مؤهلا المراقبة النشاط المهني للمتهم أو مواظبته على الدراسة
– إغلاق الحدود؛
– تقديم الوثائق المتعلقة بالهوية ولا سيما جواز السفر إما الكتابة الضبط أو لمصلحة الشرطة أو للدرك الملكي مقابل وصل. ويشير الوصل إلى نوع الوثيقة المسحوبة وبياناتها وهوية المتهم . وتضع السلطة المكلفة على الوصل صورة حديثة للمتهم. ويبين في الوصل أنه سلم مقابل وثيقة الهوية المسحوبة ويتم إرجاع الوصل للمصلحة التي سلمته عندما يسترجع المتهم الوثيقة التي سحبت منه .
– المنع من سياقة جميع الناقلات أو بعضها، أو تسلیم ارخصة السياقة لكتابة الضبط مقابل وصل. زنیها القاضي التحقيق أن يسمح للمتهم بالسياقة خلال مزاولة نشاط المهني؛
– المنع من الاتصال ببعض الأشخاص المحددين على وجه الخصوص من طرف قاضي التحقيق؛
– الخضوع لتدابير الفحص والعلاج أولنظام الاستشفاء،سیما من أجل إزالة التسمم ويمكن للمتهم أن يختار الطبيب المختص أو المؤسسة التي تتولى ذلك، وتسلم للقاضي. من طرف الطبيب أو المؤسسة أو من طرف المتهم، جميع الوثائق التي يطلبها.
– إيداع كفالة مالية يحدد قاضي التحقيق مبلغها واجل أدائها مع الأخذ بعين الاعتبار الحالة المادية للمعني بالأمر . وتودع الكفالة بصندوق المحكمة التي يوجد بها قاضي التحقيق مقابل وصل وتسلم نسخة من الوصل للقاضي. وقد استعمل المشرع تعبير مع الأخذ بعين الاعتبار الحالة المادية للمعني بالأمر” و هو ما يفيد الخروج عن المقاييس المقررة في المادة 184 من ق.م. التي تتحدث عن الإفراج المؤقت مقابل كفالة؛
– عدم مزاولة بعض الأنشطة ذات طبيعة مهنية أو اجتماعية أو تجارية ما عدا المهام الانتخابية أو النقابية؛
ويشترط لاتخاذ هذا التدبير:
- أن تكون الجريمة قد ارتكبت أثناء ممارسة النشاط المهني أو بمناسبته؛
- و جود خشية من ارتكاب جريمة جديدة لها علاقة بممارسة النشاط المعني.
- ويشعر المشغل أو السلطة الإدارية التي يتبع لها المتهم، أو الهيئة المهنية التي ينتمي إليها أو السلطة المختصة لممارسة المهنة. والتي يتعين عليها الالتزام بمنع المتهم من ممارسة النشاط أو تتأكد من عدم ممارسته له. ولها أن تجري الأبحاث والتحريات والمراقبة اللازمة لذلك الغرض، وتشعر قاضي التحقيق بكل مخالفة تصدر من المتهم
ولا يكون المتع من مزاولة مهنة المحاماة مباشرة من طرف قاضي التحقيق، وإنما يتعين عليه:
أن يحيل الطلب على هيئة المحامين بواسطة الوكيل العام للملك. ويتعين أن يبت مجلس الهيئة المذكورة في الأمر وفقا للقواعد العادية المقررة في القانون المنظم لمهنة المحاماة (المواد 65 إلى 69) داخل أجل شهرين من تاريخ الإحالة.
* وفي حالة بت مجلس هيئة المحامين داخل الأجل، يمكن لقاضي التحقيق إصدار الأمر بمنع المتهم من مزاولة مهنة المحاماة.
* وفي حالة بت مجلس الهيئة داخل الأجل، يمكن الطعن في قراره وفقا للمقتضيات المشار إليها في المواد من 90 إلى 93 من القانون المنظم لمهنة المحاماة.
– عدم إصدار الشيكات، وفي هذه الحالة فإن القاضي يشعر البنك أو المصلحة أو المؤسسة التي تسير الحساب البنكي للمتهم أو بنك المغرب للسهر على تنفيذ الأمر.
– عدم حيازة الأسلحة وتسليمها إلى المصالح الأمنية المختصة مقابل وصل. وتحاط بهذا التدبير مصالح الشرطة أو الدرك الملكي بالمكان الذي يقيم فيه المتهم. و عليها تنفيذه باستلام الأسلحة من المتهم مقابل وصل بذلك، وتشعر قاضي التحقيق
– تقديم ضمانات شخصية أو عينية يحددها قاضي التحقيق تستهدف ضمان حقوق الضحية؛
– وأخيرا إثبات مساهمة المتهم في التحملات العائلية أو أنه يؤدي بانتظام النفقة المحكوم بها عليه. وعلى قاضي التحقيق اشعار المستفيد من النفقة بذلك.
و لقاضي التحقيق كامل الصلاحية في تغيير التدبير المتخذ، أو إضافة تدبير أخر أو أكثر من التدابير المنصوص عليها في المادة 161 المشار إليها، تلقائيا أو بناء على طلب النيابة العامة أو المتهم أو محاميه، بعد أخذ رأي النيابة العامة. كما يمكن إلغاء التدابير المتخذة في أي وقت وأثناء جميع مراحل التحقيق، إما تلقائيا كذلك أو بناء على طلب النيابة العامة أو المتهم أو محاميه. وإذا لم يحترم المتهم الالتزامات المفروضة عليه فإن قاضی التحقيق يمكنه أن يصدر أمرا بإيداعه في السجن أو بإلقاء القبض عليه إذا كان في حالة فرار، وذلك بعد أخذ رأي النيابة العامة.
ولا يجب أن يمس الوضع تحت المراقبة القضائية بحرية الرأي بالنسبة للأشخاص الخاضعين له، ولا بالمعتقدات الدينية. أو السياسية، ولا بالحق في الدفاع.
ويتعين لتطبيق الوضع تحت المراقبة القضائية أن يعين قاضي التحقيق أو القاضي الذي ينتدبه لهذه الغاية، شخصا ذاتيا أو معنويا مؤهلا للمشاركة في ذلك، أو مصلحة للشرطة أو للدرك الملكي أو أية مصلحة قضائية أو إدارية مختصة. وتمكن أن تصرف لهؤلاء تعويضات في نطاق القانون رقم 23-86 المتعلق بالمصاريف القضائية في الميدان الجنائي.
ويقوم الأشخاص والهيات المعنية بمراقبة مدى امتثال المتهم للالتزامات المفروضة عليه ببلورة هذه المراقبة، ولذلك يمكنهم
استدعاءه أو زيارته. كما يمكنهم القيام بكل الإجراءات والأبحاث المفيدة لتنفيذ المهمة المنوطة بهم. ويبلغون قاضي التحقيق عن إنجاز مهامهم وعن سلوك المتهم وفقا لما حدده. ويشعرونه إذا سجلوا على المتهم تملصه من التطبيق. ويقبل الوضع تحت المراقبة القضائية الاستئناف كما سوف نرى لاحقا.
سادسا: الاعتقال الاحتياطي
الاعتقال الاحتياطي تدبير سالب للحرية يرمي إلى وضع المتهم في السجن. ويصدر على شكل أمر بالإيداع في السجن إذا كان المتهم حاضرا، أو أمر بإلقاء القبض إذا كان المتهم في حالة فرار. ويبلغ فورا للمتهم وللنيابة العامة بنفس الطريقة التي يبلغ بها الأمر بالوضع تحت المراقبة القضائية. ويحق للمتهم أو دفاعه تسلم نسخة من الأمر بالاعتقال الاحتياطي.
ولا تنص المادة 175 من ق.م. ج. على تسليم نسخة من الأمر بإلقاء القبض. ولكن قواعد حسن سير العدالة واحترام حقوق الدفاع تقتضي تسليم نسخة من الأمر بإلقاء القبض في حالة تنفيذه، ذلك أن نسخة الأمر بالإيداع في السجن تسلم ابتداء من الحظة تنفيذه، اعتبارا لكونه ينفذ فور صدوره ويبلغ إلى المتهم في نفس الوقت.
وإذا كان المشرع قد أعطى للمتهم حق استئناف الأمر بالإيداع في السجن المنصوص عليه في المادة 154 من قانون المسطرة الجنائية، فإن المادة 223 من هذا القانون التي تحدد أوامر قاضي التحقيق القابلة للاستئناف لم تذكر الأمر بالقاء القبض المنصوص عليه في المواد 154 وما يليها إلى 158 من قانون المسطرة الجنائية، وذلك لأن هذا الأمر لا يكون سندا اللاعتقال الاحتياطي إلا لفترة مؤقتة تحددها المادة 156 من قانون المسطرة الجنائية في 48 ساعة من تاريخ الاعتقال، حيث يجب عرض المتهم على قاضي التحقيق الذي يقوم باستننطاقه ويقرر بشأن اعتقاله احتياطيا أو الإفراج عنه. وإذا قرر اعتقاله احتياطيا فإنه يصدر – بعد استنطاقه – أمرا بالإبداع في السجن
وإذا كان قرار الايداع في السجن هو الشكل العملي لتطبيق قرار الاعتقال الاحتياطي، وهو يقبل الاستئناف أمام الغرفة الجنحية لمحكمة الاستئناف التي يمكن أن تلغي قرار قاضي التحقيق بالإيداع في السجن مما يترتب عنه الإفراج عنه.
فإنه في حالة عدم تقديم الاستئناف أو عدم قبوله أو رفضه، يبقى الاعتقال الاحتياطي ساريا ولا ينتهي إلا بانتهاء مدته أو عدم تجديدها. او نتيجة لصدور أمر بالإفراج المؤقت عن قاضي التحقيق وفقا للمادة 179 من قانون المسطرة الجنائية أو عن الغرفة الجنحية لدي محكمة الاستئناف التي يستأنف لديها قرار قاضي التحقيق وفقا الفقرة الرابعة من المادة 179 من قانون المسطرة الجنائية.
وتكون مدة الاعتقال الاحتياطي في الجنايات هي شهرين اثنين. ويمكن لقاضي التحقيق أن يجدد هذا التدبير خمس مرات أخرى لنفس المدة (أي شهرين في كل مرة). وأما في الجنح فإن مدة الاعتقال الاحتياطي تكون شهرا واحدا، ويمكن لقاضي التحقيق أن يجدده مرتين لنفس المدة، (اي شهرا واحدا في كل مرة) .
ولا يتم التجديد إلا إذا تبين بعد نهاية مدة الاعتقال الأحتياطي أن الضرورة تقتضي استمراره. ويتعين على قاضي التحقيق تعليل الأمر بتجديد الاعتقال الاحتياطي الصادر عنه، تعليلا خاصا. ولا يصدر أمره إلا بناء على طلبات النيابة العامة التي تكون هي الأخری معللة بأسباب.
وفي حالة انتهاء مدة الاعتقال الاحتياطي وعدم تجديدها أو بعد انتهاء التحديدات، يفرج تلقائيا عن المعني بالأمر ما لم تتم إحالته على المحكمة المختصة أو يكون معتقلا لأسباب أخرى.
ويمكن لقاضي التحقيق أن يأمر بالإفراج تلقائيا طبقا لشروط الفقرة الأولى من المادة 178 من ق.م. ج. أو بناء على طلب، بضمانة شخصية أو مالية أو بدونهما.
ولا يمنح قاضي التحقيق الإفراج المؤقت بصفة تلقائية إلا بعد استشارة النيابة العامة في الحالة التي لا يكون فيها الإفراج مقررا بحكم القانون.
وفي هذه الحالة يتعين على المتهم أن يلتزم بالحضور لجميع إجراءات الدعوى كلما دعي لذلك، وبأن يخبر قاضي التحقيق بجميع تنقلاته أو بالإقامة في مكان معين. ويتعلق الأمر بحضور إجراءات الدعوى كلها، وليس مرحلة التحقيق فقط. ولذلك فإنه يمكن القاضي التحقيق، وللمحكمة بعد ذلك، في حالة إخلال المتهم بهذه الالتزامات، أن تصدر أمرا جديدا باعتقاله. وإذا منح الإفراج المؤقت بكفالة مالية فإنها تضمن عنصرين ( أو جزءين):
– ضمان حضور المتهم لإجراءات التحقيق وتنفيذ الحكم. مما يعني مراعاة مبلغ الغرامة التي قد يحكم بها عند الاقتضاء.
– ضمان مصاريف الدعوى التي سبقها الطرف المدني، ثم المبالغ الواجب إرجاعها، والتعويض عن الضرر، أو أداء النفقة إذا كان المتهم متابعا بها، فالمصاريف التي أنفقها مقيم الدعوى العمومية، وأخيرا الغرامات. وينبغي أن يحدد مقرر الإفراج المؤقت القدر المخصص لكل جزء من جزئي الكفالة المذكورين أعلاه.
إذا قدم طلب الإفراج المؤقت من طرف النيابة العامة تعين على قاضي التحقيق أن يبيت فيه داخل أجل خمسة أيام من وضعه بكتابة الضبط لديه. وإذا قدم من طرف المتهم أو محاميه تعين عليه أن يبلغه إلى النيابة العامة، ويشعر به المطالب بالحق المدني برسالة مضمونة داخل 24 ساعة من وضعه كذلك. وعليه أن يبت فيه داخل خمسة أيام من تاريخ الطلب. وإلا فإنه يحق للمتهم أن يرفع طلبه مباشرة إلى الغرفة الجنحية التي يتعين عليها أن تبت فيه داخل 15 يوما، وبعد تقديم النيابة العامة لمستنتجاتها.
وإذا لم تبث الغرفة الجنحية في الطلب داخل الخمسة عشر يوما، فإنه يقع الإفراج عن المتهم ما لم يكن هناك إجراء إضافي للتحقيق.
غير أنه إذا كان في الدعوى طرف مدني فلا الغرفة الغرفة الا بعد انصرام أجل 48 ساعة على إشعاره بتقديم طلب الإفراج المؤقت.
ويحق للنيابة العامة كذلك أن ترفع طلبا بالإفراج المؤقت إلى الغرفة الجنحية لتبت فيه داخل نفس الأجل (15 يوما)، إذا كانت قد قدمت طلبا إلى قاضي التحقيق ولم يبت فيه داخل أجل 5 أيام.
إذا لم يبت قاضي التحقيق داخل أجل خمسة أيام، فإن امتناعه يعتبر رفضا ضمنيا للطلب ولا يمكنه البت فيه بعد فوات هذا الأجل.
و يجب على المتهم الذي تم تمتيعه بالإفراج المؤقت، أن يقدم إلى كتابة ضبط المؤسسة السجنية قبل الإفراج عنه، تصريحا يعين فيه محل المخابرة معه بدائرة نفوذ قاضي التحقيق، ويبلغه رئيس المؤسسة السجنية إلى هذا الأخير.
فإذا تخلف المتهم عن الحضور رغم توصله بالاستدعاء، أو جدت ظروف تجعل اعتقاله ضروريا، فإنه يمكن لقاضي التحقيق أن يأمر باعتقاله مجددا إذا كان هو الذي أفرج عنه. أما إذا كانت الغرفة الجنحية لمحكمة الاستئناف هي التي قررت الإفراج عنه، بكفالة أو بدونها بعد إلغاء قرار قاضي التحقيق، فإنه لا يمكن القاضي التحقيق أن يصدر أمرا جديدا بالاعتقال إلا إذا قررت هذه الغرفة بناء على ملتمس كتابي من النيابة العامة، سحب تمتيع المتهم بمقررها القاضي بمنح الإفراج.
إذا تقرر الإفراج عن المتهم بكفالة مالية فإنه يتعين على الجهة التي قررت ذلك (قاضي التحقيق أو الغرفة الجنحية) أن تحدد القدر الذي تخصصه لضمان حضور المتهم، والقدر الواجب للأداء الجزء الثاني من الكفالة الذي تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 184 من ق.م. ج ، لأن الجزء الأول من المبلغ يتم إرجاعه إلى المتهم في حالة حضوره. ويصبح ملكا للخزينة في حالة تخلفه. وتبلغ النيابة العامة إلى القابض موجزا من القرار أو شهادة من كتابة الضبط تثبت مسؤولية المتهم، وأما الجزء الباقی ما من مبلغ الكفالة فلا يرد للمتهم إلا في حالة عدم متابعته. وفي حالة الحكم بالإدانة يصرف هذا الجزء من المبلغ لمستحقيه من طرف صندوق الإيداع والتدبير. وتبت غرفة المشورة في كل نزاع بين المستحقين.
و يدفع مبلغ الكفالة إلى صندوق كتابة ضبط المحكمة، أو إلى القابض نقدا أو بواسطة شيك معتمد من طرف البنك، أو بواسطة شيك صادر عن محامي المتهم. كما يمكن أن يدفع بواسطة سندات صادرة عن الدولة أو مضمونة من طرفها إلى القابض وحده. وتأمر النيابة العامة بعد اطلاعها على وصل الأداه ، بتنفيذ مقرر الإفراج المؤقت.
سابعا – الإنابة القضائية
الإنابة القضائية هي الأمر الذي ينقل بمقتضاه قاضي التحقيق إلى قاض آخر أو إلى ضابط الشرطة القضائية، الصلاحية ليقوم مقامه بعمل من أعمال التحقيق. بحيث تكون لهذا الأخير نفس سلطاته وصلاحياته في حدود الإجراءات المحددة في الإنابة. ويعتبر كل إجراء يتم إنجازه خارج حدود الإنابة باطلا لصدوره من شخص غير مؤهل قانونا لإنجازه. و إن سلطة القاضي مهما كانت ممتدة في نفوذها فإنها لا تغطي دائما الامتداد المكاني الذي تطاله أعمال الجناة. لذاك فإن بعض التحريات التي يريد إنجازها يمكن أن تتجاوز حدود اختصاصه المحلى، كالاستماع إلى شاهد أو تفتيش منزل في مكان بعيد. ورغم أنه يجوز لقاضي التحقيق أن ينتقل خارج نفوذ المحكمة التي يزاول فيها عملا بمقتضيات المادة 99 وما يليها من قانون المسطرة الجنائية، فإنه لأسباب خاصة قد يتعذر عليه إنجاز الإجراءات الضرورية بنفسه، ولذلك أتاح له المشرع أن يكلف جهة أخرى للقيام ببعض المهام نيابة عنه، وذلك في حدود استثنائية، إذ أن القاعدة هي أن قاضي التحقيق يكلف بالقضية بكيفية شخصية، ويطلب منه القيام بإجراءات التحقيق بنفسه، فإذا عهد ببعضها لجهة أخرى فإنه يكون قد تخلى عن هذه القاعدة، ولذلك فإن المادة 86 من قانون المسطرة الجنائية كانت صريحة في القول بأن تفويض قاضي التحقيق لبعض صلاحياته للشرطة القضائية في إطار إنابة قضائية يتم بصفة استثنائية. ورغم أن هذه المادة تتحدث عن انتداب ضباط الشرطة القضائية من طرف قاضي التحقيق، فإن القاعدة تبقى واحدة بالنسبة لانتدابه للقضاة.
وبالإضافة للطابع الاستثنائي للإنابة القضائية، فإنها لا يمكن أن تشمل كل صلاحيات قاضي التحقيق، وإنما تقتصر على تكليف الجهة المنتدبة (بفتح الدال) للقيام ببعض الإجراءات. كما أن قاضي التحقيق لا يمكنه أن يفوض لتلك الجهة – إذا كانت هي الشرطة القضائية. بعض صلاحياته مثل الاستماع إلى المتهم.
نطاق الإنابة القضائية:
تقتصر الإنابة القضائية على إجراء محدد من إجراءات التحقيق المتعلقة بالجريمة المشار إليها في المتابعة. ويتعين أن تتضمن تحديد الإجراءات المطلوب القيام بها، إذ لا يصح أن تكون عامة. ولا يصح أن تكون من أجل التحقيق في قضية بأكملها، لأنها في هذه الحالة تعتبر تنازلا من قاضي التحقيق عن اختصاصه إلى جهة لم يمنحها القانون سلطة التحقيق فيها أصلا، لأن النيابة العامة لم تكلفها به. . ويمكن لقاضي التحقيق أن ينتدب أي قاض آخر للتحقيق، أو أي قاض آخر من قضاة الحكم، أو أي ضابط الشرطة القضائية الإنجاز الإجراء. لكن ضباط الشرطة القضائية لا يمكنهم استنطاق المتهم ومقابلته مع غيره، ولا يمكنهم الاستماع إلى المطالب بالحق المدني إلا بطلب منه. ولذلك فلا يسوغ القاضي التحقيق انتدابهم لهذه الغايات. ويحق لضابط الشرطة القضائية المنتدب أن يستعين بمساعديه أثناء تنفيذ الإجراء على أن يكون ذلك تحت بصره وإشرافه وبأمر منه:
و يتعين على الشخص المستدعى الأداء الشهادة أثناء الإنابة القضائية أن يؤدي اليمين القانونية. وإذا لم يمتثل، تعين إشعار قاضي التحقيق مصدر الإنابة، ليجبره على الحضور بواسطة القوة العمومية، ويتخذ في حقه العقوبات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 128 من قانون المسطرة الجنائية عند الاقتضاء..
وإذا اقتضى تنفيذ الإنابة أن يضع ضابط الشرطة القضائية شخصا تحت الحراسة النظرية، فله أن يضعه وفقا للشروط العادية التي تحكم الوضع تحت الحراسة النظرية إما في حالة التلبس المواد 66 و67 و68 و69 من قانون المسطرة الجنائية) أو في حالة البحث التمهيدي (المادة 80). وبالإضافة إلى إشعار عائلة المعني بالأمر والنيابة العامة المختصة مكانيا بوضع الشخص تحت الحراسة النظرية، فإن ضابط الشرطة القضائية يشعر قاضي التحقيق الذي انتدبه.
2 – شروط صحة الإنابة القضائية
يجب – لصحة الإنابة القضائية – أن تكون صادرة عن قاض مختص ومكلف بالتحقيق في القضية التي صدرت بشأنها، وأن يكون قاضي التحقيق أو القاضي أو الضابط الذي وجهت له الإنابة مختصا من حيث المكان. وينتدب كل واحد من هؤلاء الإنجاز الإجراء الذي أنتدب له في الأماكن الخاضعة لنفوذه. وإذا تعلق الأمر بتنفيذ إنابة خارج دائرة نفوذ قاضي التحقيق، فإنه يعهد بالتنفيذ لأي قاضي آخر من قضاة التحقيق أو من قضاة الحكم بالدائرة التي سينفذ فيها الإجراء. ولا ينتدب في هذه الحالة مباشرة الشرطة القضائية. ويتعين على القاضي المنتدب أن يشعر النيابة العامة التي تنفذ الإنابة القضائية في دائرتها.
وجرت العادة أن يعهد قاضي التحقيق المنتدب إلى ضابط الشرطة القضائية بدائرة نفوذه بتنفيذ الإنابة الموجهة إليه أو جزء منها، إلا ما يمنع القانون إنجازه عن طريق ضابط الشرطة القضائية كالاستماع للمتهم.
وتصدر الإنابة القضائية في شكل أمر كتابي يشار فيه إلى نوع الجريمة موضوع التحقيق، وتحدد فيه الإجراءات المطلوب إنجازها، ويتضمن اسم قاضي التحقيق الصادرة عنه الإنابة وتوقيعه وتاريخ صدور الإنابة والجهة الموجهة إليها. ويحدد قاضي التحقيق أجلا لإنجاز الإنابة، فإذا لم يفعل، فيجب توجيه المحاضر المنجزة إليه خلال ثمانية أيام من تاريخ إنجاز الإجراءات.
وإذا تضمنت الإنابة القضائية الأمر بإنجاز عدة إجراءات في آن واحد، ولكن في أماكن مختلفة من تراب المملكة، فيمكن بأمر من قاضي التحقيق، أن توجه إلى السلطات المكلفة بتنفيذ الإنابة نظائر مستخرجة منها أو نسخا منها مطابقة للأصل. ويمكن في حالة الاستعجال توجيهها بجميع الوسائل، غير أنه يجب أن توضح عند كل توجيه البيانات الجوهرية المضمنة في الأصل، وخصوصا نوع التهمة واسم القاضي الصادرة عنه الإنابة وصفته.
ثامنا – إجراء الخبرة
الخبرة وسيلة من وسائل الإثبات المباشرة التي يلجأ بواسطتها القضاء إلى الغير للاستعانة به في أمور تقنية يستعصي عليه معرفتها من أجل الوصول إلى الكشف عن الحقيقة.
و يأمر قاضي التحقيق بإجراء الخبرة تلقائيا أو بطلب من النيابة العامة أو من الأطراف. وفي حالة رفض قاضي التحقيق للطلب المقدم إليه لإجراء خبرة يتعين أن يعلل قراره، الذي يكون قابلا للطعن بالاستئناف من طرف النيابة العامة والأطراف. وأما الأمر الصادر عن قاضي التحقيق بإجراء خبرة فلا يقبل الطعن بالاستئناف. ولكن يمكن للأطراف بما فيهم النيابة العامة أن يبدو ملاحظات خلال ثلاثة أيام الموالية التبليغ، حول اختيار الخبير أو المهمة الموكولة إليه مثلا.
ويتعين على قاضي التحقيق أن يبلغ قراره بإجراء الخبرة إلى النيابة العامة و إلى الأطراف. وفي حالة الاستعجال، يجوز له كلما اقتضت الضرورة ذلك، أن يصدر قرارا معللا یأمر فيه الخبير المعين بالشروع على الفور في إنجاز المهمة المأمور بها ولو قبل تبليغ الأطراف أو النيابة العامة.
ويجب على قاضي التحقيق أن يعرض على المتهم الأشياء المختوم عليها التي لم يتم فتحها أو لم يقع إحصاؤها وفقا للمادة 104 من قانون المسطرة الجنائية، وذلك قبل تسليمها للخبير. وعليه أن يقوم بإحصاء الأشياء المختومة في المحضر الذي يثبت بمقتضاه تسليمها للخبير. و على الخبير البقاء في اتصال مستمر مع القاضي خلال ممارسة المهمة المعهود بها إليه وإخباره بتطور عمله.
ويمكن للأطراف طلب إجراء خبرة تكميلية أو مضادة، ويحق لهم الحصول على نسخة من تقرير الخبير. وعلى قاضي التحقيق في حالة رفض طلب الخبرة التكميلية أو المضادة أن يصدر قرارا معللا بالرفض، يكون قابلا للطعن بالاستئناف. وفي حالة عدم إنجاز الخبير لمهمته خلال الأجل الذي حدده له قاضي التحقيق، ولم يطلب تمديد الأجل، أو في حالة عدم موافقة القاضي على التمديد، يتم استبداله بخبير آخر فورا. ويتعين على الخبير الذي وقع استبداله أن يحيط القاضي علما بالعمليات التي أنجزها، وأن يرد الأشياء التي سلمت إليه داخل أجل 48 ساعة لتسلم للخبير الجديد. وذلك تحت طائلة العقوبات التأديبية.
تاسعا – الأوامر القضائية بشأن انتهاء التحقيق
عندما يقدر قاضي التحقيق أنه قد أنهى البحث في القضية، يوجه الملف بجميع أوراقه، بعد ترقيمها من طرف كتابة الضبط لديه، إلى النيابة العامة بقصد الإطلاع عليها ووضع ملتمساتها داخل أجل ثمانية أيام على الأكثر من تاريخ توصلها بالملف.
ويحول قرار قاضي التحقيق بانتهاء البحث، دون تقديم ملتمس من النيابة العامة بإجراء بحث إضافي، أو مواصلة التحقيق في جريمة أخرى لها ارتباط بالجريمة المجري فيها التحقيق. وبطبيعة الحال فإن النيابة العامة يمكنها أن تتقدم بمستنتجاتها الرامية إلى إصدار أمر بالإحالة على غرفة الجنايات أو على جهة قضائية أخرى مختصة، إذا تبين لها ما يدعو لذلك اعتمادا على نتائج التحقيق. كما يمكنها أن تقدم ملتمسا بعدم المتابعة إذا تبين لها أن البحث الذي أجراه قاضي التحقيق لم يكشف عن أي دليل يدين المتهم.
و الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق بشأن انتهاء البحث هي:
1 – الأمر بعد الاختصاص
إذا ارتأى قاضي التحقيق أن الأفعال لا تدخل في اختصاصه، فإنه يصدر أمرا بعدم الاختصاص، ويحيل ملف القضية على النيابة العامة خلال أجل ثمانية أيام من صدور الأمر. وتبقى إجراءات المتابعة والتحقيق المنجزة محتفظة بأثرها القانوني، بحيث تعتبر الدلائل التي توصل إليها قاضي التحقيق ومنها الاعتراف، منتجة في الإثبات. ويتعين على الجهة المحال عليها الملف أن تعتمدها.
2 – الأمر بعدم المتابعة
– إذا اتضح لقاضي التحقيق أن الأفعال المنسوبة إلى المتهم لا توصف بوصف جنائي، أو لم تعد لها الصفة الجرمية بعد إلغاء القانون الذي كان المتهم محالا بمقتضاه على التحقيق، أو أن البحث لم يسفر عن وجود أي دليل كاف في حق المتهم، أو أن الفاعل ظل مجهولا في الحالة التي يكون قد أجري فيها التحقيق ضد مجهول. فإنه يصدر أمرا بعدم المتابعة، ويبت في موضوع رد الأشياء المحجوزة إن وجدت. ويمكنه كذلك أن يصدر قبل انتهاء التحقيق، أمرا بعدم المتابعة جزئيا.
يقوم قاضي التحقيق في هذه الحالة بتصفية صائر الدعوى. فإذا كان في القضية مطالب بالحق المدني، فإنه يحمله كل الصائر أو بعضه، أو يعفيه منه إذا كان حسن النية ولم يكن هو المثير الدعوى العمومية.
وينتهي مفعول الاعتقال الاحتياطي والوضع تحت المراقبة القضائية بقوة القانون. ويفرج عن المتهمين المعتقلين بمجرد تبليغ الأمر إلى السجن ولو استأنفت النيابة العامة قرار عدم المتابعة. ويتم الإفراج عن المتهمين ولو لم ينص عليه في الأمر بعدم المتابعة، ما لم يكنوا معتقلين لسبب آخر. ولقاضي التحقيق أن يأمر بنشر القرار بعدم المتابعة كلا أو بعضا، بصحيفة أو عدة ص حف، بناء على طلب الشخص المعني بالأمر، أو طلب النيابة العامة
، وأن يحدد البيانات القابلة للنشر. وهذا الإجراء مقرر الحماية قرينة البراءة، ويمكن المتهم من المطالبة به لرد الاعتبار الشخصه وتثبيت صفاء صورته لدى عامة الناس.
ويكون الأمر بعدم المتابعة قابلا للاستئناف من طرف النيابة العامة في جميع مقتضياته طبقا للمادة 222 من ق.م. ج. ومن طرف المتهم في شقه القاضي بالنشر، وكذلك في الشق المتعلق برد الأشياء المحجوزة طبقا للمادة 223 من ق.م. ج..
3 – الأمر بالمتابعة
إذا قرر قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف متابعة المتهم بجناية، فإنه يحيله على غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف. كما يحيل عليها ملف القضية. ولا يمكن الطعن في قرار الإحالة إلا بالنقض، ومع الحكم الصادر في الجوهر. وإذا قرر متابعته من أجل جنحة أو مخالفة فإنه يحيله على المحكمة الابتدائية المختصة، إلا إذا تعلق الأمر بالمتابعة بجريمة مرتبطة بجناية أو متصلة بها وكان قد قرر إحالة متهم أو أكثر على غرفة الجنايات، فإنه يحيل عليها بالتبعية الأشخاص المتابعين من أجل جنحة.
كما أن قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية يحيل المتهم الذي يتابعه بجنحة على المحكمة الابتدائية. أما بالنسبة للمخالفة فإنه في حالة المتابعة بها من طرف قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية، فإنه يحيل الملف على النيابة العامة حسب المادة 217 من قانون المسطرة الجنائية. ولا يمكن للنيابة العامة في حالة صدور قرار قاضي التحقيق بالإحالة على محكمة الابتدائية أن تتصرف في المتابعة ولا في النصوص القانونية التي اعتمدها قرار الإحالة وإنما تنجز الاستدعاء لتعرض المتهم على الجلسة وفقا لما جاء في قرار الإحالة، مع احترام أجل الاستدعاء وشكلياته المنصوص عليها في المادتين 308 و 309 من قانون المسطرة الجنائية. وإذا كان المتهم معتقلا يتم تخفيض الأجل الفاصل بين الاستدعاء وتاريخ انعقاد الجلسة إلى خمسة أيام فقط.
ولا تصدر الأوامر القضائية بانتهاء التحقيق إلا بعد تقديم النيابة العامة ملتمساتها. ويجب أن تشمل هذه الأوامر كل البيانات اللازمة مثل اسم المتهم العائلي و الشخصي وسنه وتاريخ و محل ولادته والقبيلة التي ينتمي إليها ومحل سكناه ومهنته ورقم بطاقة تعريفه الوطنية عند الاقتضاء ورقم تأجيره إذا كان موظفا عموميا. ويشار فيها إلى الوصف القانوني للفعل المنسوب للمتهم. وتبسط
فيها بكل دقة الأسباب المدعمة لوجود الأدلة أو عدم وجودها.
ويوجه قاضي التحقيق إلى محامي المتهم ومحامي الطرف المدني خلال الأربع والعشرين ساعة الموالية لصدور كل أمر قضائی، رسالة مضمونة بقصد إشعارهما بهذا الأمر. ويشعر المتهم والطرف المدني بنفس الطريقة وداخل نفس الأجل بالأوامر القضائية بانتهاء التحقيق، وبالأوامر القابلة للاستئناف 251. وإذا كان المتهم معتقلا فإن إخباره يتم بواسطة رئيس المؤسسة السجنية. أما النيابة العامة فإنها تشعر بجميع الأوامر في يوم صدورها بواسطة كاتب الضبط.
المبحث الثالث: إجراءات الطعن وإعادة التحقيق
نتناول في هذا المبحث بطلان إجراءات التحقيق واستئناف قرارات قاضي التحقيق، ثم إعادة التحقيق لظهور أدلة جديدة.
المطلب الأول: بطلان إجراءات التحقيق
حدد المشرع عند وضعه لقانون المسطرة الجنائية بعض القواعد الشكلية والموضوعية، وأوجب على قاضي التحقيق اتباعها توفيرا للضمانات الفردية وتأمينا لشروط المحاكمة العادلة. ورتب على مخالفة بعضها بطلان الإجراءات المعيبة والإجراءات الموالية لها. وحددت المادة 210 من ق.م.ج. هذه الإجراءات في ثلاث فئات: , الفئة الأولى: مخالفة مقتضيات المادتين 134 و135 من ق.م. ج. المتعلقتين بمثول المتهم أمام قاضي التحقيق لأول مرة واستنطاقه ابتدائيا. ولا س يما عدم إشعاره بحقه في تنصيب محام، أو إهمال إشعاره بحريته في الإدلاء بتصريحات أو عدم الإدلاء بها، وحقه في الخضوع لفحص طبي إذا كان موضوعا تحت الحراسة النظرية؛
– الفئة الثانية: مخالفة مقتضيات المادة 139 من قانون المسطرة الجنائية بشأن سماع المتهم أو الطرف المدني أو مواجهتهما بحضور دفاعهما إلا إذا تنازلا عن ذلك. أو إذا لم يحضر المحامي رغم استدعائه بيومين كاملين على الأقل قبل الاستنطاق أو المواجهة برسالة مضمونة. وكذلك عدم وضع ملف القضية رهن إشارته بيوم واحد على الأقل قبل الاستنطاق. غير أنه لا يترتب البطلان عن خرق هذه المقتضيات إذا نص محضر الاستنطاق أو المواجهة على حضور المحامي وعدم دفعه بأي إخلال يتعلق بالاستدعاء أو بالاطلاع على ملف القضية. . : الفئة الثالثة: مخالفة المقتضيات المتعلقة بالتفتيش المنصوص عليها في المواد 59 و 60 و62 من ق.م. ج. التي سبقت الإشارة إليها بمناسبة الحديث عن البحث في حالة التلبس بالجريمة. والمادة 101 من ق.م.ج. التي تخول لقاضي التحقيق إجراء التفتيش، وتنص على بطلان التفتيش الذي لم يتقيد بمقتضيات المواد 59 و 60 و62 من قانون المسطرة الجنائية. مع العلم أن أثر البطلان يطال الإجراء المعيب والإجراءات التي تترتب عنه وفقا لما حددته المادة 63 من قانون المسطرة الجنائية.
و تحال حالات البطلان طبقا لمقتضيات المادة 211 من ق.م. ج. على الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف التي تقرر ما إذا كان البطلان مقصورا على الإجراء الفاسد أو يمتد إلى الإجراءات اللاحقة كلا أو بعضا. والمعيار في التصريح ببطلان الإجراءات اللاحقة للإجراء المعيب هو أن تكون هذه الإجراءات مرتبطة به ومترتبة أو ناتجة عنه، طبقا للقاعدة التي تقول إن ما بني على الباطل باطل. أما إذا كانت الإجراءات اللاحقة مستقلة عن الإجراء المعيب ولا تأثيرله عليها، فإنه لا مبرر للتصريح ببطلانها.
و تسحب من ملف التحقيق وثائق الإجراءات التي أبطلت، وتحفظ بكتابة الضبط بمحكمة الاستئناف، ولا يمكن الرجوع إليها الاستخلاص أدلة ضد الأطراف في الدعوى، وإلا تعرض المسؤولون عن ذلك لمتابعات تأديبية، سواء كانوا قضاة أو محامين.
المطلب الثاني: استئناف أوامر قاضي التحقيق
يجب التمييز بالنسبة لأوامر قاضي التحقيق القابلة للطعن بالاستئناف بين النيابة العامة من جهة، والمتهم من جهة ثانية، والطرف المدني من جهة ثالثة.
– بالنسبة للنيابة العامة: الأصل أن كل أوامر قاضی التحقيق تقبل الطعن بالاستئناف من طرف النيابة العامة، ما عدا الأوامر الصادرة بإجراء خبرة طبقا للمادة 196 من ق.م. ج..
– بالنسبة للطرف المدني: يمكن للطرف المدني أن يستأنف الأوامر بعدم إجراء التحقيق، وبعدم المتابعة، وبعدم الاختصاص، والأوامر التي تمس مصالحه المدنية.
وأما المتهم فيمكنه استئناف جميع الأوامر المنصوص عليها في المادة 223 من قانون المسطرة الجنائية وهي على العموم المنازعة في قبول طلبات الطرف المدني ورفض الإفراج المؤقت والأمر بالإيداع في السجن، وتمديد فترة الاعتقال الاحتياطي، ورفض طلب إجراء الخبرة، والقرار الصادر بشأن رد الأشياء المحجوزة، والقرار المتعلق بتصفية صوائر الدعوى، والقرار المتعلق بنشر قرار عدم المتابعة بالصحف وكذلك ما يتعلق منه بتحديد البيانات القابلة للنشر.
ويقدم الاستئناف إلى كتابة الضبط بالمحكمة الكائن بها مقر قاضي التحقيق، بمقتضى تصريح، من طرف النيابة العامة في اليوم الموالي لتوصلها بالأمر. ومن طرف المطالب بالحق المدني، داخل أجل ثلاثة أيام من تبليغ الأمر في موطنه الحقيقي أو المختار. ومن طرف المتهم، داخل الأجل نفسه من يوم تبليغ الأمر إليه إذا كان حرا، وإذا كان معتقلا فيقدمه إلى كتابة ضبط المؤسسة السجنية، وعلى رئيسها أن يقوم بتوجيه التصريح المذكور إلى كتابة الضبط للمحكمة في ظرف أربع وعشرين
س اعة، لإضافته إلى الملف تحت طائلة تعرضه لعقوبات تأديبية. ويعتبر تاريخ التصريح بالسجن هو تاريخ الطعن.
يوجه قاضي التحقيق الملف أو النسخة المأخوذة منه إلى النيابة العامة لدى المحكمة في ظرف أربع وعشرين ساعة من تاريخ الاستئناف. وإذا تعلق الأمر باستئناف قرار قاضي التحقيق لدى المحكمة الابتدائية، فإن وكيل الملك لديها يحيل الملف خلال ثمان وأربعين ساعة إلى الوكيل العام للملك. ويقوم هذا الأخير بتوجيه الملف مرفقا بملتمساته إلى الغرفة الجنحية لمحكمة الاستئناف خلال خمسة أيام على الأكثر من تاريخ هذا التوصل. ويواصل قاضي التحقيق أعمال التحقيق إذا كان الأمر القضائي المستأنف لا علاقة له بانتهاء التحقيق، ما لم تصدر الغرفة الجنحية مقررا بخلاف ذلك.
ولا يمكن الدفع ببطلان إجراءات التحقيق بعد صدور قرار الغرفة الجنحية بالإحالة على هيئة الحكم 252. وبذلك يقال إن قرار الغرفة الجنحية بالإحالة على هيئة الحكم يطهر إجراءات التحقيق.
المطلب الثالث: إعادة التحقيق بسبب ظهور أدلة جديدة
و يعتبر قرار قاضي التحقيق بعدم المتابعة، مانعا من متابعة المتهم بناء على الأفعال نفسها. إلا أنه لا يمكن اعتباره كالحكم، مكتسبا لقوة الشيء المقضي به، لأن المادة 228 من قانون المسطرة الجنائية تسمح بإعادة التحقيق في حالة ظهور أدلة جديدة.
والأدلة الجديدة المعتبرة لإعادة التحقيق هي شهادة الشهود، والمستندات والمحاضر التي لم يكن في الإمكان عرضها على قاضي التحقيق لدراستها، والتي يكون من طبيعتها أن تعزز الأدلة التي تبين أنها ضعيفة، أو من شأنها أن تعطي للبحث تطورات مفيدة لإظهار الحقيقة (المادة 229).
ويتعين أن يقدم طلب إعادة التحقيق مدعما بالأدلة الجديدة إلى النيابة العامة التي لها وحدها الحق في تقرير ما إذا كان هناك موجب لالتماس إعادة التحقيق بسبب ظهور أدلة جديدة أم لا. وفي حالة الإيجاب فإنها تقدم ملتمسا بذلك إلى قاضي التحقيق. ولا يملك الطرف المدني أي وسيلة لإجبار النيابة على التقدم بالملتمس سوى التظلم الرئاسي.