يعتبر القاصر أحد الأركان الأساسية لنواة المجتمع، وهو من الغايات السامية التي تسعى إليها الأسرة والثمرة المرجوة من العلاقة بين الزوجين، وعبره يتواصل الوجود الإنساني على ظهر هذه البسيطة خلفا عن سلف، والأسرة التي تعتبر الخلية الأولى للمجتمع هي المكان الطبيعي لتربية القاصر وحماية مصالحه المادية والمعنوية والتربوية
فمصلحة القاصر ارتبطت منذ البداية بالسلطة الأبوية، ذلك أنه في العصور البدائية كان لرب الأسرة سلطة مطلقة 1على أفراد الجماعة تمتد إلى أرواحهم وأموالهم و أزواجهم،وهو يتولى أمر العشيرة أمام الجماعات الأخرى، فيطالب بحقوقها ويفي بعهودها وهو الذي يقضي بين الخاضعين لسلطته بما يشاء، فكلمته مطلقة نهائية لا مرد لها.
فرب الأسرة كان هو المشرع والقاضي الذي لا معقب على أحكامه غير أنه بعدما نشأت المدينة من إتحاد القبائل المجاورة واتسع سلطانها، وتأسست أركان الدولة القديمة، نشأ نظام القضاء و أضحت الدولة هي صاحبة الحق في تقرير العقوبة و في فض الخصومات
وتبعا لذلك أصبح القاضي موكول إليه مهمة تحقيق العدالة ،5والتي من أهم أثارها على تطور القانون الاعتراف بالحقوق الناشئة عن صلة الدم،حيث تم التخلي عن السلطة المطلقة للأب، وأصبحت الحقوق معترف بها لجميع أفراد الأسرة ،وأضحى القاضي يحمي مصالح القاصر في حالة تعارضها مع مصالح أبويه.
فقانون حمو اربي خفف من السلطة الأبوية وحصر حق الحرمان من الإرث بالمحكمة،فلم يعد الأب يستطيع حرمان ابنه من ارثه إلا بسبب تقدره المحكمة وتقضي به،وساوى في الإرث بين الأولاد بل إن قانون صولون الذي عدل بموجبه قانون داركون جعل للابن حق التملك في حياة أبيه متى بلغ سنا معينا
وسيرا على نهج القوانين اللاتينية في حماية القاصر أسست الشريعة الإسلامية أحكامها على رعاية مصالح المكلفين ودرء المفاسد عنهم، وتحقيق أقصى الخير لهم،ناظرة إلى الأطفال على أنهم العدة والمستقبل المرجو للأسرة والأمة، وقد أقسم بهم الله تعالى في كتابه العزيز( ووالد وما ولد) ،فالإسلام يحرص على سلامة القاصر في شخصه وماله، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ” ليس منا من لا يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا ” ،كما قال تعالى ” إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا”.
كما حرص الرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره أول قاض في الإسلام على حماية حقوق القاصرين، فقد ثبت أنه قضى صلى الله عليه وسلم في النفقة حينما قال لهند لما اشتكت له من جشع أبي سفيان ” خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف”.
وتابع تولي هذه المهمة الخلفاء الراشدون من بعده، كما استمر تعيين القضاة والولاة مع تطور الدولة الإسلامية ولما كانت مدونة الأسرة مستقاة من الفقه الإسلامي، ومسايرة للتوجه الدولي من خلال مصادقة المغرب على اتفاقية حقوق الطفل، فقد ولت اهتماما بالغا لمصلحة القاصر الشخصية والمالية،مخولة للقضاء دورا محوريا في الرقابة والإشراف على تطبيق بنودها حتى يكفل الحماية اللازمة لأفراد الأسرة عامة والأطفال القاصرين على وجه الخصوص.
فالمشرع بدا في هذا القانون وكأنه يستغيث ويستنجد بالقضاء لأنه من الصعب إيجاد حلول لكل النوازل وضبطها في نصوص جاهزة،فالحالات تختلف والظروف تتغير خاصة إذا تعلق الأمر بعلاقات إنسانية واجتماعية حميمية وبالرغم من السلطة التي منحت للقضاء من أجل حماية القاصر، لم يكلف المشرع نفسه عناء تحديد مفهوما دقيقا لمصطلح للقاصر، وهو ما فسح المجال للفقه لمحاولة تعريفه، حيث اعتبر البعض أن مصطلح القاصر” يطلق في الفقه والقضاء على الأشخاص الذين أتموا الثانية عشر من العمر، ولم يبلغوا بعد سن الرشد القانوني” . فيما اعتبر البعض الأخر أن القاصر هو” كل من لا يتوفر على الأهلية المدنية لإجراء التصرفات القانونية سواء أكان عديم الأهلية أو ناقصها صغير السن أو مصابا بأحد عوارض الأهلية محجرا عليه أم لا”.
وبالرجوع إلى مقتضيات مدونة الأسرة نجد أن المادة 218منها قد استعملت مصطلح القاصر وربطته بالسن حيث نصت في فقرتها الأولى ” ينتهي الحجر عن القاصر إذا بلغ سن الرشد ما لم يحجر عليه لداع أخر من دواعي الحجر”. وهو الأمر الذي أكدت عليه المادة 233 من مدونة الأسرة حيث جاء فيها ” للنائب الشرعي الولاية على شخص القاصر وعلى أمواله إلى بلوغه سن الرشد القانوني، وعلى فاقد العقل إلى أن يرفع الحجر عنه بحكم قضائي، وتكون
النيابة الشرعية على السفيه والمعتوه مقصورة على أموالهما إلى أن يرفع الحجر عنهما بحكم قضائي”
فأمام صعوبة إعطاء مفهوم لمصلحة القاصر، وتحديد ضوابطها إذ يرى البعض إن إعطاء تعريف لمصلحة القاصر(الطفل) صعب وتبريرهم في ذلك أن الأمر يتعلق بمادة في صلة ضيقة مع الحياة،والحياة مكونة من فوارق نسبية. فالمشرع قد فتح المجال لقاضي الأسرة بأن يتدخل ويلتمس أفضل الحلول وأيسرها، مادامت تتماشى مع الفكرة التي ينادي بها الجميع وهي المصلحة الفضلى للطفل، سواء من أحكام الفقه المالكي إذ تنص المادة 400من مدونة الأسرة ” كل مالم يرد به نص في هذه المدونة يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف”، أو مراعيا ما جاء في المعاهدات الدولية سواء كانت ثنائية أو متعددة الأطراف.
لقد اعتبر الفقه الإسلامي أن المقاصد الشرعية هي المعيار الذي يتم على إثره تحديد مفهوم المصلحة، حيث نجد الإمام الغزالي يعرف المصلحة بأنها ” عبارة في الأصل عن جلب منفعة أو دفع مضرة، ولسنا نعني به ذلك، فإن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الخلق، وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم لكنا نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع”.
فهي ” كل ما يشكل منفعة للقاصر،ويبعد عنه التواجد في وضعية صعبة، وفي الغالب ما يترك للقاضي مهمة تحديد ما يعتبر من المصلحة الفضلى للطفل، وذلك حسب الوضعية التي يتواجد فيها هذا الأخير”.
أهمية الموضوع:
مما لا شك فيه أن موضوع البحث يكتسي أهمية بالغة يتجلى جانبها النظري في أن تكريس مبدأ مصلحة القاصر في مدونة الأسرة يرتكز على التعاون بين كل من المشرع الذي يضع نصوصا قانونية عامة ومجردة يحمي من خلالها مصلحة الطفل، وبين القاضي الذي….