نجيب جيري أستاذ باحث في الإدارة والمالية العامة  كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة شعيب الدكالي-الجديدة 

مقدمة:

لقد شكل نقد النموذج التنموي المغربي محورا رئيسيا  للخطاب الملكي أمام البرلمان بمناسبة افتتاح  الدورة التشريعية الخريفية بتاريخ 3 أكتوبر 2017، كدليل على إفلاس وإخفاق النموذج التنموي الحالي في تحقيق النتائج المرجوة، حيث اعتبر خلاله الملك “هذا النموذج غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية”.

وهو ما جعل أعلى سلطة في البلاد، تدعو الحكومة والبرلمان ومختلف المؤسسات المعنية، لإعادة النظر في هذا النموذج التنموي وتجاوز العراقيل التي تعيق تطوره، بتأكيده على ضرورة اتباع منهجية المقاربة التشاركية، التي اعتمدها المغرب في القضايا الكبرى كمراجعة الدستور والجهوية الموسعة وهيئة الإنصاف والمصالحة عبر إشراك كل الفعاليات والكفاءات الجادة.

فالسياق العام الذي يعيشه العالم اليوم، يتجه بشكل تدريجي إلى لامركزية القرار التنموي، الشيء الذي يدفعنا إلى ضرورة التفكير في مناهج جديدة للعمل التنموي. ولعل المقاربة التشاركية، تعد أبرز هذه المناهج التنموية، لأنها ترتکز على مستويات تفاعلية من التنشيط الترابي، الذي أصبح من الأدوات الناجعة الجعل المجتمعات تشارك بفعالية في العمليات التنموية.

إن الاستجابة العملية لانتظارات مختلف الشرائح وتفعيل مبدأ الإنصاف الاجتماعي يشكل حتما الرهان الأساسي في أي بعد تنموي. فهل الدستور الجديد يعبر عن رغبة الدولة في إعادة البناء و إشراك كل فئات المجتمع إشراكا فعليا؟ أم ستبقى هذه التنظيرات حبرا على ورق لا تمت ل لواقع بأبي صلة تذكر و ماهي الآليات والمهارات التي ينبغي أن يتزود بها صانعو القرار لتفعيل مقتضيات الديمقراطية التشاركية خصوصا وأن هناك تعارض كبير بين الديمقراطية التشاركية والديمقراطية التمثيلية؟

وبالرغم من أن هذه الديمقراطية التمثيلية التي يكفلها الدستور المغربي تفضي إلى نتائج حسنة من قبيل سيادة الأمة، عبر تنظيم استفتاءات شعبية وبصفة مباشرة، واختيار الأمة لم مثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم، وضمان حرية التفكير والرأي والتعبير بكل أشكالها، وضمان حق المعارضة البرلمانية في المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، فإنها تظل قاصرة إذا لم يتم استكمالها بمشاركة فعلية ل لمواطن في العملية التنموية التي تهمه بالدرجة الأولى حيث ينبغي أن تكون القرارات التنموية من المواطن و إليه.

إن کسب رهان القرب، هدف لا يمكن تحقيقه إلا في إطار ديمقراطية تشاركية أو ديمقراطية القرب کشكل جديد للإصغاء والإنصات الاجتماعي،يمكن من تحديد أهداف السياسات العامة والإجابة بشكل كاف وفعال على متطلبات المواطنين، من خلال قيادات سياسية منتخبة قريبة من مواطنيها،وتحظى يرضاهم عبر مشاركتهم ودعمهم، لتحقيق التنمية الاقتصادية والتنمية السياسية المحلية التي هي أساس الخيار الديمقراطي الحقيقي.

وعليه، فالحديث عن المقاربة التشاركية وعلاقتها بنجاح السياسات العمومية، يقتضي منا التطرق إلى المباحث التالية :

المبحث الأول: الدستور المغربي والديمقراطية التشاركية: في التأسيس القانوني ل لم مارسة التشاركية.

المبحث الثاني: الديمقراطية التشاركية ومبدأ التمكين التنموي: في تجاوز العقبات عبر بوابة التمكين.

المبحث الأول: الدستور المغربي والديمقراطية التشاركية: التأسيس القانوني الممارسة التشاركية

لقد ورد مصطلح الديمقراطية التشاركية« في الفصل الأول من الدستور،الذي نص على قيام النظام الدستوري للمملكة من جملة أمور أخرى على الديمقراطية المواطنة التشاركية« وكذا على مبادئ الحكامة الجيدة«.

 فقد جاء الدستور الجديد لسنة 1 201 ليمنح دورا أكبر للمجتمع المدني، من خلال ما تضمنه الدستور من مساهمة الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام والمنظمات غير الحكومية في إطار الديمقراطية التشاركية من خلال الفصل 12 من الدستور الذي ينص على ما يلي:

تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام والمنظمات غير الحكومية في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية وكذا تفعيلها وتقييمها«. كما نص الفصل 13 من الدستور على أن » تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها«.

وفي نفس السياق يعطي الفصل 14 من الدستور »للمواطنين والمواطنات ضمن شروط وكيفيات يحددها القانون التنظيمي، الحق في تقديم اقتراحات في مجال التشريع«.

فالملاحظ أن الدستور المغربي، وضع الإطار المسطري والمؤسساتي للتشاور العمومي من حيث القواعد والآليات وهينات الديمقراطية التشاركية ويتعلق الأمر بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين« والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة«، وكذا المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي«.

كما ينص أيضا الفصل 18 من الدستور على أنه »تعمل السلطات العمومية على ضمان أوسع مشاركة ممكنة للمغاربة المقيمين في الخارج، في المؤسسات الاستشارية وهيئات الحكامة الجيدة الذي يحدثها الدستور أو القانون.

أيضا نجد الفصل 33 من الدستور، يحث السلطات العمومية على اتخاذ التدابير الملائمة لتوسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد.

فضلا عن ذلك فقد نص الفصل 136 من الدستور على أن »التنظيم الجهوي والترابي للمملكة يرتكز على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن، ويؤمن مشاركة السكان في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة«

– كما يشير الفصل 139 من الدستور إلى أن »مجالس الجهات والجماعات الترابية الأخرى، تضع آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها«

وينص نفس الفصل في الفقرة الثانية على أنه: »يمكن للمواطنين والمواطنات والجمعيات تقديم عرائض الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله«, هذا الحق )تقديم العرائض( يخول أيضا للمواطنين والمواطنات على المستوى الوطني، »تقديم عرائض أيضا للسلطات العمومية للمساهمة في صياغة القرار وتحمل المسؤولية ومراقبة وتتبع مشاريعهم التنموية« حسب الفصل 15 من الدستور

 كما يقضي الفصل 156 من الدستور بأن »تلقى المرافق العمومية ملاحظات مرتفقيها، واقتراحاتهم، وتظلماتهم وتؤمن تتبعها«.

وعليه، فإن أول ما يستنتج من هذا الجرد لمضامين الدستور المغربي ذات الصلة بموضوع الديمقراطية التشاركية« وكذا الأدوار التي أنيطت بالجمعيات في هذا الصدد، أن الأمر يتعلق باختيار واع تماما من قبل المشرع الدستوري المغربي،إن لم يرقى إلى مستوى البديل عن نموذج الديمقراطية التمثيلية« فهو على الأقل منافس حقيقي لها.

فالمقاربة التشاركية، تعتبر إحدى منهجيات العمل المرتبطة بتدبير المجال،وتفسر بأنها مسلسل تواصلي يمكن الأفراد من تحديد احتياجاتهم وأهدافهم،ويؤدي إلى قرارات مركزة تأخذ بعين الاعتبار آراء وتطلعات كل الأطراف المعنية وهي بذلك، تنقل صياغة القرارات والمشاريع من المقاربة القطاعية، التي كانت تعتمدها المؤسسات في النظام المركزي من خلال فرض المشاريع الفوقية دون الاستشارة في التنفيذ والتتبع والتقييم، إلى المقاربة التعاقدية والتشاورية،قصد إشراك مختلف الفاعلين في تحقيق تنميتهم الذاتية، من خلال التحليل والتقرير والتخطيط والتنفيذ والتقييم.

وتجدر الإشارة، إلى أن هذا الاختيار المؤس س دستوريا لم يأتي بشکل اعتباطي أو مفاجئ، إذ كما لاحظ بعض المختصين في الشأن السياسي بالمغرب، فمنذ أواخر عقد التسعينات. وبشكل خاص منذ اعتلاء الملك محمد السادس للعرش، لم يعد الحديث عن الإصلاحات بالمغرب يقتصر على ما هو اقتصادي أو اجتماعي فقط، كما كان عليه الحال في السابق، وإنما شمل أيضا أساليب تدبير الشأن العام، من قبل المؤسسات المنتخبة مركزيا وجهويا، رغم أن الهدف لم يكن يتعلق بتدشين “مسلسل ل لدمقرطة، وإنما اقتصر فقط على نوع من “الانفتاح الليبرالي”، تجلى في التأسيس ل تعد دية” شملت توسیع شبكة علاقات السلطة عبر استقطاب “شركاء” ومحاورین جدد. وفي هذا السياق بالذات لاحظنا كیف أخذت مفاهيم “الحكامة الجيدة” و”الديمقراطية التشاركية* والمجتمع المدني* تطفى بشكل تدريجي على الخطب الملكية.

ولا يخفى على متتبع الخطب الملكية أن هذا الترويج لمفهوم “الحكامة الجيدة”؛ وما يرتبط بها من ديمقراطية تشاركية”؛ قد تزامن مع توجيه سيل من الانتقادات, الحادة أحيانا للمؤسسة المنتخبة وطنيا وجهويا. ما يشوب أدامها من عيوب ونقائص مستحكمة؛ ليست في الواقع إلا امتدادا لعيوب ونقائص الأحزاب السياسية نفسها؛ الفارقة في صراعات هامشية جوفاء: تحد من فعاليتها وتشل قدرتها على إبداع حلول ما تعانيه البلاد من إشكاليات كبرى؛ في مستوى ما ينتظره المواطن بفارغ الصبر

و بالموازاة مع ما تقدم؛ لاحظنا نوعا من الاكتساح التدريجي؛ من قبل شخصيات تكنوقراطية مقربة من النظام؛ لمواقع المسؤولية في الكثير من المؤسسات الرسمية والقطاعات الحكومية الحيوية؛ لما يقتضيه تدبير الملفات التي يشرفون عليها من شروط “الخبرة” و”الكفاءة* و”الحياد” السياسي؛ وهي الصفات التي أضحت بالنسبة للنظام بمثابة معايير لضمان حسن وفعالية الأداء في مجال تدبير الشأن العام”

ولعل ما يدعو إلى الاستغراب أحيانا أن هذا المد التكنوقراطي* داخل المجال السياسي المغربي؛ وما يؤطره ويؤسس له من خطاب سياسي. مناوئ للمؤسسات الحزبية؛ راعية الديمقراطية التمثيلية؛ و ضامنة استمراريتها: لايتم بمنأى عن الأجهزة السياسية المنتخبة: أو في غفلة منها لكن وعلى العكس تماما من ذلك ووفق ما يستفاد من بعض التصريحات الرسمية على الأقل: يقع برضاهاً التام؛ بل وأحيانا بدعم أو بمبادرة منها.

فهل يستخلص من ذلك: أن الأحزاب السياسية لا تعي بالشكل الكافي حقيقة المخاطر السياسية المحدقة بها من جراء ما يقع: وعلى رأسها خطر زعزعة ما تبقى لها من مصداقية لدى الرأي العام وإشاعة الانطباع بعدم أهليتها لتدبير الشأن العمومي؟ أم أن للأمر علاقة بغياب الأطر الوازنة التي تجمع بين الكفاءة العلمية والفكرية العالية المراس السياسي؛ على نحو ما يلاحظ بالفعل لدى غالبيتها: مما يجعلها تستسلم للأمر الواقع: مفضلة الانخراط في اللعبة على علاتها يدل الاكتفاء على الذات: وإعلان فشلها السياسي؟

 وعليه: فالمقاربة التشاركية ظهرت نتيجة الانتقادات التي وجهت للديمقراطية التمثيلية التي أصبحت محصورة في العملية الانتخابية: حيث يغيب دور المواطن في العملية التنموية بمجرد انتهاء فرز الأصوات؛ وينفرد المنتخب بالقرارات التي قد تكون إيجابية أو سلبية.

وبالرغم من أن هذه الديمقراطية التمثيلية التي يكفلها الدستور المغربي تفني إلى نتائج حسنة من قبيل سيادة الأمة؛ عبر تنظيم استفتاءات شعبية وبصلة مباشرة؛ واختيار الأمة لممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم: وضمان حرية التفكير والرأي والتعبير بكل أشكالها وضمان حق المعارضة البرلمانية في المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع. فإنها تظل قاصرة إذالم يتم استكمالها بمشاركة فعلية للمواطن في العسلية التنموية التي تهمه بالدرجة. الأولى: حيث ينبغي أن تكون القرارات التنموية من المواطن وإليه.’. 

المبحث الثاني: الديمقراطية التشاركية ومبدأ التمكين التنموي: في تجاوز العقبات عبر بوابة التمكين

 لقد أصبح اليوم من الضروري الالتزام بضمان الحق في المساواة أمام  القانون؛ والحق في المشاركة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية حسب الفصل 6 من الدستور

ولن يتأتى ذلك. إلا بالمشاركة الفعلية في العملية التنموية؛ بفتح أوراش في مجال تمكين المواطن من المشاركة في اتخاذ سلطة القرار في الهام والأمور المتعلقة بالأعمال التنموية, التي كانت من اختصاص السياسيين فقط. وتمكينهم هذا يكون من خلال الاندماج الذي يهتم أساسا بالاستفادة من خبراتهم وتجربتهم كمواطنين.

وهكذا فإن الدولة القادرة: هي التي يكون فيها التمكين لقوة المجتمع حاضرة وهي أفضل من الدولة القاهرة كما سماها الباحث «سلمان بونعمان يعنى أن نطمح إلى تأسيس الدولة القادرة بأهلها أي الدولة التي تدمج كل فئات المجتمع المرتبطة بها من أجل بناء هذه القدرة.

لكن في إطار هذا التبادل التمكيني نجد أن «الدولة لم تستطع تمثيل لطاقات المجتمع وتنجير فعالياته: وحتى المجتمع لم يستطع التكيف والانسجام مع ايديولوجية الدولة ‎٠.»‏

وفي هذا السياق؛ ومن الناحية التطبيقية أكدت بعض تجارب الدول أن اعتماد المقاربة التشاركية؛ ساهم في الحد من الظواهر الاقتصادية والاجتماعية السلبية؛ خصوصا تلك المتعلقة بالفئات المهمشة والمقصية من العملية التنموية؛وذلك بالرغم من شعف الموارد المتوفرة .

وهنا يمكن استحضار “التجربة الايرلندية” التي تبنت منذ 1987 خمسة اتفاقيات للتضامن الاجتماعي. علما أن الدولة كانت تعاني في فترة الثمانينات من الانكماش الاقتصادي؛ الذي دفع مسؤوليها إلى التفكير في حلول مبدعة لتجاوز الأزمة؛ فتم الاهتداء إلى إشراك أوسع قدر ممكن من المواطنين في القرار التنموي والبحث عن التوافق الشعبي حول السياسات العمومية التي ينبغي القيام بها.

ولهذا الغرض تم تأسيس “المجلس الوطني للاقتصاد والمجتمع” الذي أكد أن نجاعة الاستراتيجيات الاقتصادية رهينة بمشاركة كل المعنيين بالاصلاحات المتوقعة،وقد أسفر هذا التوجه التشاركي عن نجاحات كبيرة في المجال الاقتصادي تتمثل على سبيل المثال في:’

-انتقال معامل المديونية/الناتج الداخلي الخام من 120 في المائة.إلى 2 في المئة سنة 1998

 -انخفاض معدل التضخم مزل في المائة سنة 1980 إلى 28 في المائة سن17 -ارتفاع معدل النمو من 49 في المئة إلى 95 في المئة. 

-تضاعف الاستثمارات الخارجية؛ و خصوصا الأمريكية منهاء من 38 ملايين دولار إلى 83 ملايير الدولار انخفاض نسبة البطالة من175 في لانة إلى في المائة في غضون 12 سنة. 

-ارتفاع الأجور 30 في المئة.

ناهيك عن الأثر الإيجابي الذي تركه هذا المنهج التشاركي المعتمد في نفوس الواطئين والسكان, ذلك أن مناخ الثقة والمسؤولية والانخراط والاستعداد للمشاركة. المتواصلة قد تم تأسيسه على قواعد يصعب هزها في المستقبل.

فالديمقراطية التشاركية اليوم؛ لم تعد تلك اليوتوبيا التي داعبت أحلام الفلاسفة والسياسيين منذ قرون عديدة: بل صارت واقعا فعليا يتجسد في المديد من التجارب المجتمعية؛ لعل أهمها تلك التجارب التي شهدتها بلدان أمريكا اللاتينية في خضم دينامية المنتديات الاجتماعية: كالتجربة البرازيلية التي جاءت مع حزب العمال فكانت تطمح إلى تشجيع الديمقراطية ومحاولة التعامل مع كل المواطنين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم: الشيء» الذي أسس لمبدأ الديمقراطية التشاركية المسمى بـ مبدأ التثليث” الذي يفيد ضرورة تعدد الشركاء و الداعمين ليشمل كلا من الدوائر الحكومية والمجتمع المدني بسكانه والقطاع الخاص.

وقد برز هذا النموذج بشكل خاص في مدينة “بورتو أليغري” التي تقوم بإشراك كل المواطنين في عملية إعداد الميزانية.” حيث انتقل مستوى المشاركة سنة1990 من أقل من 1.000 إلى 14.000 ثم إلى أكثر من 100.000 مشارك؛ وقد أعطيت الفرصة الكاملة للمواطنين من أجل تحديد أوليات الصرف المتعلقة بتلك المدينة: كما أعطيت لهم صلاحيات مراقبة هذه العملية ومدى. ملائمة النفقات مع التوجهات المتفق عليها.

وقد ساهم ترسيخ العمل بهذه المقاربة التشاركية في ثقل مدينة”بورتو أليغري”؛ من التخلف الصناعي و الهجرة الداخلية و المديونية و ضعف الأجور الذي كانت تعيشه قبل سنة 1989 إلى مستوى يتمتع بمعدل 98 في المائة من الأسر المستفيدة من الماء و 85 في المئة من الأسر المستفيدة من التطهير؛ وتضاعف عدد الأطفال المتمدرسين و الزيادة في مساحات الطرق المعبدة وغيرها من الإنجازات ذات النقلة النوعية في سلم التنمية البشرية,.

كما تميزت هذه الفترة أيضا بالعمل بمفهوم الميزانية التشاركية؛ مما ساهم في تحقيق الكثير من الشفافية المالية التي ساهمت بدورها في ارتفاع المداخيل الجبائية بحوالي 90 في المائة نتيجة تولد الثقة لدى الملزمين بالأداء الضريبي.

وهكذا جاءت المقاربة التشاركية في نسق الدول الديمقراطية كثمرة ومجهود لتدعيم معدلات التنمية الإيجابية التي تم تحقيقها على مختلف الأصعدة؛ الاقتصادية؛الاجتماعية والسياسية والتي كان للديمقراطية التمثيلية التي انتهجتها أنظمتها السياسية دورا أساسيا في ذلك: بينما في نسق التجربة. الغربية يأتي طرح المقاربة التشاركية في ظل معدلات التنمية ذات المنحى السلبي.” وفي ظل إخفاقات الهيئات التمثيلية في الوفاء بالتزاماتها. 

وعليه يمكن القول والك بالنظر إلى البيئة المحيطة بتطبيقات التمثيلية؛بأن هذه الأخيرة توجد في محك ازمة حقيقية أمام الصور الجديدة التي ظهرت. بهدف التعبير عن مطالب المواطنين (مثل هيئات المجتمع المدني)؛ وأخذ مقترحاتهم وآرائهم كقوة اقتراحية أساسية داعمة لمختلف المبادرات التي تهم  مختلف مراحل مسلسل اتخاذ القرار: فالمأمول من التشاركية في هذا المعنى تحقيق نوع من المسؤولية الفعلية لا الصورية. 

وتبقى أهم بواية للتحقيق الفعلي والفعال للديمقراطية التشاركية هي تطوير النظام الديمقراطي بالبلد؛ وذلك من خلال توسيع مشاركة المجتمع المدني في تدبير الشأن العام خصوصا على المستوى المحلي: مما سيجعل الأفراد يتمتعون بمواطنة كاملة بحكم أن المشاركة السياسية تعد أحد ركائزها.

فالتعاقد التشاركي المندمج كميداً استراتيجي في الدستور الجديد لمث 011, يجمل من كل الأطراف التي شملتها الديمقراطية التشاركية في النص الدستوري ركاه فعليين للدولة. يضطلع كل منهم بأدوار هامة أصيلة. تتميز بالتنوع و التكامل أكثر مما تتصف به من عناصر التشابه والتماثل في الأدوار. وبهذا ننزع عن هذا التعاقد التشاركي المندمج صفة التنازع بين فاعليه و شركاته. 

خاتمة

وفي الأخير: وتحن نسوق بعض الأمثلة على نجاح المقاربة التشاركية  في تنمية بعض المجتمعات المعاصرة سواء أكانت متقدمة أصلا “كإيرلاندا” أو سائرة في طريق النمو مثلنا “البرازيل”؛ لنؤكد على حيادية هذه المقاربة ونجاعتها التنموية في جميع البلدان.  وهذا ما أكدته بعض التجارب التنموية التشاركية في الغرب نفسه؛ حيث لا يتسع المقام لسردها (مثلا اعتماد المقاربة التشاركية عند وضع كل من الميثاق الجماعي والدستور الجديد تدبير هيأة الإنصاف والمصالحة ملف انتهاكات حقوق الإنسان وفق المقاربة التشاركية…). ليظل سؤال ملح يفرض على عملية. 

  تفكيرنا وهو: هل ستستفيد الحكومة الحالية من مثل هذه التجارب التنموية التشاركية الدولية الناجحة في وضع سياساتها وبرامجها الإصلاحية أم أنها ستستمر بدورها في تكريس تنمية فوقية تكنوقراطية مفرطة في المركزية لا تراعي إلا المؤشرات الماكرو اقتصادية في قياس النمو؟. وفي حالة ما إن قررت الحكومة المقبلة اتباع هذه المقاربة التشاركية: فهل ستستطيع إنجاز تشخيص تشاركي يحدد نقط القوة ومكامن الضعف وحاجيات وإمكانيات وأولويات التنمية للبلد مع المواطنين! وهل ستستطيع الحكومة الابتعاد عن المصلحية السياسية و الإيديولوجية الضيقة في بلورة المشاريع المدرة للدخل: وإحداث تمثيلية حقيقية ذات قوة اقتراحية في اتجاه الاعتماد على المواطنين في كل ما يتعلق بتدبير الشأن المحلي؟

 فالملاحظ اليوم أن السياسة التقنوقراطية المركزية الغارقة في البيروقراطية. قد أثبتت فشلها؛ وهذه السياسة هي التي أنتجت لنا حالة «منارة المتوسط»  برنامج التنمية المجالية لإقليم الحسيمة كنموذج لعدد كبير من هذا النوعية الخاصة من المشاريع: والتي لا تحتاج فقط إلى تحريك المتابعات وإجراء التحقيقات للوقوف على المسؤوليات: أو إعفاء هذا الوزير أو ذاك

 ‎ولكن الأمر يحتاج إلى ‏ تقييم شامل لنظام الحكامة لهذا النموذج التدبيري التنموي وإلى اختلالاته العميقة غير البعيدة عن الخطاطة المؤسساتية العامة  للدولة    

اترك تعليقاً