العريي بلا – البشير المتاقي  أستاذان باحثان – كلية الحقوق بمراكش

مقدمة

يحتاج كل نظام سياسي إلى دستور يؤسس السلطة ويحدد آليات  الوصول إليها، ويضبط طرق نقلها ونظام ممارستها، وينظم التعايش السلمي  بينها وبين الحرية( حقوق وحريات الأفراد والجماعات)، ولذلك كله، يكون  الدستور مطلبا ملحا بعد استرجاع أي دولة لسيادتها.

ويتم تعديل الدستور جزئيا أو حتى إلغائه كليا واستبداله بدستور جديد تماشيا مع تغيير أو تجدد  النظام السياسي.

ومنذ استرجاع المغرب لسيادته، ظلت مسألة الدستور تغذي التوتر  بين المؤسسة الملكية والقوى الديمقراطية، وتكثف الخلاف التاريخي بين  الدولة والمعارضة، ذلك أن السلطة التأسيسية الأصلية( سلطة وضع الدستور)  هي التي تحدد المعالم والشكل الدستوري والسياسي للدولة وفلسفة ونظام  الحكم القائم بها.

وبالرغم من حداثة وقصر عمر التجربة الدستورية في المغرب، حيث  أن أول دستور وضع سنة 1962، إلا أنه، في أقل من نصف قرن(  2011/1962)، تلاحقت خمسة دساتير أخرى، أملتها الظروف غير العادية  والأوضاع الاستثنائية التي عرفها المسار السياسي للمملكة(1)، مما ترتب عنه  تضخم في الوثائق الدستورية( ستة دساتير في حوالي نصف قرن).

فلماذا م تؤد ستة دساتير إلى تحقيق التراكم الضروري لتأطير الحياة  السياسية من أجل بناء مسار سياسي سليم لتحقيق التحول الديمقراطي؟  كيف تممت سيرورة دسترة النظام السياسي المغربي؟ وهل حالة الغموض

والالتباس اليوم في العمل السياسي المغربي يعبر عن تراجع عن المكتسبات الحقوقية والسياسية لحركة 20 فبراير ودستور2011   من أجل توضيح وإعطاء بعض عناصر الإجابة عن هذه الأسئلة،  يمكن تقسيم الموضوع إلى أربعة مراحل أساسية، وهي:

أولا: مرحلة الصراع حول وضع الدستور وتحديد التوجهات الدستورية والسياسية للمملكة( 1962/1956).

ثانيا: مرحلة تثبيت الملكية المهيمنة والتنفيذية( 1992/1962).

ثالثا: مرحلة التغيير في ظل الاستمرارية(2011/1992).

رابعا: مرحلة الدستور الجديد 2011( الأمل ووهم التغيير).

  أولا: مرحلة الصراع حول وضع الدستور وتحديد التوجهات الدستورية والسياسية للمملكة(1962/1956):

مثلت الفترة الممتدة ما بين سنة 1956 وسنة 1962 مرحلة البحث عن تحديد من هي السلطة التأسيسية التي يجب أن تضع الدستور، وتحدد  الشكل الدستوري والسياسي للدولة وفلسفة نظام الحكم لمغرب الاستقلال.

لذلك طرحت مسألة السلطة وبناء نظام دستوري وسياسي في بداية الاستقلال بحدة، ذلك أن الصراع في البداية كان يدور حول من يملك السلطة،  وليس كيف يجب توزيعها بين الفاعلين؟ وانحصر الصراع في هذه المرحلة بين  قوتان أساسيتان، هما : المؤسسة الملكية بمشروعياتها التاريخية والدينية  والنضالية، مما أهلها لتصبح فاعلا وطرفا أساسيا في ممارسة السلطة، وبالتالي  تتجسم في الملك الذي هو الأمين عليها والحفيظ لها”،  تصبح” سيادة البلاد  وحزب الاستقلال بقوته النضالية والسياسية، باعتباره متزعما للحركة الوطنية  وبتمثيله للأغلبية، وبالتالي المعارضة الحزبية.

ولذلك مثلت مسألة من يضع الدستور أعقد القضايا وأكثرها إثارة  للاختلاف والجدل بعد سنة 1956 سبب أهميتها المركزية في صياغة  ” مفاتيح تنظيم السلطة وتوزيعها”، بين القوتان الرئيسيتان في البلاد.

فالمؤسسة الملكية تريد وضع نظام دستوري محبوك بطريقة تقليدية يسود فيه الملك ويحكم، وحزب الاستقلال كان يسعى من أجل ملكية دستورية  مقيدة.

ومن خلال ما سبق، كان من الطبيعي أن يكون الصراع بين القوتين  على امتلاك السلطة التأسيسية صراعا وجوديا.

ودفعت محاولة حزب الاستقلال الهيمنة على الحياة السياسية الملكية للتدخل والسماح بتعددية حزبية مراقبة، مما أضعف الحركة  الوطنية عامة وحزب الاستقلال بصفة خاصة.

كما استفادت المؤسسة الملكية من صراعات الحركة الوطنية،  واعتبرت أن بناء نظام سياسي ديمقراطي يتطلب التريث والتدرج.

وبدأت تحسم الصراع لصالحها، وذلك بتحديد المعالم الأساسية للحياة السياسية التي  ترغب فيها في وثيقة العهد الملكي الصادرة سنة 1958.

وعلى المستوى القانوني والحقوقي، دعمت الملكية إستراتيجيتها  بإصدار ظهير الحريات العامة(1958)، وقانون التنظيم الجماعي( 1959)،  وقانون الانتخابات، وأعادت بناء شبكة النخب المحلية.

وبعد تولي الحسن الثاني السلطة، وضع القانون الأساسي للمملكة في  يونيو 1961، والذي اعتبر إعلانا عن” ممارسة الملكية للسلطة التأسيسية  في انتظار وضع الملك لدستور جديد

  ثانيا: مرحلة تثبيت الملكية المهيمنة والتنفيذية( 1992/1962).

بعد سنتين من اعتلائه العرش، أعلن الملك الحسن الثاني عن وضع  أول دستور واضعا بذلك حلا لمسألة السلطة التأسيسية بنفسه، ثم عرضه  على الاستفتاء قبل أن يصدر أمره بتنفيذه، وبذلك تكون الطريقة التي  اعتمدت في وضع أول دستور قد أنشأت نوعا من العلاقة التعاقدية المباشرة  بين الملك والشعب.

وأدى الحسم في مسألة السلطة التأسيسية إلى وضع حد لطموحات  المعارضة التي كانت تطالب بالحل الشعبي لمسألة وضع الدستور عن طريق  جمعية تأسيسية منتخبة، واستوعبت أغلب أحزاب المعارضة، بصفة نهائية،  فكرة أن الملك هو صاحب السلطة التأسيسية الأصلية.

ساندت دستور 1962 كل الأحزاب السياسية باستثناء الاتحاد الوطني  للقوات الشعبية والحزب الشيوعي المحظور.

وبعد الانتخابات التشريعية والبلدية لسنة 1963، دخل المغرب  في أزمات متلاحقة أدت إلى انتفاضة مارس 1965، وانتهت هذه الأحداث  بإعلان الملك حالة الاستثناء وفقا للفصل 35 من الدستور، ليتسنى له التحكم  في مجرى الأحداث.

وزادت حالة الاستثناء من حدث التباعد والتناقض بين السلطة  والمعارضة، وتهيأت الظروف للسلطة لترسيخ أسلوب الحكم الفردي وبناء  الجيش وتأسيس هياكل الإدارة، وتنحية القوى الوطنية والتقدمية المعارضة  من أجهزة الدولة ومن المراكز الإدارية الحساسة.

وبعد تفاقم الأزمة السياسية والاجتماعية، تدخل الملك في خطاب  عيد العرش لسنة 1970 وأعلن عن انتهاء حالة الاستثناء والعودة إلى الحياة  الدستورية بدستور جديد( دستور 1970)، غير أن المعارضة رفضت الدستور  الجديد، معتبرة إياه تراجعا عن أهم المقتضيات التي جاء بها دستور 1962،  وأعلنت مقاطعة الانتخابات التشريعية لسنة 1970.

وبالرغم من انتخاب مجلس النواب بنسبة مشاركة لغت 85 في  المائة- حسب البيانات الرسمية- وبالرغم كذلك من السياسة القمعية  وتهميش المعارضة،” فإن الملك م يحصل على النتائج التي كان يتوخاها،  وبعد سنة من هذه” الاستفتاءات” الشعبية المغشوشة، كشف الانقلاب  العسكري للصخيرات( يوليوز 1971) عن سلطة ضعيفة ومنعزلة عن القوى  الشعبية والسياسية، وأدى الانقلاب الجديد في غشت 1972 بالملك إلى  إحداث تغيير في توجهاته، تجسدت بوادرها في الدستور الجديد لشهر مارس  من نفس السنة” .

ساهمت حدة التناقضات بين الملكية والمعارضة، وعمق الأزمة،  وفشل حالة الاستثناء، وسياسة خنق الحريات في ظهور الجيش كطرف جديد  في الصراع حول المشروعية والسلطة(المحاولتان الانقلابيتان).

وبالتالي أدى  غياب التوازن بين المؤسسات الدستورية، سواء في دستور1970 أو دستور  1972، إلى تعميق القطيعة بين المؤسسة الملكية والمعارضة، ذلك أن النصوص  الدستورية وسعت وقوت سلطات الملك حتى أصبحت السلطة التنظيمية  من اختصاصه بدل الوزير الأول، وقلصت وأضعفت سلطات البرلمان سواء  من حيث الهيكلة، أو المكانة، أو الاختصاصات.

ويظهر اختلال توازن المؤسسات الدستورية والسياسية في هذه الفترة في فشل التجربتين البرلمانيتين: برلمان (1965/1963) وبرمان  (1971/1970)، وانسحاب النواب البرلمانيين الاتحاديين من برلمان 1977 سنة1981.

واستمرت حالة التأزم والجمود السيامي الناتج عن الصراع بين  المؤسسة الملكية وأحزاب المعارضة حتى التسعينيات من القرن الماضي، حيث  ساهمت المتغيرات الدولية( انهيار المعسكر الاشتراكي والضغوط الدولية من  أجل احترام حقوق الإنسان.)

في توجه الدولة نحو مزيد من الانفتاح  السياسي الايجابي على المعارضة( إطلاق سراح العديد من المعتقلين  السياسيين.)

كذلك ساهمت القضية الوطنية( مسالة الصحراء) ف فتح مسرات  جديدة في العلاقة بين الملكية وأحزاب المعارضة، ونتج عن ذلك توسيع  هامش حرية النشاط السياسي والعودة إلى الحياة التمثيلية، كما دفعت  قضية الصحراء بعض مكونات المعارضة إلى مراجعة اختياراتهم وقناعاتهم  السياسية لتتأقلم مع المعطيات الجديدة، وبالتالي المشاركة في الحياة  السياسية.

فدخلت حقبة النضال من أجل الانتقال السلمي والهادئ نحو  الديمقراطية.

غير أن المعطيات الجديدة( قضية الصحراء، الانفتاح السياسي، والمسلسل الديمقراطي) م تمنع السلطة من القيام باعتقالات ومحاكمات في صفوف المعارضة بعد إضرابات أبريل 1979، ويونيو 1981، وأحداث يناير 1984، وإضراب دجنبر 1990 ولكن أحزاب المعارضة م تتخل عن إستراتيجية العمل السلمي الديمقراطي والضغط على السلطة لخلق توازن بينهما يمكنها من المشاركة في ممارسة السلطة وتحمل المسؤولية الحكومية.

ومن خلال ما سبق، يلاحظ أن مرحلة 1992/1962 تميزت بتثبيت الملكية كفاعل مركزي، متحكم ومهيمن على الفضاء السياسي من جهة وتزايد شعور الأحزاب السياسية والمواطنون (الفاعلون الثانويون) بالحيرة والعجز عن الفعل.

 ثالثا: مرحلة التغيير في ظل الاستمرارية(2011/1992).

عرف المغرب في هذه الفترة إصلاحات دستورية وسياسية مهمة نتيجة حصول توافق سياسي وتراضي بين الملكية وأحزاب المعارضة حول مدى وحدود الإصلاح، وتمكنت الملكية من التحكم في زمام الأمور كما عملت على إعادة إنتاج كل مظاهر الخضوع والانقياد لسلطتها.

كذلك أدركت أحزاب المعارضة أنها ليست، بأي حال من الأحوال، في مرتبة لمنافسة المؤسسة الملكية(12) على السلطة، لذلك قبلت ممارسة المعارضة من داخل المؤسسات.

وقبلت مشروعية الملكية وبثوابت النظام السياسي كما حددتها المؤسسة الملكية، وم تعد تفكر في” تعديل بنية السلطة ومراجعة نقطها المفصلية”(13).

فتح هذا التحول الباب أمام النظام للاشتغال بإستراتيجية جديدة تضمن استمرارية وتزايد مشروعية الملكية، والتواصل الايجابي مع أحزاب المعارضة، فتم إشراكها في إستراتيجية الإصلاح، ومثلت المذكرات التي تقدمت بها المعارضة إلى الملك( المذكرة المشتركة بين أحزاب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية بتاريخ 9 أكتوبر 1991، ومذكرة أحزب الكتلة في 19 يونيو 1992، ثم مذكرة أبريل 1996) وسيلة أساسية للتواصل بين الطرفين، وإيصال تصورات المعارضة ومقترحاتها بخصوص الإصلاحات الدستورية والسياسية إلى الملك.

بينت مذكرات أحزاب المعارضة والشروحات والتوضيحات التي واكبتها مقصد وتصورات الإصلاح عند المعارضة، والهادف إلى تحويل النظام ملكية دستورية ذات طابع رئاسي إلى ملكية دستورية ذات طابع برلماني.

وهذا الأمر يقتضي إدخال تعديلات أساسية، أولا على سلطات الملك، وثانيا على مكانة الحكومة والبرلمان.

ولذلك، شددت أحزاب المعارضة على ضرورة خلق حكومة متمتعة بشخصية مستقلة تمكنها من تحديد وإدارة السياسة العامة وممارسة الوظيفة التنفيذية والسلطة التنظيمية، وتكون مسؤولة تضامنيا عن تنفيذ سياستها(14).

ومن أجل إقامة توازن حقيقي بين الحكومة وبين البرلمان، شددت أحزاب المعارضة على ضرورة توسيع صلاحيات البرلمان، وتقوية دوره في ميدان التشريع، ذلك أن البرلمان هو الذي يعكس الصورة السياسية الحقيقية للبلاد.

فما هو مدى وحدود استجابة المؤسسة الملكية من خلال الإصلاحات الدستورية لمطالب المعارضة؟ لم تتم الاستجابة لكل مطالب المعارضة، وهو أمر طبيعي، سس بسبب اختلال موازين القوى في غير طبيعة ومكانة الملكية في المغرب، ثم صالح الأحزاب السياسية.

فمشروع الإصلاح الذي بدأ في عقد التسعينيات، م يؤد إلى تقوية سلطات الحكومة، وم يمنحها الاستقلالية التامة في القيام بدورها، وم يحدد مهامها ودورها بشكل دقيق وواضح.

وعلى مستوى الوظيفة التشريعية للبرلمان، وبالرغم من الاستجابة لبعض المطالب، فإن المطالب الأساسية رفضت(15).

وبالنسبة لتقوية الجهاز الحكومي، عملت الإصلاحات الدستورية على تقوية مؤسسة الوزير الأول، الذي أصبحت له صلاحية اقتراح أعضاء الحكومة على الملك، وتقديم تصريح يخص برنامج عملها ومناقشته والتصويت عليه من طرف البرلمان.

وتقوم الحكومة بتنفيذ القوانين تحت مسؤولية الوزير الأول( الفصل 60 من دستور1992، والفصل 61 من دستور 1996).

وهو الذي يمارس السلطة التنظيمية( الفصل 62 من دستور1992، والفصل 63 من دستور1996).

ولكن يبقى رسم السياسة العامة وتحديد الأولويات والقضايا الهامة والحساسة للبلاد وأعمال السيادة من اختصاص الملك الممثل الأسمى للأمة(16).

م تؤد الإصلاحات الدستورية لعقد التسعينيات إلى إحداث تغييرات جوهرية على وضعية الجهاز التشريعي، ذلك أن الفلسفة الدستورية للإصلاح ظلت متأثرة بنهج العقلنة البرلمانية التي تمنح الأولوية للحكومة في مسطرة التشريع وتحدد مجال القانون على سبيل الحصر.

ولذلك اكتفت التعديلات بتوسيع مجال رقابة البرلمان على الحكومة، فالوزير الأول يتقدم أمام البرلمان، بعد تعيين الحكومة، ببرنامج حكومته للمناقشة والتصويت على طلب الثقة( الفصل 59 من د.

1992، والفصل 60 من د1996)، وتم تحديد أجل أقصى للجواب على الأسئلة الكتابية والشفوية في عشرين يوما( الفصل 55 من د.1992، والفصل 56 من د.1996)، وأصبح للبرلمان الحق في تكوين لجان نيابية لتقصي الحقائق( الفصل 40 من د.1992، والفصل 42 من د.1996).

أما إجراءات وشروط ملتمس الرقابة وسحب الثقة فمازالت عمليا صعبة أو مستحيلة( الفصلان 74 و 75 من د 1992، والفصلان 76 و 77 من د. 1996).

يلاحظ أن الإصلاحات الدستورية لسنتي 1992 و 1996″ م تمس بنية السلطة كما تم تأسيسها في دستور 14 دجنبر 1962، وأن ما حصل مجرد تحويرات، م تدخل على أهميتها أي تغيير على مفهوم السلطة وآليات ممارستها، علما أن تقنيات، وآليات، واختصاصات جديدة ومست، لأول مرة، دستوري 1996-1992، دون أن يكون لها تأثير على الجوانب المفصلية، كما تكرست ومورست منذ وضع وثيقة 1962″(17).

وبالرغم من ذلك، اعتبر إقرار دستور 1996 حدثا مفصليا في تاريخ المسألة الدستورية والمسار السياسي في المغرب، نظرا للانخراط الايجابي لغالبية القوى السياسية في التصويت بنعم لصالح المشروع المقدم للاستفتاء بتاريخ 13 شتنبر 1996(18)، مما ساعد على حصول تراضي سياسي، أدى إلى وصول أحزاب المعارضة إلى السلطة في إطار ما سمي ب” التناوب التوافقي” سنة 1998، وبالانتقال السلس للعرش بعد وفاة الملك الحسن الثاني في يوليوز 1999.

وقد واكب وأطر هذه المستجدات مفاهيم وتوصيفات ونعوت سياسية جديدة في الخطاب السياسي، كمفهوم” دولة الحق والقانون”، و” المفهوم الجديد للسلطة”(19)، ومفهوم” التناوب السياسي”، ومفهوم الانتقال الديمقراطي”.

وتميز هذا المسار الدستوري والسياسي بمفارقات غريبة، فمن جهة أولى، هناك إصلاحات دستورية وانفتاح سياسي وتجديد الترسانة القانونية (هيئة الإنصاف والمصالحة 2004، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية 2005، قانون الأحزاب السياسية 2006) في ظل تراجع النقاشات الكبرى حول هوية النظام السياسي وطبيعته، ومحددات مرجعياته الفلسفية والإيديولوجية.

ومن جهة ثانية، ترسيخ الملكية التنفيذية بهيمنة الملك على الفضاء السياسي، وتهميش دور المؤسسات الوسيطة: نقابات، أحزاب، برلمان، حكومة.

فمنذ بداية” العهد الجديد”، قام الملك بتقريب أصدقائه ووضعهم في المواقع المؤثرة والحساسة للدولة( الأمن، الاقتصاد، الإعلام.)، و” التفسير الذي أعطي لهذا التوجه في البداية هو أن مركز الحكم حديث عهد بالسلطة وأنه يحتاج إلى من يثق فيهم لمساعدته على تدبير شؤون الدولة”(20).

وترتبت عن القرارات العهد الجديد بشكل تدريجي تداعيات سلبية مازالت أثارها تتفاعل وتتراكم، فالسلطة” لها منطقها الخاص، فحينما تسند إلى جهة ما سلطات واسعة تشعر معها بأنها مدعومة من قبل السلطة العليا في البلاد دون أن تكون خاضعة للمحاسبة والمراقبة يولد أوضاعا جديدة تجعل الطموح يتجاوز الأهداف التي سطرت في اليوم الأول ليجد الشعب نفسه أمام طبقة سياسية لا دور له في اختيارها ومع ذلك فهي تحتل مستويات عليا في هرم السلطة وتملك ثروات مهمة، ولذلك فإن منطق السلطة يفرض عليها أن تبحث عن جميع السبل للحفاظ على الوضع القائم وتحصينه من جميع التهديدات التي يمكن أن تذهب بمصالحهم وامتيازاتهم المادية والمعنوية، ولذلك فإن الدور الذي بات يلعبه بعض أصدقاء الملك هو تعبير عن طبيعة النظام السياسي المغري المحكوم بملكية تنفيذية. “(21).

ومن مستجدات نهاية عقد التسعينيات، أن الحديث عن الإصلاح، خصوصا في الشق المتعلق بالمؤسسة الملكية، م يعد مقتصرا على المعارضة وحدها، ففي ندوة عقدت بباريس، طرح الأمير مولاي هشام بدوره ما أسماه ب” الميثاق الملكي” وإعادة ” ترتيب البيت الملكي” انطلاقا من أن الملك يسود ولا يحكم لضمان استمرارية الملكية وتحديثها”(22).

وعلى هذا المستوى، تطرح مقاربتان: المقاربة الأولى، ترى أن ضبط العلاقة بين المؤسسة الملكية وبين المؤسسات الدستورية الأخرى( البرلمان والحكومة والقضاء) ضبطا واضحا تعتبر قضية جوهرية في كل إصلاح دستوري وسياسي.

والمقاربة الثانية، ترى أن الإصلاح سيتم من خلال الممارسة وبالتدريج، أي تحديد العلاقة مع المؤسسة الملكية من زاوية تحديثها في الممارسة، وهي مقاربة تراهن على التغيير من الداخل عوض منطق التصادم.

غير أن الذي حدث، سواء على مستوى النصوص القانونية أو الممارسة، هو استمرار المؤسسة الملكية في تدعيم نزوعها نحو تملك المجتمع وفرض نفسها عليه باعتبارها تمثل الجواب الوحيد لتطلعاته والراعية لطموحاته(23)، وبالتالي ظل المخزن معطى أساسيا في الواقع السياسي المغري، فهو يعمل لينفذ إلى عمق المجتمع ( أحزاب وأفراد)، فهو داخله ومن فوقه، يمثله من جهة ويبقى فوق تناقضاته من جهة أخرى(24).

ولهذا، فالمخزن راسخ في مخيلة المجتمع المغري، لأنه راكم معرفة عميقة حول كل مكونات المجتمع سمحت له بالقيام بدور كبير في الحياة السياسية والتحكم فيها والتدخل لتوجيهها كلما لزم الأمر(25).

 رابعا: مرحلة الدستور الجديد 2011( الأمل ووهم التغيير).

ارتبطت هذه المرحلة بالحراك الاجتماعي الذي عرفته المنطقة المغاربية والعربية، حيث ظهرت حركة 20 فبراير في سنة 2011.

نظمت هذه الحركة عدة مسيرات احتجاجية في عدة مدن، شارك فيها الشباب بصفة خاصة.

ومن بين أهم الشعارات التي رفعت في تلك المسيرات، شعار المطالبة بدستور جديد(26).

دفعت الحركة النظام إلى تقديم تنازلات واتخاذ إجراءات استعجالية للتخفيف من حدة الاحتقان الاجتماعي، وتجنبا لاتساع دائرة الاحتجاجات، وتفاديا لانخراط فئات اجتماعية أخرى فيها.

ويعد إعلان الملك في خطاب 9 مارس 2011 عن قرار مراجعة الدستور أهم تنازل من الناحية الإستراتيجية أقد عليه النظام.

فبالرغم من مرور 12 عاما على” العهد الجديد”، وبالرغم من أن المستجدات المؤسسية والسياسية للعهد الجديد كانت تستدعي حصول تغيير دستوري(27)، وبالرغم من” إعلان الملك في بداية توليه العرش عن الشروع في تبني” مفهوم جديد للسلطة” وتبني مفهوم ” الملكية المواطنة”، مما كان يفرض نظريا وضع دستور جديد يترجم هذين المفهومين، فإن حركة الشارع هي التي أفضت في النهاية إلى اتخاذ خطوة المراجعة الدستورية”(28).

فهل المستجدات التي جاءت في دستور 2011، والمتعلقة خصوصا بتوزيع السلط بين المؤسسات الدستورية، يمكن أن تؤسس لبناء نظام سياسي جديد ومتوازن يختلف عن النظام السياسي الذي أفرزته الخمس دساتير الماضية؟ أعاد دستور 2011 ترسيم مجموعة من السلطات والصلاحيات الخاصة بالمؤسسة الملكية وتكريس سموها، وذلك بالتنصيص على مجال حصري ومحفوظ للملك، مستمد من الدين الإسلامي(الفصل 41)، ثم تحديد المجال الدستوري الذي تتفاعل في إطاره المؤسسة الملكية مع باقي المؤسسات الدستورية الأخرى (الفصل 42).

فالمجال الأول (الفصل 41) الخاص بإمارة المؤمنين، يعتبر من خلاله الملك حامي حمى الملة والدين والضامن لحرية ممارسة الشعائر الدينية، وهو من يتولى رئاسة المجلس العلمي الأعلى، ويمارس هذه الصلاحيات بمقتضى ظهائر، والتي م تنعت بالشريفة، وهو الأمر الذي ينسجم مع منطوق الفصل 46 الذي م يتضمن صفة القداسة لشخص الملك(29)، أي أن دستور 2011 حاول التخفيف من جانب التقليد في النظام السياسي المغري دون أن يمس بجوهره.

فالمشروعية الدينية والتاريخية للمؤسسة الملكية، إضافة إلى سلطة التأويل التي يمارسها الملك منذ دسترة الحياة السياسية المغربية تعزز هذه المكانة، وبالتالي فحقل الممارسة يفسر لنا هذه المكانة أكثر من الاقتصار على منطوق النص الدستوري.

ويمكن في هذا الصدد التذكير بتدخل الملك الراحل الحسن الثاني كأمير للمؤمنين في خطاب دورة أكتوبر 1981 أمام غياب نص صريح يخوله مواجهة حالة انسحاب المعارضة الاتحادية من البرلمان في أكتوبر 1981، مستندا في ذلك على صفته كأمير المؤمنين قائلا:” إذا كان الملك الدستوري لا يمكنه أن ينظر في الأمر، فأمير المؤمنين موجب الكتاب والسنة عليه أن ينظر في ذلك”(30).

ومقتضى الفصل 42، فإن الملك يتمتع مجموعة من الصلاحيات الدستورية كرئيس للدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، كما يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة.

غير أن المعطيات الجديدة( قضية الصحراء، الانفتاح السياسي، والمسلسل الديمقراطي) م تمنع السلطة من القيام باعتقالات ومحاكمات في صفوف المعارضة بعد إضرابات أبريل 1979، ويونيو 1981، وأحداث يناير 1984، وإضراب دجنبر 1990 ولكن أحزاب المعارضة م تتخل عن إستراتيجية العمل السلمي الديمقراطي والضغط على السلطة لخلق توازن بينهما يمكنها من المشاركة في ممارسة السلطة وتحمل المسؤولية الحكومية.

ومن خلال ما سبق، يلاحظ أن مرحلة 1992/1962 تميزت بتثبيت الملكية كفاعل مركزي، متحكم ومهيمن على الفضاء السياسي من جهة وتزايد شعور الأحزاب السياسية والمواطنون (الفاعلون الثانويون) بالحيرة والعجز عن الفعل.

 ثالثا: مرحلة التغيير في ظل الاستمرارية(2011/1992).

عرف المغرب في هذه الفترة إصلاحات دستورية وسياسية مهمة نتيجة حصول توافق سياسي وتراضي بين الملكية وأحزاب المعارضة حول مدى وحدود الإصلاح، وتمكنت الملكية من التحكم في زمام الأمور كما عملت على إعادة إنتاج كل مظاهر الخضوع والانقياد لسلطتها.

كذلك أدركت أحزاب المعارضة أنها ليست، بأي حال من الأحوال، في مرتبة لمنافسة المؤسسة الملكية(12) على السلطة، لذلك قبلت ممارسة المعارضة من داخل المؤسسات.

وقبلت مشروعية الملكية وبثوابت النظام السياسي كما حددتها المؤسسة الملكية، وم تعد تفكر في” تعديل بنية السلطة ومراجعة نقطها المفصلية”(13).

فتح هذا التحول الباب أمام النظام للاشتغال بإستراتيجية جديدة تضمن استمرارية وتزايد مشروعية الملكية، والتواصل الايجابي مع أحزاب المعارضة، فتم إشراكها في إستراتيجية الإصلاح، ومثلت المذكرات التي تقدمت بها المعارضة إلى الملك( المذكرة المشتركة بين أحزاب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية بتاريخ 9 أكتوبر 1991، ومذكرة أحزب الكتلة في 19 يونيو 1992، ثم مذكرة أبريل 1996) وسيلة أساسية للتواصل بين الطرفين، وإيصال تصورات المعارضة ومقترحاتها بخصوص الإصلاحات الدستورية والسياسية إلى الملك.

بينت مذكرات أحزاب المعارضة والشروحات والتوضيحات التي واكبتها مقصد وتصورات الإصلاح عند المعارضة، والهادف إلى تحويل النظام ملكية دستورية ذات طابع رئاسي إلى ملكية دستورية ذات طابع برلماني.

وهذا الأمر يقتضي إدخال تعديلات أساسية، أولا على سلطات الملك، وثانيا على مكانة الحكومة والبرلمان.

ولذلك، شددت أحزاب المعارضة على ضرورة خلق حكومة متمتعة بشخصية مستقلة تمكنها من تحديد وإدارة السياسة العامة وممارسة الوظيفة التنفيذية والسلطة التنظيمية، وتكون مسؤولة تضامنيا عن تنفيذ سياستها(14).

ومن أجل إقامة توازن حقيقي بين الحكومة وبين البرلمان، شددت أحزاب المعارضة على ضرورة توسيع صلاحيات البرلمان، وتقوية دوره في ميدان التشريع، ذلك أن البرلمان هو الذي يعكس الصورة السياسية الحقيقية للبلاد.

فما هو مدى وحدود استجابة المؤسسة الملكية من خلال الإصلاحات الدستورية لمطالب المعارضة؟ لم تتم الاستجابة لكل مطالب المعارضة، وهو أمر طبيعي، سس بسبب اختلال موازين القوى في غير طبيعة ومكانة الملكية في المغرب، ثم صالح الأحزاب السياسية.

فمشروع الإصلاح الذي بدأ في عقد التسعينيات، م يؤد إلى تقوية سلطات الحكومة، وم يمنحها الاستقلالية التامة في القيام بدورها، وم يحدد مهامها ودورها بشكل دقيق وواضح.

وعلى مستوى الوظيفة التشريعية للبرلمان، وبالرغم من الاستجابة لبعض المطالب، فإن المطالب الأساسية رفضت(15).

وبالنسبة لتقوية الجهاز الحكومي، عملت الإصلاحات الدستورية على تقوية مؤسسة الوزير الأول، الذي أصبحت له صلاحية اقتراح أعضاء الحكومة على الملك، وتقديم تصريح يخص برنامج عملها ومناقشته والتصويت عليه من طرف البرلمان.

وتقوم الحكومة بتنفيذ القوانين تحت مسؤولية الوزير الأول( الفصل 60 من دستور1992، والفصل 61 من دستور 1996).

وهو الذي يمارس السلطة التنظيمية( الفصل 62 من دستور1992، والفصل 63 من دستور1996).

ولكن يبقى رسم السياسة العامة وتحديد الأولويات والقضايا الهامة والحساسة للبلاد وأعمال السيادة من اختصاص الملك الممثل الأسمى للأمة(16).

م تؤد الإصلاحات الدستورية لعقد التسعينيات إلى إحداث تغييرات جوهرية على وضعية الجهاز التشريعي، ذلك أن الفلسفة الدستورية للإصلاح ظلت متأثرة بنهج العقلنة البرلمانية التي تمنح الأولوية للحكومة في مسطرة التشريع وتحدد مجال القانون على سبيل الحصر.

ولذلك اكتفت التعديلات بتوسيع مجال رقابة البرلمان على الحكومة، فالوزير الأول يتقدم أمام البرلمان، بعد تعيين الحكومة، ببرنامج حكومته للمناقشة والتصويت على طلب الثقة( الفصل 59 من د.1992، والفصل 60 من د1996)، وتم تحديد أجل أقصى للجواب على الأسئلة الكتابية والشفوية في عشرين يوما( الفصل 55 من د.1992، والفصل 56 من د.1996)، وأصبح للبرلمان الحق في تكوين لجان نيابية لتقصي الحقائق( الفصل 40 من د.1992، والفصل 42 من د.1996).

أما إجراءات وشروط ملتمس الرقابة وسحب الثقة فمازالت عمليا صعبة أو مستحيلة( الفصلان 74 و 75 من د 1992، والفصلان 76 و 77 من د.1996).

يلاحظ أن الإصلاحات الدستورية لسنتي 1992 و 1996″ م تمس بنية السلطة كما تم تأسيسها في دستور 14 دجنبر 1962، وأن ما حصل مجرد تحويرات، م تدخل على أهميتها أي تغيير على مفهوم السلطة وآليات ممارستها، علما أن تقنيات، وآليات، واختصاصات جديدة ومست، لأول مرة، دستوري 1996-1992، دون أن يكون لها تأثير على الجوانب المفصلية، كما تكرست ومورست منذ وضع وثيقة 1962″(17).

وبالرغم من ذلك، اعتبر إقرار دستور 1996 حدثا مفصليا في تاريخ المسألة الدستورية والمسار السياسي في المغرب، نظرا للانخراط الايجابي لغالبية القوى السياسية في التصويت بنعم لصالح المشروع المقدم للاستفتاء بتاريخ 13 شتنبر 1996(18)، مما ساعد على حصول تراضي سياسي، أدى إلى وصول أحزاب المعارضة إلى السلطة في إطار ما سمي ب” التناوب التوافقي” سنة 1998، وبالانتقال السلس للعرش بعد وفاة الملك الحسن الثاني في يوليوز 1999.

وقد واكب وأطر هذه المستجدات مفاهيم وتوصيفات ونعوت سياسية جديدة في الخطاب السياسي، كمفهوم” دولة الحق والقانون”، و” المفهوم الجديد للسلطة”(19)، ومفهوم” التناوب السياسي”، ومفهوم الانتقال الديمقراطي”.

وتميز هذا المسار الدستوري والسياسي بمفارقات غريبة، فمن جهة أولى، هناك إصلاحات دستورية وانفتاح سياسي وتجديد الترسانة القانونية (هيئة الإنصاف والمصالحة 2004، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية 2005، قانون الأحزاب السياسية 2006) في ظل تراجع النقاشات الكبرى حول هوية النظام السياسي وطبيعته، ومحددات مرجعياته الفلسفية والإيديولوجية.

ومن جهة ثانية، ترسيخ الملكية التنفيذية بهيمنة الملك على الفضاء السياسي، وتهميش دور المؤسسات الوسيطة: نقابات، أحزاب، برلمان، حكومة.

فمنذ بداية” العهد الجديد”، قام الملك بتقريب أصدقائه ووضعهم في المواقع المؤثرة والحساسة للدولة( الأمن، الاقتصاد، الإعلام.)، و” التفسير الذي أعطي لهذا التوجه في البداية هو أن مركز الحكم حديث عهد بالسلطة وأنه يحتاج إلى من يثق فيهم لمساعدته على تدبير شؤون الدولة”(20).

وترتبت عن القرارات العهد الجديد بشكل تدريجي تداعيات سلبية مازالت أثارها تتفاعل وتتراكم، فالسلطة” لها منطقها الخاص، فحينما تسند إلى جهة ما سلطات واسعة تشعر معها بأنها مدعومة من قبل السلطة العليا في البلاد دون أن تكون خاضعة للمحاسبة والمراقبة يولد أوضاعا جديدة تجعل الطموح يتجاوز الأهداف التي سطرت في اليوم الأول ليجد الشعب نفسه أمام طبقة سياسية لا دور له في اختيارها ومع ذلك فهي تحتل مستويات عليا في هرم السلطة وتملك ثروات مهمة، ولذلك فإن منطق السلطة يفرض عليها أن تبحث عن جميع السبل للحفاظ على الوضع القائم وتحصينه من جميع التهديدات التي يمكن أن تذهب بمصالحهم وامتيازاتهم المادية والمعنوية، ولذلك فإن الدور الذي بات يلعبه بعض أصدقاء الملك هو تعبير عن طبيعة النظام السياسي المغري المحكوم بملكية تنفيذية. “(21).

ومن مستجدات نهاية عقد التسعينيات، أن الحديث عن الإصلاح، خصوصا في الشق المتعلق بالمؤسسة الملكية، م يعد مقتصرا على المعارضة وحدها، ففي ندوة عقدت بباريس، طرح الأمير مولاي هشام بدوره ما أسماه ب” الميثاق الملكي” وإعادة ” ترتيب البيت الملكي” انطلاقا من أن الملك يسود ولا يحكم لضمان استمرارية الملكية وتحديثها”(22).

وعلى هذا المستوى، تطرح مقاربتان: المقاربة الأولى، ترى أن ضبط العلاقة بين المؤسسة الملكية وبين المؤسسات الدستورية الأخرى( البرلمان والحكومة والقضاء) ضبطا واضحا تعتبر قضية جوهرية في كل إصلاح دستوري وسياسي.

والمقاربة الثانية، ترى أن الإصلاح سيتم من خلال الممارسة وبالتدريج، أي تحديد العلاقة مع المؤسسة الملكية من زاوية تحديثها في الممارسة، وهي مقاربة تراهن على التغيير من الداخل عوض منطق التصادم.

غير أن الذي حدث، سواء على مستوى النصوص القانونية أو الممارسة، هو استمرار المؤسسة الملكية في تدعيم نزوعها نحو تملك المجتمع وفرض نفسها عليه باعتبارها تمثل الجواب الوحيد لتطلعاته والراعية لطموحاته(23)، وبالتالي ظل المخزن معطى أساسيا في الواقع السياسي المغري، فهو يعمل لينفذ إلى عمق المجتمع ( أحزاب وأفراد)، فهو داخله ومن فوقه، يمثله من جهة ويبقى فوق تناقضاته من جهة أخرى(24).

ولهذا، فالمخزن راسخ في مخيلة المجتمع المغري، لأنه راكم معرفة عميقة حول كل مكونات المجتمع سمحت له بالقيام بدور كبير في الحياة السياسية والتحكم فيها والتدخل لتوجيهها كلما لزم الأمر(25).

 رابعا: مرحلة الدستور الجديد 2011( الأمل ووهم التغيير).

ارتبطت هذه المرحلة بالحراك الاجتماعي الذي عرفته المنطقة المغاربية والعربية، حيث ظهرت حركة 20 فبراير في سنة 2011.

نظمت هذه الحركة عدة مسيرات احتجاجية في عدة مدن، شارك فيها الشباب بصفة خاصة.

ومن بين أهم الشعارات التي رفعت في تلك المسيرات، شعار المطالبة بدستور جديد(26).

دفعت الحركة النظام إلى تقديم تنازلات واتخاذ إجراءات استعجالية للتخفيف من حدة الاحتقان الاجتماعي، وتجنبا لاتساع دائرة الاحتجاجات، وتفاديا لانخراط فئات اجتماعية أخرى فيها.

ويعد إعلان الملك في خطاب 9 مارس 2011 عن قرار مراجعة الدستور أهم تنازل من الناحية الإستراتيجية أقد عليه النظام.

فبالرغم من مرور 12 عاما على” العهد الجديد”، وبالرغم من أن المستجدات المؤسسية والسياسية للعهد الجديد كانت تستدعي حصول تغيير دستوري(27)، وبالرغم من” إعلان الملك في بداية توليه العرش عن الشروع في تبني” مفهوم جديد للسلطة” وتبني مفهوم ” الملكية المواطنة”، مما كان يفرض نظريا وضع دستور جديد يترجم هذين المفهومين، فإن حركة الشارع هي التي أفضت في النهاية إلى اتخاذ خطوة المراجعة الدستورية”(28).

فهل المستجدات التي جاءت في دستور 2011، والمتعلقة خصوصا بتوزيع السلط بين المؤسسات الدستورية، يمكن أن تؤسس لبناء نظام سياسي جديد ومتوازن يختلف عن النظام السياسي الذي أفرزته الخمس دساتير الماضية؟ أعاد دستور 2011 ترسيم مجموعة من السلطات والصلاحيات الخاصة بالمؤسسة الملكية وتكريس سموها، وذلك بالتنصيص على مجال حصري ومحفوظ للملك، مستمد من الدين الإسلامي(الفصل 41)، ثم تحديد المجال الدستوري الذي تتفاعل في إطاره المؤسسة الملكية مع باقي المؤسسات الدستورية الأخرى (الفصل 42).

فالمجال الأول (الفصل 41) الخاص بإمارة المؤمنين، يعتبر من خلاله الملك حامي حمى الملة والدين والضامن لحرية ممارسة الشعائر الدينية، وهو من يتولى رئاسة المجلس العلمي الأعلى، ويمارس هذه الصلاحيات بمقتضى ظهائر، والتي م تنعت بالشريفة، وهو الأمر الذي ينسجم مع منطوق الفصل 46 الذي م يتضمن صفة القداسة لشخص الملك(29)، أي أن دستور 2011 حاول التخفيف من جانب التقليد في النظام السياسي المغري دون أن يمس بجوهره.

فالمشروعية الدينية والتاريخية للمؤسسة الملكية، إضافة إلى سلطة التأويل التي يمارسها الملك منذ دسترة الحياة السياسية المغربية تعزز هذه المكانة، وبالتالي فحقل الممارسة يفسر لنا هذه المكانة أكثر من الاقتصار على منطوق النص الدستوري.

ويمكن في هذا الصدد التذكير بتدخل الملك الراحل الحسن الثاني كأمير للمؤمنين في خطاب دورة أكتوبر 1981 أمام غياب نص صريح يخوله مواجهة حالة انسحاب المعارضة الاتحادية من البرلمان في أكتوبر 1981، مستندا في ذلك على صفته كأمير المؤمنين قائلا:” إذا كان الملك الدستوري لا يمكنه أن ينظر في الأمر، فأمير المؤمنين موجب الكتاب والسنة عليه أن ينظر في ذلك”(30).

ومقتضى الفصل 42، فإن الملك يتمتع مجموعة من الصلاحيات الدستورية كرئيس للدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، كما يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة.

وعلى غرار الدساتير السابقة، فدستور 2011 أعطى للمؤسسة الملكية  صلاحيات محورية، وهو الوضع الذي يحافظ على نفس البنيات التي ظلت  تشتغل بها السلطة.

ولعل الوقوف على عبارات” الممثل الأسمى” و” ورمز”  و” ضامن” و”الحكم الأسمى”، فإنها تجعل الملك فوق جميع المؤسسات.

لذلك يمكن اعتبار الفصلان 41 و 42″ كأداة إستراتيجية بين يدي الملك من  أجل ممارسة اختصاصات واسعة قد تؤول في هذا الاتجاه”(31).

فدستور  2011 احتفظ للمؤسسة الملكية بالاختصاصات الأساسية التي نصت عليها  الدساتير السابقة وذلك في إطار علاقته بالبرلمان والحكومة، كمراقب لباقي  السلط، لكن مع بعض التعديلات الشكلية التي م تمس بنية وجوهر  السلطة، ولكن أسست لقواعد عمل جديدة.

1) علاقة الملك بالبرلمان  بناء على ضوابط” البرلمانات المعقلنة”، ليست الوظيفة التشريعية من  احتكار البرلمان بقدر ما هي ميدان مشترك ومرتبط بالسلطة التنفيذية(32)،  التي يأي الملك على رأسها.

فبمقتضى الفصل 65 من دستور 2011، يرأس  الملك افتتاح الدورة الأولى التي تبتدئ يوم الجمعة الثانية من شهر أكتوبر.

وللملك حق المبادرة بتشكيل لجان نيابة لتقصي الحقائق يناط بها جمع  المعلومات المتعلقة بوقائع معينة، أو بتدبير المصالح أو المؤسسات والمقاولات  العمومية(33).

ويصدر الأمر بتنفيذ القانون خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالته على  الحكومة بعد مصادقة البرلمان عليه (الفصل 50)، وله حق حل أحد مجلسي  البرمان أو كليهما (الفصل 51)، كما له حق مخاطبة الأمة والبرلمان، ويتلى  خطابه أمام كلا المجلسين، ولا يمكن أن يكون مضمونه موضوع أي نقاش  داخلها( الفصل 52).

2) علاقة الملك بالحكومة  تبين الممارسة الفعلية في الحياة السياسية المغربية، أن الملك يعتبر  صاحب السلطة التنفيذية، نظرا لما خولت الدساتير السابقة للمؤسسة  الملكية من صلاحيات، تكرس تفوقها وسموها.

فالملك يشرف ويوجه العمل   الحكومي، انطلاقا من حق التعيين إلى صلاحيته في إقالة هذه الحكومة، مما  يدل على مسؤولية هذه الأخيرة أمامه.

فهل حافظ دستور 2011 على تفوق  الممارسة الملكية وتكريس نفس بنية السلطة، أم أدخل بعض التعديلات التي  من شأنها التقليص من صلاحيات الملك لصالح الحكومة، والسعي نحو توزيع  جديد للسلطة؟  بالرجوع إلى المقتضيات الدستورية لسنة 2011، نجد بأن الملك هو  الذي يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء  مجلس النواب، كما يعين باقي الوزراء باقتراح من رئيس الحكومة.

ويعد قيد  تعيين رئيس الحكومة من الحزب الأغلبي أحد المستجدات التي جاء بها  دستور 2011.

وبالرغم من توصيف من يترأس الحكومة ب” رئيس الحكومة”  بدل” الوزير الأول” الذي أخذت به الدساتير السابقة، فإن تشكيل الحكومة  يبقى مرهونا بإرادة الملك لأن عبارة “ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من  رئيسها” تدل على أن الاقتراح هنا غير ملزم للملك، إلا أنه من الناحية  الشكلية يمكن أن يؤثر على المجال الخاص للملك، إذا كان رئيس الحكومة  يضمن أغلبية مريحة داخل مجلس النواب.

غير أن الجديد الذي جاء به الدستور في الفقرة الثالثة من الفصل  47 وهي مسألة طلب رئيس الحكومة من الملك إعفاء عضو أو أكثر من  أعضاء الحكومة، كما أن أحد ميزات الدستور الجديد هو عدم السماح  للملك بإقالة رئيس الحكومة، مما سيعزز المكانة الدستورية لرئيس الحكومة  خاصة وأن هذه الأخيرة لا تعتبر منصبة إلا بعد حصولها على ثقة الأغلبية  المطلقة لأعضاء مجلس النواب (الفصل 88).

وهو ما دفع إلى اعتبار أن مزاولة الحكومة لمهامها أصبح مقيدا بوجوب الحصول على ثقة البرلمان ابتداء، وبدون الحصول على الموافقة البرلمانية تكون الحكومة فاقدة لأساس وجودها ويستحيل عليها أن تشرع في  مباشرة مهامها(34).

وبالرغم من محاولة دستور 2011، إعطاء دور لرئيس الحكومة  باعتباره المسؤول عن تدبير الشأن الحكومي، وبناء على البرنامج الانتخابي  الذي حصل من خلاله على ثقة الناخبين،” إلا أن الواقع الدستوري يؤكد أن  سلطات رئيس الحكومة في المجال التنفيذي، واقعة تحت سلطة أعلى منها،  يمكن اعتبارها سلطة ضبط ومراقبة لعمل الحكومة”(35).

وذلك فيما يخص  حق التعيين في الوظائف المدنية والسامية والتي يلزم رئيس الحكومة بعرضها  على أنظار المجلس الوزاري من أجل التداول فيها والموافقة عليها( الفصل  49).

وبالرغم من أن الدستور تضمن إمكانية تفويض الملك لرئيس  الحكومة رئاسة مجلس الوزراء، فإن ذلك يتم وفق ضوابط تتمثل في جدول  أعمال محدد سلفا من طرف الملك (الفصل 48).

3) طبيعة العلاقة بين الحكومة والبرلمان خضعت طبيعة العلاقة بين البرلمان والحكومة في المغرب، لمعطيين مختلفين.

من جهة، خصوصية النظام السياسي المغري المتمثلة في محورية  المؤسسة الملكية، وغياب فصل للسلط على مستواها، واقتصارها في المقابل  على نوع من توزيع الاختصاصات الوظيفية بين الجهاز التشريعي والتنفيذي.

ومن جهة أخرى، تبنيه لتقنيات العقلنة البرلمانية كما أفرزها دستور  الجمهورية الخامسة الفرنسية لسنة 1958، والتي يكمن جوهرها في جعل  الحكومة ضابطا وموجها للعمل البرلماني.

وإذا كنا تحدثنا عن كون التعديل  الدستوري لسنة 2011 م يمس المكانة المحورية للمؤسسة الملكية، وبالتالي  بنية السلطة في اتجاه تعزيز مكانة البرلمان والحكومة اتجاه المؤسسة الملكية،  فهل مس هذا التعديل بتوزيع الاختصاصات والوظائف بين الجهازين في  اتجاه تقوية دور البرلمان في علاقته بالحكومة؟  إن البرلمان الذي يمنحه الدستور كسلطة تشريعية صلاحية التصويت  على القانون، ويخول لأعضاء مجلسيه حق التقدم باقتراح القوانين، يوجد في   وضعية التبعية على مستوى المسطرة التشريعية، حيث أن الحكومة تحظى  بالأولوية على البرلمان في مختلف مراحل التشريع، وبناءا على الفصل 82 من  دستور 2011، الذي ينص على” يضع مكتب كل من مجلسي البرلمان جدول  أعماله، ويتضمن هذا الجدول مشاريع القوانين ومقترحات القوانين،  بالأسبقية ووفق الترتيب الذي تحدده الحكومة”.

بناء على هذا النص، تحتل مشاريع القوانيـن الأولوية على مقترحات  القوانين داخل جدول أعمال كل مجلس، ولهذا فإن الحكومة تصبح ذات  سيادة في المبادرة التشريعية، مما يجعلها تدرج في جدول أعمال أي من  المجلسين ما تشاء حسب أولوياتها، مما يلغي أو يؤخر على الأقل، مقترحات  القوانين المقدمة من طرف النواب والمستشارين ما دام الفصل 82 م يعر أي  اهتمام لمسألة ما إذا كان اقتراح القانون المقدم من نائب أو مستشار سابق  على تاريخ التقديم لمشروع الحكومة الذي تطلب له الأسبقية.

كما أن الفصل 83 يزي نفس الطرح من خلال إعطاءه الحكومة حق  الاعتراض على كل تعديل م يعرض من قبل على اللجنة التي يعنيها الأمر، كما  يمكن للحكومة إلزام البرلمان بالتصويت على نص بأكمله (التصويت المغلق  ébloqu vote (Le، وذلك برفض كل التعديلات المقدمة من طرف النواب.

إلا أن الدستور الجديد خول للبرلمان حق الاعتراض على هذه المسطرة بأغلبية أعضائه(الفصل 83).

إن دراسة طبيعة العلاقة بين الحكومة والبرلمان لا تقف عند حدود المسطرة التشريعية، بل تمتد إلى مسألة المراقبة.

فبناء على الفصل 100 الذي  ينص على أنه” تخصص بالأسبقية جلسة في كل أسبوع لأسئلة أعضاء مجلسي  البرلمان وأجوبة الحكومة.

تدلي الحكومة بجوابها خلال العشرين يوما الموالية لإحالة السؤال  وبالرغم من التحديد القانوني للمدة من أجل إجابة الحكومة، فإن  هذه الوسيلة م تغير من الأمر شيئا في إطار تفوق الحكومة، إذا علمنا أنها   الآلية الوحيدة التي بقيت بيد البرلمان، والتي يمكن استعمالها بدون عرقلة  قانونية، فالقطاعات الوزارية لا تلتزم بالإجابة عن الأسئلة الموجهة إليها في  الوقت المحدد، وكذلك طبيعة الإجابة التي عادة ما تشبه مراوغات توضيحية  لنقط لا تمس جوهر السؤال.

” وقد تصل الأمور أحيانا إلى عدم الإجابة(36).

أما بالنسبة للجان النيابية لتقصي الحقائق، فإن دستور 2011 يعد  أكثر تقدما من دستور 1996 وذلك بسماحه فقط لثلث أعضاء مجلس  النواب، أو ثلث أعضاء مجلس المستشارين بتشكيل لجان نيابية لتقصي  الحقائق( الفصل 67)، وكذلك السماح لخمس أعضاء مجلس النواب (عوض  الربع في الفصل 76 من دستور 1996) بتقديم ملتمس الرقابة (الفصل 105).

وإذا كان دستور 2011 حاول توسيع هامش اشتغال البرلمان، خاصة  لأول مرة يتم التنصيص على ممارسته للسلطة” يمارس البرلمان السلطة  التشريعية” (الفصل 70)، إلا أن مظاهر العقلنة البرلمانية مازالت حاضرة، وأن  البرلمان ليس سيد نفسه، الأمر الذي يعكس عدم تفعيل مبدأ الفصل بين  السلط، وبالتالي توزيع حقيقي للسلط في إطار نوع من التوازن والتعاون.

وفي الختام، يلاحظ أن” إستراتيجية الإنشاء والتسخير”(37) التي  لجأت إليها الدولة في عدة مراحل من المسار الدستوري والسياسي المغري،  ساهمت في إضعاف وتهميش الأحزاب السياسية، كما أن” تبخيس المؤسسات  وتفقيرها، والفصل- ضدا على الروح البرلمانية- بين المسار الانتخابي والقرار  السياسي”(38)، أدى إلى أزمة ثقة عميقة للمواطنين في المؤسسات الدستورية  والسياسية، وهي الأزمة التي يتم التعبير عنها بالعزوف عن المشاركة في  الاستحقاقات الانتخابية والانخراط في الأحزاب السياسية.

ومن خلال البحث والتمعن في الممارسة السياسية وروح ومنطوق  كل الوثائق الدستورية التي حاولت تأطير المسار السياسي لأكثر من نصف  قرن من الحياة السياسية المغربية، يلاحظ أن النظام الدستوري والسياسي  المغري يتأرجح بيـن مؤشرات الحركة والتحول والدمقرطة ومؤشرات الجمود  والثبات والاستبداد، وبالتالي فالبلاد تعيش سيرورة يصعب التكهن بمآلها.

الهوامش

1- يلاحظ أن كل دستور كان وسيلة لتجاوز أزمة معينة.فدستور 1970 تبلور في ظل أزمة  حالة الاستثناء، فكان وسيلة للخروج منها، ودستور 1972 جاء بعد المحاولة الانقلابية  لسنة 1971، ودستور 1992 جاء عقب الأحداث الدامية التي عرفتها بعض المدن  المغربية، خاصة مدينة فاس في يوم 14 دجنبر 1990 أثناء الإضراب العام من جهة،  وبسبب تزايد الضغوطات الخارجية على الدولة من أجل تحسين حقوق الإنسان من  جهة أخرى.وجاء دستور 1996 بعد التقرير الصادم للبنك الدولي حول تردي الأوضاع  الاجتماعية والاقتصادية في المملكة، وهو الوضع الذي دفع الملك الحسن الثاني إلى  التحذير من أن البلاد أصبحت مهددة بالسكتة القلبية إذا م تقوم بإصلاحات استعجالية.وارتبط دستور 2011 باحتجاجات حركة 20 فبراير.

2- أنظر نص العهد الملكي في الجريدة الرسمية، العدد 2378 ليوم 23 ماي 1958 ص. 1183/1182.

3- امحمد مالكي، الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، المطبعة والوراقة  الوطنية، الطبعة الأولى، مراكش 2001 ص.262.

5- جاء في العهد الملكي:” إننا لجادون في السعي لإقرار نظام ملكي دستوري تراعى فيه المصلحة  العليا للبلاد وطابعها الخاص وتتحقق بفضله ديموقراطية صحيحة محتوياتها من: روح  التعاليم الإسلامية.وواقع التطور المغربي.وإشراك الشعب تدريجيا في تدبير شؤون البلاد  ومراقبة تسييرها.

سنصدر ظهيرا تعين فيه سلطة رئيس الحكومة وسلطة كل وزير  واختصاصات مجلس الوزراء حتى يتمكن الوزراء الذين هم مسؤولون أمامنا جمعا  وانفرادا أما السلطة التشريعية التي بيدنا فإننا نباشرها نحن والمؤسسات التي  سنقيمها.”، أنظر الجريدة الرسمية، العدد 2378 ليوم 23 ماي oo1958 1183/1182.

6- أنظر الجريدة الرسمية، العدد 2537 ليوم 9 يونيو 1961 _p,. 1466 وص.

1467  معتصم، النظام السياسي والدستوري المغري”، مؤسسة ايزيس للنشر، ط 1 ، الدار  7- محمد  البيضاء، مارس 1992 57oo و ص.58.

la et pouvoir du légitimation la l’islam; dans politique La ,(.8Wolf)J.H-  369 p. 1993 Paris A.A.N. ,Maroc du cas le : moderne démocratie  9- أنظر بيرناي لوبيس كارسيا، الانتخابات المغربية منذ 1960 إلى الآن.

دراسة علمية موثقة،  ترجمة بديعة الخرازي، منشورات الزمن، سلسلة ضفاف، الطبعة الأولى 2007 ص.29  وما بعدها.

10- بيرناي لوبيس كارسيا، الانتخابات المغربية منذ 1960 إلى الآن.دراسة علمية موثقة،  مرجع سابق، ص.37

11- أنظر عمر بن الغازي، إشكالية اليمين واليسار في الثقافة السياسية المغربية، أطروحة لنيل  دكتوراه الدولة في القانون العام، كلية الحقوق، مراكش 2005-2004 ص.107  محمد الطوزي، الملكية والإسلام في المغرب، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء مارس

12-  2001 ص.95.امحمد مالكي، الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، مرجع سابق، ص.334.

13-  14- العري بلا، السلطة والمعارضة ودولة القانون في دول المغرب العري”، أطروحة لنيل  الدكتوراه في القانون العام، كلية الحقوق، مراكش، شتنبر 2002 ص.330  العري بلا، السلطة والمعارضة ودولة القانون في دول المغرب العري”، مرجع سابق، ص. 15-  331 وص.32.يرى لحباي، صاحب أطروحة: الحكومة المغربية في فجر القرن العشرين، أن تولية  16-  السلطان عن طريق البيعة، تمنحه سلطة مطلقة للسهر على مصالح الملة وإدارة  الجماعة، ومن ثم خول سلطات حكومية، بل كل السلطات الحكومية.

وإذا كانت  ممارسة كل السلطات ممكنة في السابق، فإن العدد الكبير للسكان جعل السلطان غير  قادر على ممارسة كل السلطات، خاصة في المجال الإداري والديني والقضاي وبالتالي كان  لزاما عليه البحث على مساعدين.ومدهم بوظائف حكومية كاملة يمارسونها تحت  سلطته الزمنية والدينية أنظر: å marocain gouvernement Le M.Lahbabi  73 p. 1975 Casablanca ,maghrébines ditionsé Les ,siécle éXX du l’aube  امحمد ماليي، الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، مرجع سابق، ص.333  1-  وص. 334).

18- حسن طارق وعبد العالي حامي الدين، دستور 2011 بين السلطوية والدمقراطية: قراءات  متقاطعة، منشورات سلسلة الحوار العمومي 2، الطبعة الأولى، الرباط، أبريل 2011  ص.37.

ظهر تعبير” المفهوم الجديد للسلطة” أول مرة في الخطاب الملكي في يوم 12 أكتوبر 1999،  19-  الذي وجهه الملك إلى المسؤولين عن الجهات والولات والعمالات والأقاليم من رجال  الإدارة وممثلي المواطنين، ثم تررد في مناسبات وخطب لا حقة.

20- حسن طارق وعبد العالي حامي الدين، دستور 2011 بين السلطوية والدمقراطية: قراءات  متقاطعة”، مرجع سابق، ص.31.

21- حسن طارق وعبد العالي حامي الدين دستور 2011 بين السلطوية والدمقراطية: قراءات  متقاطعة، مرجع سابق، ص.31وص. 32.

22- أنظر ترجمة هذه المحاضرة والنقاشات التي أعقبتها في مقالين نشرا بجريدة الاتحاد  الاشتراي، هما:  – هشام بن عبد الله العلوي، التحديات الديمقراطية، جريدة الاتحاد الاشتراي، العدد 5960،  ليوم 5 دجنبر 1999.الأمير مولاي هشام، الملكية هي اللبنة المحورية للنظام في المغرب.ومصيرها بالتدريج، أن  تسود ولا تحكم”، العدد 5970، ليوم 15 دجنبر 1999.

Changements in Néo-patrimonial l’Etat de description la Vers : A: Saaf- -23  C.NR.S.d. ,.M Camau de direction la ;)sous Maghreb au politiques  96.1991 Paris  24- العري بلا، السلطة والمعارضة ودولة القانون في دول المغرب العري”، مرجع سابق. ص. 312.

25- يرى رمي لوفو أن وراء المظهر العصري للدولة المغربية توجد سلطة خاصة هي الديوان  الملي، وتتكون من مستشارين وغيرهم وتعرف بالمخزن الجديد، أنظر ,Rémy Leveau  s. et 213 p.1985 ,Paris P.N.S.P.

Tröne du défenseur Marocain Fellah Le  26- محمد الساسي، الملك يقدم الدستور: قراءة في العلاقة بين الخطاب الملكي 17J يونيو  2011 ونص الدستور الجديد، في كتاب: الدستور الجديد ووهم التغيير”، تنسيق عمر  بندورو، دفاتر وجهة نظر 24، الطبعة الأولى، 2011، ص.9

27- محمد الساسي:” الملك يقدم الدستور: قراءة في العلاقة بين الخطاب الملكي 17J يونيو  11()2 ونص الدستور الجديد”، مرجع سابق، ص.9

28- وهو الاستنتاج الذي أكده إسماعيل العلوي:” لولا 20 فبراير لما كان الدستور الجديد”،  يومية أخبار اليوم،العدد 522، ليومي 13 و 14، 2011، ص.1 ، أنظر محمد الساسي،  الملك يقدم الدستور: قراءة في العلاقة بين الخطاب الملكي 17J يونيو 2011 ونص  الدستور الجديد، مرجع سابق، ص9

29- ينص الفصل 46 على أن:” شخص الملك لا تنتهك حرمته، وللملك واجب التوقير  والاحترام”.

30- تدخل جلالة الملك أثناء افتتاح دورة أكتوبر 1981، أنظر انبعاث أمة، 1981 ص.62.

31- أنظر عمر بندورو، العلاقات بين السلط فصل أم خلط في السلط؟، منشورات دفاتر وجهة  نظر 24،الطبعة الأولى 2011 ص.118.nouvelle la dans institutionnel l’équilibre sur Réflexion A.

Massaudi -32  .587/588. 1996 A.A.N.

in Marocaine constitution  33- لا يجوز تكوين لجان تقصي الحقائق في وقائع تكون موضوع متابعات قضائية، مادامت  هذه المتابعات جارية، وتنتهي مهمة كل لجنة تقصي الحقائق، سبق تكوينها، فور فتح  تحقيق قضاي في الوقائع التي اقتضت تشكليها، أنظر الفصل 67 من دستور 2011.

34- قلوش مصطفى، النظام الدستوري المغري، مكتبة دار السلام، الرباط، الطبعة الرابعة،  1994 ص.

35- سمير بلمليح، رئيس الدولة ورئيس الحكومة في دستور 2011، مجلة مسالك، عدد مزدوج  20-19، 2012 ص. 7 وما بعدها.

36- أنظر امحمد مالي، السؤال في الممارسة البرلمانية المغربية الفترة التشريعية 1992-1984  في:” التمثيلية والوساطة والمشاركة في النظام السياسي المغري”، الطبعة الأولى، 1997.

37- أنظر: عبد اللطيف أكنوش، واقع المؤسسة والشرعية في النظام السياسي المغري على  مشاريف القرن ا7X، مكتبة بروفانس، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1999 ص.71.

38- حسن طارق وعبد العالي حامي الدين:” دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية:  قراءات متقاطعة”،  مرجع سابق، ص.40.

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً