
الدكتور إدريس الشبلي
رئيس غرفة بمحكمة الاستئناف بالعيون
أستاذ زائر بكلية الحقوق بأكادير
تعتبر عملية التحديد أجراء أساسي ومرحلة هامة ومفصلة من مراحل مسطرة التحفيظ إلى جانب الإشهار العقاري القائم على النشر بالجريدة الرسمية والتعليق لدى الجهات المخول لها قانونا بذلك بل هي الأهم على الإطلاق بالنظر إلى الأدوار التي تلعبها خلال مسطرة التحفيظ في:
أولا:عملية طبوغرافية وتقنية تساهم في رسم معالم العقار بشكل دقيق سواء من حيث أن تواجد ممثل المصلحة الطبوغرافية رفقة الأشخاص المعنيين بعملية التحديد واشتغاله بآيات خاصة ووضعه للأنصبة من شأنه أن يلفت انتباه العموم إلى خضوع بأبعاده وحدوده إلى عملية تحفيظ وشيكة وهي كذلك عملية قانونية يتم فيها استفسار طالب التحفيظ وجميع المتدخلين عن كل ما يتعلق بالملك المعنى من حقوق عينية أو منازعات أو تحملات قد ترد عليه بالإضافة إلى اعتبار التحديد فرصة لمعاينة الحيازة ومدتها.
وإذا كان المحافظ العقاري هو المنسق العام لعملية التحديد وذلك بإشرافه على تسيير عملية التحديد فإن هناك متدخلين أخرين في هذه العملية منهم المهندس المساح الطبوغرافي الذي ينتدبه المحافظ العقاري للقيام بهذه المهمة وكذلك وكيل الملك الذي أصبح من بين الفاعلين في مسطرة التحديد من خلال تسخير القوة العمومية طبقا للمادة 20 من القانون 14/07 بناء على طلب من المحافظ العقاري أو من له مصلحة لضمان الظروف الملائمة لإجراء عملية التحديد، فالمهندس المساح الطبوغرافي أثناء قيامه بعملية التحديد قد تعترضه صعوبات عملية تتمثل في منعه من قبل جيران طالب التحفيظ بعلة أن العقار موضوع مطلب التحفيظ ليس في ملكية طالب التحفيظ او أن الحدود المذكورة في مطلب التحفيظ تطال جزء من عقاراتهم لكنهم عوض اللجوء إلى ممارسة حق التعرض الذي يعتبر الوسيلة القانونية الوحيدة لحماية حقوقهم رغم إنذارهم يتمسكون بمنع المهندس من القيام بعمله فهنا لا يكون أمام المهندس المساح الطبوغرافي سوى إنجاز محضر بذلك ورفعه إلى المحافظ العقاري يوضح فيه أسباب عدم تمكنه من إنجاز التحديد، هذا الأخير يسارع إلى تقديم طلب إلى النيابة العامة لتسخير القوة العمومية، فما المقصود بتسخير القوة العمومية؟
وما هي الشروط الواجب توفرها للجوء اليه من طرف المحافظ العقاري أوكل من له مصلحة؟
وماهي الشكليات التي يجب أن تتوفر في الطلب؟
وما هو دور القوة العمومية أثناء تنفيذ الأمر بالتسخير؟
ولمعالجة كل من هذه الإشكاليات التي يطرحها الموضوع سأحاول تقسيم مداخلتي إلى محورين أتناول في الأول منهما مفهوم تسخير القوة العمومية، وفي المحور الثاني خصوصيات الامر ب
المحور الأول: مفهوم تسخير القوة العمومية
لكي تتمكن النيابة العامة من تسخير أعمال الشرطة القضائية والاشراف عليها فقد خول قانون المسطرة الجنائية لوكيل الملك والوكيل العام للملك الحق في تسخير القوة العمومية مباشرة أثناء قيامهم في إقامة الدعوى العمومية وممارستها أي عند ارتكاب الجريمة والتحري بشأنها وإحالة مرتكبيها على القضاء إلى حين صدور الحكم أو القرار وتنفيذه طبقا للفصول 40-39-36 و597 من قانون المسطرة الجنائية كما تملك النيابة العامة هذه الصلاحية لتنفيذ بعض القرارات والأوامر ذات الصبغة المدنية والشرعية بمقتضى أوامر تسمى أوامر تسخير القوة العمومية مثل الفصل 20 من قانون التحفيظ العقاري غير أن قانون المسطرة الجنائية لم يهتم بتعريف هذه الأوامر وتنظيم أحكامها واكتفى بتحديد الأوامر الصادرة عن قاضي التحقيق مع الإشارة فقط لبعض الأوامر المخولة للنيابة العامة وهيئة الحكم من حين لاخر ضمن مواد متفرقة في قانون المسطرة الجنائية أو بعض القوانين الخاصة وسنحاول في هذا المحور أن نعطي تعريف للأمر بالتسخير (أولا)، ثم معيار التمييز بين الأوامر بالتسخير وباقي الاختصاصات المخولة للضابطة القضائية كقوة عمومية (ثالثا)، ثم شكل الامر بالتسخير (رابعا)، ثم أنواع الأمر بالتسخير (خامسا)
أولا: تعريف الأمر بالتسخير
عرف قانون الدرك الملكي في فصله 14 الامر بالتسخير كما يلي :” إن الامر بالتسخير طلب صريح يلتمس به استخدام الدرك لإجراء عملية قانونية توجهه لكل سلطة ليس لها عادة نفوذ على الدرك وإنما أنيط بها حق استخدامه بمقتضى القانون ولا يمكن للسلطات أن تجري نفوذها على الدرك إلا بأوامر التسخير في الأحوال التالية:
– القيام بكيفية استثنائية جدا بخدمة معينة خارج عن نطاق مهام الدرك عادة
– التوجه للقيام بالمحافظة على النظام في الأنحاء التي يصبح فيه مهددا
– نقل بعض رجال الدرك خارج دائرة أعمالهم العادية
– استعمال أسلحة بطلب من حاكم مدني كفء وبمحضره طبق الشروط المقررة في الفصل الثالث من الظهير الشريف الصادر في 1914/3/6
– مؤازرة السلطات المؤهلة
– وإذا ما تلقى رجال الدرك أمرا بالتسخير فيجب عليهم أن يعلموا بمقتضيات الفصل 17 وما يليه”
واستنادا الى هذا الفصل يمكن تعريف الأمر بالتسخير بأنه طلب أو أمر كتابي صريح توجهه السلطات القضائية أو الإدارية المختصة إلى الشرطة القضائية أو أعوانها أو أعوان القوة العمومية قصد استخدامها أو تقديم مساعدتها في القيام عليه القانون صراحة أو ضمنا في أحوال معينة ونذكر منها على بعمل أو اجراء ينص سبيل المثال لا الحصر
– القيام بأعمال وإسداء خدمات قانونية خارجة عن نطاق المهام العادية والتلقائية المسندة للضابطة القضائية واعوانها كالتبليغات والتنفيذات المتعلقة بالأوامر والقرارات القضائية الصادرة عن المؤسسات القضائية المذكورة سابقا (الفصل 142 ق م ج وما يليه، والتنفيذات المدنية المنصوص عليها في الفصل 452 من ق مج في قانون المسطرة المدنية وتنفيذ بعض القرارات الصادرة في شأن مدونة الأسرة وإخراج الموتى الخ)
– المحافظة على الأمن والنظام عندما يصبح مهددا في الأماكن التي تدخل ضمن اختصاصها الترايي، وفي هذه الحالة فإن السلطات الإدارية هي التي توجه الطلبات والاوامر بالتسخير
ثانيا: تحديد الفئات المختلفة التي تشكل القوة العمومية المكلفة بتنفيذ الأوامر بالتسخير من زاويتين اثنتين:
تحدد هذه الفئات من حيث الصفة، ومن حيث المصلحة التي ينتمي لها الموظف
1- من حيث الصفة: تشكل هذه الفئات من ضباط الشرطة القضائية غير الضباط السامين والموظفون والاعوان الذين ينيط بهم القانون بعض مهام الشرطة القضائية (المادة 19) وضباط الشرطة القضائية وأعوانها حددت اصنافهم المادتان 20 و 25 من ق م ج، أما الموظفون والاعوان المكلفون ببعض مهام الشرطة القضائية فإن الفصل 27 من ق م ج يحيل عن النصوص الخاصة التي تحدد أصنافهم واختصاصاتهم وقد نص الفصل 18 من ق م ج في فقرته الأخيرة أن الشرطة القضائية تقوم بتنفيذ أوامر وإنابات قضاة التحقيق وأوامر النيابة العامة
2- من حيث المصلحة أو الإدارة التي ينتمي اليها الموظف، تتشكل ما يلي:
- مصلحة الدرك الملكي المحدثة بمقتضى ظهير 14 يناير 1958 الذي نص في فصله الأول على أن الدرك الملكي قوة عمومية مكلفة بالسهر على الامن العمومي والمحافظة على النظام وتنفيذ القوانين، ويشمل عمله جميع أنحاء البلاد والجيوش .
كما أن الدرك الملكي يعمل لفائدة مختلف السلطات القضائية والإدارية والعسكرية بمقتضى ما توجهه لها هذه السلطات من أوامر بالتسخير أو مطالب المساعدة (الفصل 13 من قانون الدرك الملكي)
ب) مصلحة الامن الوطني : وقد أحدثت بمقتضى ظهير 1956/5/16 ويمارس موظفو الأمن الوطني ) (أوالشرطة) مهامهم كقوة عمومية على غرار المهام التي يقوم بها عناصر الدرك الملكي، بل إن الفصل 40 من المرسوم المتعلق بالنظام الأساسي الخاص بموظفي الإدارة العامة للامن الوطني أوجب على هؤلاء التدخل من تلقاء أنفسهم- ولو بدون تكليف من السلطات المختصة) وذلك لتقديم العون والمساعدة إلى كل شخص يكون في خطرولتلافي وقوع كل ما من شأنه الإخلال بالأمن العام والجدير بالذكر أن أفراد الدرك الملكي يمارسون مهام الشرطة القضائية والإدارية بقوة القانون بخلاف مصالح الأمن الذي تنحصر مهمة بعض افرادها في الشرطة الإدارية دون القضائية
ج) هيئة المتصرفين بوزارة الداخلية طبقا لظهير 1 مارس 1963 المعدل بظهير 1987/01/02 والذي ينتمي اليها رجال السلطة والذي يهمنا هنا من رجال السلطة هم العمال والباشوات والقواد المؤهلين حسب قانون المسطرة الجنائية لمزاولة مهام الشرطة القضائية، وتنفيذ الأوامر والقرارات القضائية والإدارية خاصة من طرف الباشوات والقواد الذين يشكلون قوة عمومية نظرا للتكوين العسكري الذي يتلقونه بمدرسة تكوين الأطر
د) القوات المساعدة المحدثة بمقتضى ظهير 1976/4/21 الذي في فصله الأول على أن هذه القوات تقوم في نطاق المهام المسندة إليها بالمحافظة على النظام والأمن العموميين إلى جانب قوات الأمن الأخرى ثالثا: معيار التمييز بين الأوامر بالتسخير وباقي الاختصاصات المخولة للضابطة القضائية كقوة عمومية إن تحديد طبيعة الأعمال التي تقوم بها الضابطة القضائية كقوة عمومية تقتضي التمييز بين أعمال الشرطة الإدارية وأعمال الشرطة القضائية فالشرطة الإدارية ترمي إلى المحافظة على النظام العام في إطار ثلاثة أهداف وهي: الحفاظ على الامن العام، الهدوء العام، الصحة العامة فالشرطة الإدارية لها إذن طابع وقائي قبل وجود الجريمة، أما الشرطة القضائية فترمي إلى البحث عن مقترفي الجرائم والقبض عليهم وتقديمهم إلى السلطات القضائية المختصة في تتميز إذن بطابعها الزجري أو العقابي ويترتب عن ذلك أن الشرطة الإدارية تقع مسؤوليتها على السلطات الإدارية، أما الشرطة القضائية فإن أعمالها تمارس لحساب السلطات القضائية وتخضع لرقابة القضاء وتراقب أعمالها وتسييره النيابة العامة وفي هذا الصدد ينص الفصل الثالث من قانون الدرك الملكي على ما يلي : ( ان الدرك مع جعله تحت أوامر وزير الدفاع الوطني يكون تابع لوزير العدل أثناء مباشرة الشرطة القضائية ولوزير الداخلية مباشرة السلطة الإدارية ).
وفي إطار المهام التي تقوم بها فئات الشرطة القضائية يجب التمييز بين نوعين من الأعمال :
1- الأعمال العادية وهي التي تقوم بها الضابطة القضائية تلقائيا أو بناء على تعليمات النيابة العامة طبقا للفصول 78_21_18 من ق م ج فالفصل 18 ينص في فقرته الأولى على ما يلي “يعهد إلى الشرطة القضائية تبعا للبيانات المقررة في هذا القسم بالتثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها وتتلخص هذه الأعمال بصفة عامة في تلقي شكايات ووشايات والقيام بالأبحاث التمهيدية سواء في الحالة العادية أو في حالة التلبس
2- أما الأعمال غير العادية فري التي تقوم بها الضابطة القضائية وأعوانها تلقائيا وإنما بعد تكليفها بذلك من طرف السلطات القضائية المختصة كما ذهبت إلى ذلك الفقرة الأخيرة من الفصل 18 من ق م ج بقولها ” تقوم بتنفيذ الأوامر والانابات قضاة التحقيق وأوامر النيابة العامة) أما الفصل 7 من قانون الدرك فقد نص على أنه ” تنقسم هذه المهام إلى عادية وغير عادية، فالعادية هي التي تباشر كل يوم او في أوقات معينة على حساب اجتهاد جنود الدرك وحدهم، أما غير العادية فري المهام التي لا تنجز إلا بمقتضى مطالب التسخير أو مطالب المساعدة التي تصدرها مختلف السلطات الغير المنتمية للدرك وضمن الشروط المبنية في الفصل الاتي بعده”
للاطلاع على الدراسة كاملة وتحميلها