
هل يعتبر فيروسCovid-19 مانعا وعذرا مقبولا لامتناع المفوض القضائي عن القيام بالإجراءات المطلوبة منه ؟لا سيما وأن الفقه القانوني المغربي اعتبره بمثابة قوة قاهرة و حادث خارجي لا يمكن توقعه ولا يمكن دفعه حسب مقتضيات الفصل (269 قانون الالتزامات والعقود ) التي عرفت القوة القاهرة وهي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه بالظواهر الطبيعية و الفيضانات والجفاف والعواصف، والحرائق والجراد وغارات العدو وفعل السلطة…
شهد عمل المفوض القضائي بربوع المملكة اضطرابا غير مسبوق بسبب فيروس Covid-19 ، مما اثر سلبا على وضعه المادي والتزاماته المهنية والاسرية، وأمام هذا الوضع اضطر غالبية المفوضين القضائيين الى غلق مكاتبهم والالتزام بالحجر الصحي، في حين خرج البعض منهم الى العمل مما اثار معه اشكالات حول مدى قانونية الإجراءات المنجزة من قبلهم في زمن كورونا؟ وهل يحق للمفوض القضائي العمل أو الامتناع عن العمل بشكل مطلق دون قيد او شرط ام أن الأمر مقيد ببعض الإجراءات دون غيرها؟ وللإجابة عن هذه التساؤلات، ننطلق من المادة 30 من قانون المهنة رقم 81.03 التي يلتزم بموجبها المفوض القضائي ما لم يكن هناك مانع مقبول بمباشرة مهامه كلما طلب منه ذلك وإلا أجبر على إنجازها بمقتضى أمر كتابي يصدره رئيس المحكمة التي يرتبط بها،ويمنع عليه أن يحجم عن تقديم المساعدة الواجـبة للقضــاء والمتقاضين بدون عذر مقبول، كـما يمنع على المفوضين القضائيين التواطؤ لنفس الغاية.
وتبعا لذلك، هل يعتبر فيروسCovid-19 مانعا وعذرا مقبولا لامتناع المفوض القضائي عن القيام بالإجراءات المطلوبة منه ؟لا سيما وأن الفقه القانوني المغربي اعتبره بمثابة قوة قاهرة و حادث خارجي لا يمكن توقعه ولا يمكن دفعه حسب مقتضيات الفصل (269 قانون الالتزامات والعقود ) التي عرفت القوة القاهرة وهي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه بالظواهر الطبيعية و الفيضانات والجفاف والعواصف، والحرائق والجراد وغارات العدو وفعل السلطة…
التوجه الاول:
طبقا لمقتضيات المادة 30 أعلاه يبقى فيروس covid19 مانعا وعذرا مقبولا لعدم عمل المفوض القضائي والسند في ذلك هو طبيعة عمله وما يتطلبه من تنقل واستقبال للمرتفقين ،واختلاط مع جهات عديدة…وما يترتب عن ذلك من خطر على نفسه وعائلته بشكل خاص وعلى مكونات العدالة والمرتفقين بشكل عام ..
كما نص الفصل 21 من الدستور أن لكل فرد الحق في سلامة شخصه واقرباءه… .
وايضا نص الفصل 22 من الدستور أنه لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص،في أي ظرف ومن قبل أي جهة كانت،خاصة اوعامة…
ولعل الكتاب الموجه من الهيئة الوطنية الى رؤساء وأعضاء المجالس الجهوية الصادر بتاريخ 17/03/2020 باعتبارها الممثل القانوني للمهنة يؤكد ويلزم من خلاله المفوضين القضائيين بغلق مكاتبهم داخل مدة 15 يوم قابلة للتجديد (مرجع 27/2020) ودعا الى الالتزام بتعليمات السلطات الصحية والالتزام بالحجر الصحي مع خلق خلية أزمة تتكلف بما هو استعجالي كإجراءات استثنائية..
واستند مناصرو هذا التوجه الى ما سبق ذكره، ورفضوا عمل المفوض القضائي في زمن كورونا وتساءلوا عن الاثر القانوني من إنجاز اجراءات متوقفة على آجال محددة بنص قانوني صريح ؟
والتي لا تحتسب إلا من يوم الموالي لرفع حالة الطوارئ طبقا لمقتضيات المادة 06 من القانون المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها: ” يوقف سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها فالنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ المعلن عنها، يستأنف احتسابها ابتداء من اليوم الموالي ليوم رفع حالة الطوارئ المذكورة”.
ومن أمثلة ذلك آجال التبليغ المذكورة في الفصلين 40 و 41 من قانون المسطرة المدنية،فعبارة “جميع الآجال” جاءت عامة تعني أن جميع الآجال المحددة بنص تنظيمي او تشريعي تتوقف، وعلى هذه القاعدة العامة استثناء متعلق بآجال الطعن بالاستئناف الخاصة بقضايا الأشخاص المتابعين في حالة اعتقال، وكذا مدد الوضع تحت الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي(الفقرة 2 من المادة 6).
التوجه الثاني:
اذا كان التوجه الأول يمنع المفوض القضائي منعا كليا مزاولة اختصاصه فان هناك توجه ثاني يبيح له ذلك دون قيد أو شرط، واعتبر كتاب الهيئة مجرد كتاب تنظيمي للمهنة ، واستند في ذلك إلى طبيعة المهنة ذات طبيعة حرة بمقتضى المادة 1 من قانون المهنة ،فالمفوض القضائي مثقل بأعباء والتزامات مهنية وعائلية كبيرة،ومفروض عليه العمل رغم خطورته في زمن كورونا ! سواء كانت تلك الاجراءات إجراءات قضائية عادية مفتوحة بالمحكمة قبل اعلان حالة الطوارئ الصحية او إجراءات قضائية استعجالية متزامنة معها أو إجراءات غير قضائية من معاينات وتبليغات جميعها يباح مزاولتها دون قيد أو شرط فهي اجراءات سليمة ما دام ليس هناك نص قانوني صريح يمنعه من ذلك.
التوجه الثالث:
بين الإباحة المطلقة و المنع المطلق للعمل في زمن كورونا هنالك رأي ثالث توسطهما، والذي حصر عمل المفوض القضائي في الجزء الاستعجالي المسموح به مستندا في ذلك على كتاب الهيئة ذي المرجع(27/2020) الذي حصر الاختصاص فيما هو مستعجل وقيد اسناده إلى خلية أزمة على مستوى كل مجلس جهوي.
وهذا الكتاب جاء منسجما مع البلاغ المشترك الصادر بتاريخ 16/03/2020 بين وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة حيث ثم تعليق انعقاد الجلسات بمختلف محاكم المملكة، باستثناء جلسات البث في القضايا الاستعجالية وقضايا التحقيق وقضايا المعتقلين في إطار التدابير الوقائية للحد من تفشي كورونا وحرصا على سلامة العاملين بمحاكم المملكة من قضاة وموظفين ومساعدي القضاء وكذلك المتقاضين والمرتفقين،وانسجاما مع التدابير المتخذة من طرف الحكومة لمحاصرة ومنع انتشار الوباء .
ليتضح بذلك أن المفوض القضائي يسمح له بالعمل في الملفات الاستعجالية دون غيرها،وفي حالة امتناعه يكون مجبرا للقيام بذلك بأمر من رئيس المحكمة طبقا للمادة 30 من قانون 81.03 .
ولعل طبيعة بعض الإجراءات الاستعجالية التي لا تقبل التأخير ويخشى من عدم إنجازها إتلاف حجتها وضياع حقوق أصحابها مما يفرض على المفوض القضائي تقديم هذه الخدمة ولو في حالة الطوارئ الصحية،لا سيما وأن رؤساء المحاكم بصفتهم قضاة الأمور المستعجلة للذين عملوا وبثوا في القضايا الاستعجالية ومعلوم أن هذه الأوامر يترتب عنها إجراءات قبلية و متزامنة و لاحقة من معاينات و تبليغ وتنفيذ تستوجب على المفوض القضائي التدخل من أجل حماية حقوق اصحابها، فتنقله هنا يجب أن يكون استثنائيا أي لا يتنقل ولا يختلط مع الغير إلا لضرورة مهنية استعجالية ملحة .
ختاما:
اذا كان عمل المفوض القضائي من عدمه يرتكز أساسا على مبدأ الاختيارية من قبل الطالب أو نائبه طبقا لمقتضيات المادتين 21و 22 من ق 81.03 ، التي غالبا ما يتم الاتصال به لمعرفه ما اذا كان رهن الخدمة ام لا ،فإن هذه الاختيارية ترتبط بطبيعة المادتين 1 و 2 من قانون المهنة باعتبارها مهنة حرة ذات مجال عملي محدد.
وامام اختلاف الآراء يبقى السؤال مفتوحا،حول عمل المفوض القضائي في زمن كورونا خارج حالة الاستعجال هل يعد خرقا للقانون ام حقا مهنيا مشروعا ؟