للطالبة الباحثة: مارية الراشدي

خريجة ماستر العلوم الجنائية والأمنية  كلية الحقوق – مراكش

مقدمة:

كثيرا ما تعرض على المحاكم الزجرية قضايا تندر فيها الادلة ووسائل الاثبات او قد تكون قاب قوسين او ادنى من العدم فالمشرع المغربي وتحديدا في قانون المسطرة الجنائية كونها تمثل الشق الاجرائي للقانون الجنائي تحدث عن حرية الاثبات وبالتالي يمكن الاثبات بكافة الوسائل كالشهادة والاعتراف والبصمة وغيرها ولكن سعيا من المشرع المغربيالى الاحاطة بكافة الجرائم عمد من خلال مشروع قانون المسطرة الجنائية الى احداث تقنيات جديدة تستخدم في الاثبات كشهادة متهم على متهم وكذلك تقنيه الاختراق،وتتمثل اهمية هذه الوسائل في اسهامها بشكل كبيرفي اثبات الجرائم التي تمتاز بطبيعة خاصة والتي اما ان يندر فيها الشهود فيقدم متهم اخر شهادته في نفس القضية واما ان تتطلب هذه الجريمة اللجوء الى تقنيه الاختراق.

وتعرف شهادة متهم على اخر والتي تناولتها المادة 286 من المسودة بأنها أقوال او تصريحات يدلي بها متهم ضد متهم اخر معتقل معه او متابع معه على ذمه نفس القضية او متابع قي قضية اخرىوكذلك ويعرف الاختراق بأنه تقنيه تقوم على ادخال ضابط شرطة قضائية في وسط مجموعة تمارس افعال غير مشروعة من اجل الحصول على معلومات وتقديم الشهادة والتصريحات من لدن ضابط الشرطة القضائية والتي اما ان يقدمها متخفيا وأما أن يقدمها بصفته الرسمية وهذه التقنية مستحدثة بمقتضى مشروع قانون المسطرة.

وبالتالي سنقوم بتوضيح وتفصيل هده التقنيات وفقا للتصميم المبين أسفله :

المبحث الأول :  شهادة متهم على آخر

المطلب الأول: الطبيعة القانونية لشهادة متهم على آخر

المطلب الثاني: موقف القضاء المغربي والمقارن من شهادة متهم على آخر

المبحث الثاني : الاختراق وسيلة جديدة من وسائل الاثبات

المطلب الأول : طبيعة نظام الاختراق

المطلب الثاني : حجية نظام الاختراق وتصريحات منفذه

خـاتمة

المبحث الأول :  شهادة متهم على آخر

قد يتطرق اعتراف المتهم عند استجوابه إلى ذكر أمور صدرت من متهم آخر كما لو ذكر بان الأخير قد اشترك معه في ارتكاب الجريمة أو كان فاعلا أصليا معه فمثل هذا القول لا يعد اعترافا لان الاعتراف هو إقرار الشخص بواقعة ينسبها إلى نفسه هو فتكون حجتها قاصرة عليه أما الأقوال الصادرة منه على متهم آخر فهي في حقيقتها ليست إلا شهادة متهم على متهم آخر وهو من قبيل الاستدلالات التي يجوز للمحكمة أن تعزز بها ما لديها من أدلة أخرى.

وجدير بالذكر في هذا المقام أنه إذا أقر كل متهم على آخر بارتكاب الجريمة فقد تعارضت المصلحة بينهما ويتعين أن يكون لكل منهما محامي في الدفاع عنه بحيث إذا سمحت المحكمة لمحام واحد بالمرافعة عنهما –مع قيام هذا التعارض –فإنها بذلك تكون قد أخلت بحق الدفاع مما يعيب إجراءات المحاكمة .

ولقد تضاربت الآراء الفقهية و الاجتهادات القضائية حول الأخذ وعدم الأخذ بشهادة متهم على آخر  .

وبذلك فإن الاعتراف هو بمثابة تصرف قانوني من جانب المعترف يحدث أثراً يلتزم بتبعاته الشخص الصدر عنه,لكن التساؤل الذي يبقى مطروحا هو: هل يعتد الحكم السابق بآثاره ليطبق حتى بالنسبة للاعترافات التي يدلي بها الأغيار  ضد المتهم,سواء أكان هؤلاء الأغيار مصرحين بالمحضر أو كانوا ضحايا الفعل الجرمي الذي كان مشتبه في ارتكابه الشخص أو كانوا متورطين في ارتكاب نفس الفعل الجرمي.

و بناءا على ما تقدم,سنعرض في هذا المبحث ,الطبيعة القانونية لشهادة متهم على آخر (المطلب الأول),واعتراف المتهم على آخر وموقف القضاء المغربي والمقارن(المطلب الثاني).

المطلب الأول: الطبيعة القانونية لشهادة متهم على آخر

كثيراً ما تعرض على المحاكم الزجرية قضايا تندر فيها وسائل الإثبات أو تكون قاب قوسين أو أدنى من العدم، إذ يكون فيها الشخص المتابع متشبثا بالإنكار، نافيا أي صلة له بالجريمة من قريب أو بعيد، ولكن ما يواجه به هذا المتابع هو اتهام يفضي به متهم آخر ضده معتقل معه أو متابع معه على ذمة نفس الملف أو محكوم عليه في مسطرة سابقة وفي ملف آخر، كأن يصرح بأن المعني بالأمر قد شاركه في الجريمة أو هو الفاعل الأصلي لها، سواء تعلق الأمر بجريمة قتل أو سرقة أو اتجار في المخدرات أو غير ذلك، فيكون الدليل الوحيد في الملف ضد الشخص المتابع هو هذا الاتهام أو التصريح الذي يدلي به متهم آخر، وهذه الحالات كثيرة الوقوع من الناحية العملية وخاصة في جرائم المخدرات وهي تطرح على بساط البحث موضوعا يكتسي أهمية بالغة من خلال الإشكالات التي يثيرها على المستوى التطبيقي([1]).

والسؤال الذي يطرح هل التصريح أو الاتهام، الذي يوجهه متهم لآخر مقبول أو غير مقبول وهل يجوز أن يدان شخص متهم بناء على أقوال يدلي بها متهم آخر ضده؟ وما هي الطبيعة القانونية لهذه الأقوال؟

إن مراجعة قانون المسطرة الجنائية المغربي الحالي يؤدي إلى نتيجة واحدة وهي خلو قانون المسطرة الجنائية المغربي من أي نص يمنع المحاكم الزجرية من الاستماع إلى المتهمين كشهود في القضايا المعروضة عليها-، إلا أن مشروع قانون المسطرة الجنائية المغربي قد أورد في المادة 286  ” … لا يجوز للمحكمة أن تبني قناعتها بإدانة على تصريحات متهم على آخر إلا إذا كانت معززة بقرائن قوية ومتماسكة

تتلقى المحكمة هذه التصريحات دون أداء اليمين القانونية …”.

بقراءة المادة السابقة الذكر,نجد أن المشرع المغربي قد اشترط الأخذ بتصريحات متهم على آخر بوجود قرائن قوية ومتماسكة,وهذا يدل على أن هذه التصريحات لا ترقى إلى مستوى الشهادة التي قد تكون بوحدها كافية لإدانة متهم,وما يؤكد ذلك أن المشرع المغربي قد ألزم المحكمة حين تلقي هذه التصريحات من المتهم عدم إلزامه أداء اليمين القانونية-.

اللهم ما ورد في الفقرة الثانية من المادة 110من ق م ج من أنه (يجوز للشخص المشار إليه في الشكاية أن يرفض الاستماع إليه بصفته شاهدا ولقاضي التحقيق أن ينذره بعدما يطلعه على الشكاية ويضمن في المحضر ما ذكر وفي حالة الرفض لا يمكن لقاضي التحقيق أن يستنطقه إلا بصفة متهم فقط) .
أما الممنوعون من الشهادة,فقد تم ذكرهم المادة  325من ق م ج على سبيل الحصر دون أن يذكر من بينهم المتهم وهم: المدافع عن المتهم حول ما علمه بهذه الصفة ورجال الدين حول ما أسر لهم به ضمن مهمتهم يضاف إليهم المحروم من أهلية أداء الشهادة (المادة 322من ق م ج),وهو المحكوم عليه بعقوبة التجريد من الحقوق الوطنية طبقا للمادة 26من ق ج، أما المتهم الذي تمت إدانته وحكم عليه أي ذو السوابق القضائية فلا يمنع من أداء الشهادة، كل ما في الأمر أن المحكوم عليهم بعقوبة جنائية يقع الاستماع إليهم كشهود دون أداء اليمين طبقا للمادة 324 من ق.م ج. وقد يستخلص مما سبق أن صفة المتهم مستقلة تمام الاستقلال عن صفة الشاهد ولا مانع من الناحية القانونية أن يجمع نفس الشخص بين الصفتين معا شريطة مراعاة بعض القيود التي سنذكرها لاحقا.

و كثيراً ما يتم التساؤل عن الطبيعة القانونية للتصريحات التي يدلي بها المتهمون بعضهم ضد بعض، هل تعد اعترافات أم شهادات أم مجرد أقوال وتصريحات لا أقل ولا أكثر؟

إن الجواب عن هذا التساؤل يقتضي التفريق بين حالات متعددة[2]:

الحالة الأولى: التي يكون فيها المتهم قد أفضى باعترافات حول واقعة إجرامية معينة وفي نفس الوقت يوجه اتهامات إلى أشخاص آخرين بأنهم كانوا معه أو أنهم هم مقترفو الجريمة وأن دوره اقتصر فقط على الأعمال التحضيرية أو أنهم هم الذين باعوه المخدر أو الخمر… إلخ فهذه التصريحات لا يصح أن تعد شهادة بالمعنى المتعارف عليه مسطريا لعدة اعتبارات:

1 –لأن الخلط بين الشهادة والاعتراف لا يجوز، فالاعتراف لازم والشهادة متعدية، بمعنى أن اعتراف الشخص باقتراف جريمة معينة في ظروف وملابسات معينة هي شهادة على نفسه تلزمه وحده ولا يمكن أن تتعداه إلى الغير.

2 – أن من شروط الشاهد أن يكون موضوعيا ومحايدا بمعنى ألا يكون طرفا في الواقعة المشهود بها وهو ما لا يتوفر في المتهم المعترف الذي لا ينكر أنه طرف في الواقعة الإجرامية.

الحالة الثانية: وهي التي يدلي فيها المتهم بتصريحات حول واقعة إجرامية غير الواقعة الإجرامية التي كان من فعلتها أو من المشاركين فيها وذلك ضد متهم آخر، كما إذا قام هو بجريمة قتل وقدم تصريحات ضد متهم آخر قام بإخفاء الجثة، أو قام هو بجريمة سرقة وشهد على متهم آخر بأنه وجه الضرب والجرح إلى المجني عليه في اشتباك وقع بين الاثنين بعد تمام السرقة… فمثل هذه التصريحات لا مانع من اعتباراها شهادة إذا توافرت فيها الشروط الشكلية والموضوعية لأداء الشهادة وتحملها، وذلك بالتمييز الدقيق بين صفة الشخص المستمع إليه كمتهم وصفته كشاهد، فيعامل معاملة المتهمين بشأن التهم المنسوبة إليه، ويعامل معاملة الشهود بشأن المعلومات التي يريد الإفضاء بها ضد المتابعين الآخرين، وذلك من خلال الأمر بإخراجه من القاعة وأدائه اليمين القانونية بعد ذلك، وإلا فإن تصريحاته لا يصح أن تعتبر شهادة بالمفهوم القانوني طبقا لمقتضيات المادة  297من ق م ج.

المطلب الثاني: موقف القضاء المغربي والمقارن من شهادة متهم على آخر

نلاحظ أن الشائع والمتداول أن اعتراف متهم على آخر  لا يصح في حد ذاته أن يكون دليلا يقضى بموجبه، إلا أن ذلك المتداول والشائع لا يمثل الحقيقة سواء من حيث القانون أو العمل القضائي([3]).

فقد رأينا أن القانون لا يتضمن أي نص يقضي بمنع الاعتماد على تصريحات متهم في إدانة متهم آخر,وأن الأمر متروك للسلطة التقديرية للقضاء حسب ظروف وملابسات كل قضية، وهذا هو الموقف الذي تبناه المجلس الأعلى في العديد من قراراته والتي يظهر منها أن المحكمة يمكنها أن تبني حكمها بالإدانة على تصريحات بعض المتهمين ضد بعض شريطة أن تعلل حكمها تعليلا كافيا بها لا يجافي المنطق, فقد قضى المجلس الأعلى بنقض قرار محكمة الاستئناف بطنجة الصادر بتاريخ 15/5/ 1995 في القضية عدد 633/96 استنادا إلى مايلي:- (أن المحكمة أدانت العارض بالمنسوب إليه بناء على أوصاف أعطاها متهم آخر تتعلق بالعارض المذكور لدى الضابطة القضائية، وأن المتهم أنكر أمام المحكمة معرفته للعارض وأن الأوصاف التي أعطاها تتعلق بشخص آخر لا يعرفه هو أيضا، الأمر الذي يعتبر معه القرار المطعون فيه ناقص التعليل ومعرضا للنقض والإبطال).

ولكن المتتبع والمتمعن في القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى في هذا الموضوع يستخلص وجود تعابير تعكس عدم تحبيذ الاعتماد على تصريح متهم في مواجهة متهم آخر كوسيلة وحيدة للإدانة، لما يشوب تلك التصريحات عادة من شكوك ومن دوافع غير أمينة وغير صادقة، ولعل أشهر قرار يحتج به لمنح محاكم الموضوع سلطة تقدير تصريحات متهم ضد متهم آخر وحرية اعتمادها كأساس للإدانة يتضمن الحيثية التالية🙁 لا وجود لأي نص قانوني يحرم على الحاكم الزجري الاعتماد على تصريحات أحد المتهمين ليقرر إدانة متهم آخر مادام للحاكم المذكور الحق المطلق في تقدير قيمة التصريحات المشار إليها من حيث مرافقتها ومخالفتها للواقع حسب اقتناعه الصميم، ولكن نفس الحيثية أضافت علة أخرى موضحة:- (ولاسيما أن محكمة الجنايات لم تتخذ في الواقع كأساس لحكمها على المتهمين المذكورين أخيرا تصريحات المتهم معهما وحدها، ولكنها استندت إلى جميع ما استخلص لديها من عناصر شتى سواء من التحقيق أو من المناقشات…)[4].

يبدو إذن,أن هناك ميلا قضائيا إلى اعتبار الحكم المبني على تصريحات متهم ضد آخر موسوما بالضعف على مستوى الأساس والتعليل، وأن أية إدانة ناتجة عن ذلك تكون هشة وغير أكيدة، وهذا يظهر في قرارات حديثة صادرة عن المجلس الأعلى في الموضوع منها القرار عدد2281/4. بتاريخ 16/9/1998والذي جاء في إحدى حيثياته:-(إذا كانت المحكمة لم تأخذ بما جاء في تصريحات الظنين المدان سابقا فلأنه تراجع أمام المحكمة عن اعترافاته التي أدلى بها لرجال الضابطة القضائية… وحتى على فرض عدم تراجعه ومادامت المحكمة ارتأت عدم الأخذ بها خاصة وأنه متهم هو الآخر فلا شيء يلزمها القيام بذلك أو يحتم عليها تعليل الأخذ بها من عدمه لأنها مادامت لم تطمئن إليها فتكون قد استعملت سلطتها التقديرية)([5]).

وأريد هنا أن أركز على العبارة التي وردت في حيثية هذا القرار:- (خاصة وأنه متهم هو الآخر),فهذه الجملة تعبر عن الميل إلى الحط من قيمة التصريحات التي يدلي بها المتهمون في مواجهة بعضهم البعض، وهي تأكيد على أن صفة المتهم كطرف معني ومتغلغل مصلحيا في ملف القضية تختلف تماما عن صفة الشاهد كطرف محايد وغير معني مصلحيا، وهذا كاف وحده لدحرجة تصريحات المتهمين إلى درجة أدنى من تصريحات الشهود، وهذا اتجاه قضائي صائب نأمل أن يجد صدى واسعا لدى محاكم الموضوع التي ترفع أحيانا تصريحات متهم على متهم إلى مراتب لا تستحقها في معايير الاعتقاد الصميم ومقاييس القناعة اليقينية، لذلك نرى أن تعامل القضاء مع تصريح متهم على متهم ينبغي أن يتسم بالحيطة والحذر وأن يدعم بالتمحيص والتدقيق، لأن كثيرا من المتهمين يرفعون شعار (من بعدي الطوفان) فيسعون إلى توريط أناس أبرياء بدوافع الحقد أو البغض أو الحسد أو الانتقام، لذلك فهم لا يتورعون عن تضليل العدالة وخلط الأوراق والتحكم في مصائر الآخرين بتصريحات غير مسؤولة، وتوجد حالات كثيرة مشهورة عمليا في قضايا المخدرات . ونرى أيضا أن الحكم القضائي الذي يعتمد في الإدانة على تصريح متهم على آخر كدليل وحيد، هو حكم ضعيف على مستوى السند والمستند، تطوقه من أمامه ومن خلفه ومن حواليه علامات تعجب متتالية وغير متناهية في شأن اتسامه بخصلة حميدة من خصال الحكم السليم القويم وهي الجزم واليقين المؤدي وحده إلى السكينة والطمأنينة وراحة الضمير، وإذا كان المتهم بريئا إلى أن تثبت إدانته فإن تصريح متهم على آخر ضعيف إلى أن تثبت قوته، ولن تثبت قوته إلا إذا تم تدعيمه بحجة أخرى تحقيقا لمبدأ معروف في فقه القضاء الجنائي وهو مبدأ تساند الأدلة وتعاضدها بشكل يجعل بعضها مكملا للبعض الآخر.

المبحث الثاني : الاختراق وسيلة جديدة من وسائل الاثبات 

المطلب الأول : طبيعة نظام الاختراق 

طرحت وزارة العدل للتناقش مسودة مشروع قانون يقضي بتغيير و تتميم قانون المسطرة الجنائية الصادر بتنفيذه ظهير 3أكتوبر 2002كما تم تتمينه وتغييره بموجب القانون رقم 03-03. ونظرا لأهمية مقتضيات قانون المسطرة الجنائية باعتبارها تمثل الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة، وبالتالي لمحور مهم من محاور حقوق الإنسان، إن لم يكن أهمها على الإطلاق ، لذلك فإن طرح مسودة هذا المشروع للنقاش تحظى باهتمام بالغ من المهتمين ممارسين وحقوقيين، في هذا السياق يأتي تناولنا لمشروع المسطرة الجنائية بالمناقشة والتحليل.

يتيح هذا النظام لضابط أو عون شرطة تحت إشراف النيابة العامة، وفي إطار البحث و القيام بمعاينة إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصل 108 من مشروع القانون تتبع و مراقبة الأشخاص المشتبه فيهم من خلال التظاهر أمام هؤلاء الأشخاص بأنه فاعل أو مشارك أو مساهم أو مستفيد من الأفعال الإجرامية موضوع البحث ويمكنه لهذه الغاية استعمال هوية مستعارة، أكثر من ذلك أنه يمكنه ارتكاب إحدى الأفعال التي تشكل جزءا من الجريمة مثل حيازة أو اكتساب أو نقل أو تسليم أو استلام ممتلكات أو أموال أو وثائق أو معلومات أو أشياء متحصلة من ارتكاب جرائم أو استخدمت لارتكاب جرائم أو معدة لارتكابها . كما يمكنه استعمال أو وضع رهن إشارة الأشخاص المتورطين في هذه الجرائم وسائل قانونية أو مالية أو وسائل نقل أو تخزين أو إيواء أو حفظ أو اتصال .وتحدد لضابط الشرطة الذي يقوم بعملية الاختراق مدى 6أشهر للعملية قابلة للتمديد.ويعفى من المسؤولية الجنائية الضابط المعني بالأمر بمناسبة مباشرته للعمليات المذكورة، وكذلك الأشخاص الذين تمت الاستعانة بهم لانجاز عملية الاختراق.
ومنح الضابط الذي يقوم بالعملية نوعا من الحصانة حماية له، إذ لا يمكن الكشف عن هويته الحقيقية في أية مرحلة من مراحل العملية ومن قام بذلك يعاقب بالحبس لمدة تصل خمس سنوات وغرامة.
وإذا نتج عن كشف هويته إيذاء له أو لأحد أصوله أو فروعه أو زوجه، فإن العقوبة قد تصل إلى عشرين سنة .ذلك هو مضمون عملية الاختراق التي قد يقوم بها ضابط أو عون شرطة قضائية.لكن المشروع لم يكتف في ذلك بأن خول الأمر للشرطة القضائية الوطنية بل أن الباب الثاني مكرر من المشروع ( المواد 1-713و ما بعد ) أتاح لضباط الشرطة القضائية الأجانب أن يباشروا عمليات الاختراق فوق التراب الوطني في إطار البحث عن الجرائم الذي يقومون به لحساب دولهم . و هو الأمر الذي يثير أكثر من سؤال.

إن نظام الاختراق كما هو واضح، يتعلق بمنهجية عملية للبحث في الجرائم مفهوم مبررات اللجوء إليها في هذا الوقت، الذي تقوت فيه التنظيمات الإجرامية وأصبحت تستعمل تقنيات متطورة لتنفيذ أعمالها.
لكن صحة المبرر لا تعني سلامة الوسيلة، خاصة لما تكون أعمال جهاز الشرطة تتعرض دائما للانتقاد، وجلسات المحاكم أحسن دليل على ذلك، إذ لا تخلو جلسة من احتجاج المتهمين ودفاعهم على مضامين محاضر الضابطة القضائية وكيف تم تحريرها، وكيف تم انتزاع الاعترافات المضمنة بها.

ولعل هذا هو ما دفع اليوم إلى التفكير في استعمال الوسائل التقنية لمراقبة عمل الضابطة أثناء الاستماع للمشتبه فيهم . فإذا كان الحال كذلك، كيف يمكن الاطمئنان إلى عمل ضابط أو عون شرطة سيغير هويته ويتنكر في هوية أحد المجرمين للقيام بأعمال قد تكون هي نفسها إجرامية للتحقيق والبحث ؟

علما بأنه سيكون له مطلق الحرية في الحركة والعمل ، وله أن يستعين حتى بأشخاص آخرين في عمله ذاك. وحتى لو قيل أن ذلك سيكون تحت مراقبة النيابة العامة، فإن تلك المراقبة لن تكون لها أي فعالية من الناحية العملية لاعتبارات كثيرة[6]

علما بأن المشروع لم يحدد فضاءات عمليات الاختراق أو مجالاتها، بل حدد فقط الجرائم التي يمكن اعتماد نظام الاختراق للبحث فيها ( جريمة منظمة، تكوين عصابة إجرامية، غسل الأموال، الرشوة، استغلال النفوذ ، اختلاس أو تبديد المال العام……)

ومعلوم أن مثل هذه الجرائم يمكن أن تقع في أي فضاء أو في أي مجال، وبالتالي، فإن عملية الاختراق يمكن أن تقع في أي مجال : شركات، مؤسسات، أحزاب ، جمعيات…

وخطورة الأمر تتسع حين سمح المشروع بعمليات اختراق يقوم بها ضباط شرطة أجانب على التراب الوطني لفائدة دولهم.
وحتى لو تم ذلك تحت مراقبة النيابة العامة أو أي جهة أخرى، فإن ذلك لن يمنع المخترق من الوصول إلى المعلومات التي يسعى إليها حتى ولو لم تتعلق بموضوع الجريمة التي يبحث فيها، وذلك بالنظر إلى تطور الوسائل الحديثة في الاطلاع والنسخ والتصوير والإرسال.

وكيفما كان حال مراقبة هذا العمل وأهدافه والمبررات الكامنة وراء هذا النظام ككل، فإنه بالتأكيد يعتبر ماسا بالحياة الشخصية للأفراد إذ يجعلهم يتعاملون مع شخص بهوية غير حقيقية من خلالها يقتحم حياتهم.
كما أن ضمانات المراقبة كي تتم العملية وفقا للقانون تكاد تكون منعدمة، علما بأن العملية كلها أمنية وليست قضائية.

المطلب الثاني : حجية نظام الاختراق وتصريحات منفذه 

لقد أتى مشروع التعديل بآلية جديدة للبحث في الجريمة وهي آلية الاختراق.
وأنه من المفيد الاشارة إلى أن آلية الاختراق ليست جديدة في قانون المسطرة الجنائية، أي ليست جديدة في آليات البحث، إذ أن قانون المسطرة الجنائية المطبق منذ 2003نص على آلية التنصت، هي آلية للاختراق بواسطة التقنيات، بينما آلية الاختراق التي أتى بها تعديل المادة 296فإنها تتم بواسطة الانسان وليس بواسطة تقنية آلية.
فإذن، نحن أمام تطور في إبداع آليات البحث على الجريمة بموازاة تطور وتعقد الجريمة بشكل عام والجريمة المنظمة بشكل آخر.
لكن، من المفيد الاشارة إلى أن مشروع قانون المسطرة الجنائية لسنة 2003أتى بآلية التقاط المكالمات ليس في باب البحث أي المواد 108وما بعدها، وإنما قدمه، في أول الأمر، في باب الإثبات.
وبعد نقاش طويل تم تدارك هذا الأمر بنقل آلية التنصت من باب الإثبات الى باب البحث، ليبقى ما تم الحصول عليه من معلومات بواسطة التنصت لا يشكل حجة قاطعة وإنما عنصرا من عناصر البحث في ثبوت الجريمة.
غير أن التعديل المراد إدخاله يتعلق بالمادة 296وإن كان مقبولا إحداث آلية الاختراق كما سبق بيانه وإعطاؤها الشرعية القانونية، فإن دمج التعديل في مادة تتعلق بالإثبات من جهة ما انتهت إليه المادة من عبارة «إلا إذا تصرف منفذ العملية بناء على هويته الحقيقية»[7]من جهة أخرى نثير بعض التساؤلات أهمها: هل يعتبر من قام بعملية الاحتراف والذي تصرف بناء على هويته الحقيقية شاهدا تقام الحجة به وفق ما تنص عليه المادة 296من قانون المسطرة الجنائية الحالية؟
إن قراءة التعديل المدخل على المادة 296واستعماله لآلية نفي النفي «لا يمكن إدانة…» «إلا إذا تصرف منفذ العملية بناء على هويته الحقيقية….» يعني أنه إذا استعمل هويته الحقيقية سيعتبر شاهدا وبالتالي تقام بواسطته الحجة بما سيصرح به بناء على السطر الاول من المادة 296التي اعتبرت من طرف مشرع قانون المسطرة لسنة 2003تقدما كبيرا لحماية المتهم أصلا وليس لحماية الضحية فقط، كما قد يتبادر الى الذهن.

كما أن الجديد في مجال الإثبات أيضا انه “لا يمكن إدانة أي شخص استناداً إلى مجرد التصريحات الصادرة عن الضابط أو العون منفذ عملية الاختراق المدونة بالمحضر أو التقرير المعد من طرف ضابط الشرطة القضائية الذي يعهد إليه بتنسيق عملية الاختراق، إلا إذا تصرف منفذ العملية بناء على هويته الحقيقية» ( المادة 296) وقد كان لزاما ربط هذه المادة بالمادة 347-3التي تنص على أنه ” لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستماع إلى الضابط أو العون منفذ عملية الاختراق إلا في حالة موافقته إذا كانت شهادته هي الوسيلة الوحيدة لإثبات الحقيقة» والتنسيق بينهما، من جهة،  وبين المقتضيات المنصوص عليها في المواد 82-4وما يليها، من جهة أخرى,التي تنص على حق المتضرر من جريمة بتنصيب نفسه كمطالب بالحق المدني  امام قاضي التحقيق وامام قاضي الحكم وامام هيئة المحكمة,كما يتعين اشعاره بالحقوق التي يخولها له القانون ,كذلك ايضا المادة 82-5التي تخص الضحية بتدابير الحماية الكفيلة بتأمين سلامته وسلامة افراد اسرته او اقاربه او ممتلكاته من كل ضرر قد يتعرض له اثناء تقديم الشكاية.

خـاتمة:

وختاما في نهاية استقراءنا للمشروع يظهر لنا ان المشرع المغربي يعمل جاهدا لسد الثغرات التي تشوب التشريع الجنائي فيما يتعلق بوسائل الإثبات مما دفع به الى ابتكار تقنيات جديدة للإثبات وهذا ما تم تفصيله من خلال عرضنا.وختاما في نهاية استقراءنا للمشروع يظهر لنا ان المشرع المغربي يعمل جاهدا لسد الثغرات التي تشوب التشريع الجنائي فيما يتعلق بوسائل الإثبات مما دفع به الى ابتكارتقنيات جديدة للإثبات وهذا ما تم تفصيله من خلال عرضنا.

إن المشرع المغربي يفصل تصريحات ضابط الشرطة القضائية الى نوعين نوع اول يقدمها الضابط دون التصريح بصفته الرسمية بل يدليها كشاهد عادي وهذا النوع لا يمكنالأخذ به كقرينه وحاله اخرى يأخذ بها كدليل في حال قدمها ضابط الشرطة القضائية بصفته الرسمية وخصوصااذا لم يوجدغيرها مما يثبت الفعل نستنتج كذلك ان عدم اداء لليمين القانونية من لدن متهم على اخر راجع الى فقدان المتهم صفات الشهادة التي تتطلب الاستقامة والنزاهة والصلاح. نقترح عمل قسم خاص بوسائل الاثبات الالكترونية حيث ان المسودة اقتصرت على (برامج او معطيات معلوماتية) وهذا لا يحيط لكافة نواحي الاثبات بالأدلة الالكترونية هذه الأخيرة.


[1]– عبد القادر عودة: التشريع الجنائي الإسلامي, الجزء الثاني, ص 401.

[2]– عبد الله الحمومي، اعتراف متهم على آخر أساسه حجيته، مجلة المعيار, العدد 21ص 150.

[3]– عبد الله الحمومي، اعتراف متهم على آخر أساسه حجيته، مجلة المعيار,  العدد 21, ص150.

[4]-مجلة القضاء والقانون العدد 62-63-64أكتوبر – ديسمبر 1963, ص134 .

[5]– مجلة قضاء المجلس الأعلى, العدد 55 السنة 22, يناير 2000, ص -368369.

[6]– الشرطة القضائية وسؤال الشرعية على ضوء مسودة المسطرة الجنائية , نور الدين ورزال , مقال منشور على مجلة العلوم القانونية على الرابط التالي:

http://www.marocdroit.com

تاريخ الدخول 5/8/2017  على الساعة 5:26مساءا

[7]– مشروع قانون المسطرة الجنائية .. تراجع في الحقوق والحريات ,  علاء البصراوي

اترك تعليقاً