الأستاذ سعيد  أخمليش

مفوض قضائي بالمحكمة الابتدائية بتطوان

باحث بسلك الدكتوراه

 

في إطار مواكبة المغرب للتطور السريع لتقنيات الاتصال وأدوات التكنولوجيا وتوسيع نطاق استعمالها في شتى الميادين،منها ما هو مرتبط بالتجارة بصفة خاصة، ومنها ما هو مرتبط بالإدارات الإلكترونية بصفة عامة.

أصبح من اللازم ارتباط المفوضين القضائيين إلكترونيا سواء في ما بينهم  أو بين مختلف المتدخلين الذين يمكن الرجوع إليهم أثناء وبعد القيام بالإجراءات القضائية، الشيء الذي يحتاج إلى أرضية ومنهجية شمولية في إطار ما يطلق عليه بالإدارة الإلكترونية،والتي بدأ المغرب في تبنيها وتطبيقها منذ سنوات في إطار إصلاح الإدارة العمومية.

 فإصلاح الإدارة لا يعني مجرد تبسيط المساطر الإدارية بل إنهاء العديد من الصعوبات التي يعاني منها السادة المفوضين القضائيين في الانتقال أو الانتظار، وسرعة في إنهاء المعاملات.

 من أجل ذلك انخرط المغرب في تطوير تكنولوجيا المعلوميات ووسائل الاتصال الحديثة ، وهو ما تجسد من خلال الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الإستراتيجية الوطنية لإدماج المغرب في مجتمع الإعلام والمعرفة، بتاريخ أبريل 2001 والتي أسفرت على الإعلان عن الإستراتيجية الوطنية للمغرب الإلكتروني في 2010.

كما ظهر الوعي الرسمي بأهمية تقنيات الإعلام والاتصال في المخطط الخماسي الذي اعتبر أن التكنولوجيا الحديثة تعد أداة إستراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب. ([1])

ومن أجل مواكبة  السادة المفوضين القضائيين للتكنولوجيا الحديثة يتحتم  عليهم الاهتمام بالبحث العلمي وتوقيع شراكات مع الدولة والقطاع الخاص،للحصول على هذه الوسائل التكنولوجية الحديثة،كما يفرض على هذه المؤسسة الاهتمام بالعنصر البشري وذلك عبر التكوين في مجال المعلوميات الحديثة، ومواكبة مشروع الإدارة الإلكترونية الذي يعتمده المغرب،شأنه شأن باقي الدول التي تسعى  من أجل تحديث الإدارة القضائية  والرفع من جودة خدماتها.

إن اعتماد مهنة المفوضين القضائيين على الوسائل التقليدية في انجاز الإجراءات القضائية مثل تحرير المحاضر وحفظها داخل أرشيف ورقي وكذلك التواصل مع الإدارة عبر التواصل المادي،أي الانتقال إلى الإدارة يجعل من عملهم منحصر داخل الإطار التقليدي الشيء الذي انعكس سلبيا على المهنة وجعلها متخلفة عن باقي  الدول العربية والإفريقية دون أن نقارنها بالدول الأوروبية.

تعمل الوسائل الإلكترونية والمعلوماتية ، على تحسين الخدمات التي تقدمها الإدارة للمواطنين والتي تشمل عدة خدمات مثل تبادل المعلومات بين الإدارة والمرتفقين، دون أن يكون لهذه العملية طابع تجاري أو تتسم بهدف الربح مثل إيداع التصريحات الضريبية أو طلب وثيقة إدارية، وهو ما يفيد الجانبين الإدارة والمرتفقين.

وبالتالي فإن الإدارة الإلكترونية تعني الانتقال من العمل التقليدي إلى تطبيقات معلوماتية بما فيها شبكات الحاسب الآلي، لربط الوحدات التنظيمية مع بعضها لتسهيل الحصول على البيانات والمعلومات لاتخاذ القرارات المناسبة وإنجاز الأعمال وتقديم الخدمات للمستفيدين بكفاءة وبأقل تكلفة وأسرع وقت ممكن ، وبمعنى أدق أن الإدارة الإلكترونية : وهي مجموعة رقمنة متكاملة تهدف إلى تحويل العمل الإداري العادي من النمط اليدوي إلى النمط الإلكتروني،وذلك بالاعتماد على نظم معلوماتية قوية تساعد في اتخاذ القرار الإداري بأسرع وقت وبأقل التكاليف (2).

وهكذا نجد أن تطبيق التكنولوجيا الحديثة في عمل المفوض القضائي من شأنه أن يؤدي إلى إدخال تغيرات على المستوى التنظيمي و الإداري،إما بشكل رسمي معد له مسبقا أو بشكل فعلي من خلال الممارسة والتطبيق، كالتجربة بالقطاع الخاص وكذا في الدول التي اعتمدت الإدارة الإلكترونية، أظهرت أن الحاسوب يبدأ بالانضمام إلى الهياكل الموجودة لينتهي بفرض تعديلات عليها دفعا بها نحو التغيير إلى هياكل معمول بها، وهذا التغيير يحاول رسم العلاقات أفقية بدل العمودية بين مختلف أجزاء المنظمة. (3)

يرتكز عمل المفوض القضائي  على الحاجة للخدمات التي تقدمها الإدارة في مثل المحافظة على الأملاك العقارية ، وإدارة الضرائب وباقي المصالح الإدارية سواء في القطاع العام أو الخاص، وباستعمال الإدارات للتقنية الرقمية في التواصل بينها وبين باقي المرتفقين فإنها تمنحهم السرعة في الاستفادة من خدمات هذه الإدارة وتعفيهم من مشاق الانتقال والانتظار للحصول على هذه الوثائق،والمفوض القضائي شأنه شأن الإدارة إذ يحتاج في عمله إلى أن يحقق ضمان عملية التواصل والاستجابة الآنية لرغبات المرتفق.

إن ضرورة مواكبة  سياسة الرقمنة التي تنهجها الدولة ولاسيما مع القطاعات الحكومية ذات الصلة بعمل المفوض القضائي وهي (إدارة الضرائب ، والخزينة العامة للمملكة ، والوكالة الوطنية للمحافظة على الأملاك العقارية ، والسجل التجاري، والإدارة العامة للأمن الوطني ، والدرك الملكي ، ووزارة الداخلية ، بنك المغرب ) بالإضافة إلى محاكم المملكة  ووزارة العدل،يتطلب من هذه المهنة العمل على العديد من المستويات.

لكل ما سبق فإن استعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة،في الرفع من جودة العمل الإداري عبر إحداث قنوات للتواصل الإلكتروني سواء داخل الهياكل الإدارية أو بين الإدارة والمرتفقين سينعكس إيجابا على المهنة المفوضين القضائيين عبر تطويرها هي باستعمالها وسائل تكنولوجيا الحديثة فمكاتب السادة المفوضين القضائيين تعتبر امتداد الإدارة العمومية كما هو منصوص عليه في القوانين المنظمة  لهذه المهنة (4)،مما سيجعل من التكنولوجيا الحديثة سبيل لتنظيم داخل هذه المكاتب عبر إحداث سجلات إلكترونية لمختلف المعاملات التي يقومون بها وكذلك إحداث أرشيف إلكتروني داخلها بالإضافة إلى منصات  التواصل .

و لتحقيق هذه الغاية يتطلب منها العمل على تكوين المنتسبين إلى هذه المهنة في المعرفة الرقمية والإلمام بها في إطار التكوين والتكوين المستمر في الإعلاميات والنظم والبيانات المعلوماتية والبرامج التي يمكن اعتمادها في هذا الباب،سواء من حيث التدبير والإدارة أو في إطار الربط بين مكاتب المفوضين القضائيين  ومختلف المحاكم .

وفي هذا الإطار يسعى الساهرون على شؤون المهنة على تدبير الشأن المهني حيث يعملون على بلورة برنامج للتكوين المستمر لفائدة السادة المفوضين القضائيين في الإعلاميات وتوحيد مناهج العمل،وهو ليس بالأمر الهين بل هي مسألة يجب التخطيط لها جيدا وتوفير الإمكانيات المادية والبشرية قصد إنجازها،كما أن هذه البرامج الإلكترونية تحتاج إلى توفير وسائل حماية من القرصنة والاختراق(5)، كما أنها تحتاج إلى وسائل حماية تكنولوجية في حالة وجود أعطاب.

كما أن استعمالها يطرح تحدي صيانتها في حالة وقوع أعطاب،وهو ما يخلق العديد من الإشكاليات حول الجهة المكلفة بالصيانة في حالة وجود عطب تقني فهل المفوض القضائي أم إحدى هذه الجهات المتدخلة أم جهة أخرى سيحددها القانون في ما بعد بالإضافة إلى الأعباء والتكاليف المادية.

إن الاندماج والتكامل المفروض لإنجاح هذا الورش أسوة بالدول المتقدمة في هذا المجال يفرض على مهنة المفوض القضائي، إرادة حقيقية من اجل تحقيق الأهداف المرجوة منها ألا وهي تحقيق الأمن القضائي باستعمال التكنولوجيا الحديثة.

 إلا أن هذا الهدف يبقى صعب المنال في ظل العديد من المعيقات التقنية و المادية و البشرية، وفي ظل هذه الإكراهات يجب على  الساهرين على مهنة المفوضين القضائيين، تفادي هذه المعيقات عبر ابتكار الحلول،وإبرام الشراكات مع مختلف المتدخلين، والاستفادة من التجارب الأجنبية في هذا المجال،حتى تكون مؤسسة المفوض القضائي في مستوى مواكبة المستجدات التشريعية و خصوصا استعمال الوسائط المعلوماتية  في الإجراءات القضائية .

المراجع المعتمدة

المراجع الخاصة

[1]  – عبد الحكيم زروق : التنظيم القانوني للمغرب الرقمي الطبعة الأولى 1443/2013 توزيع مكتبة الرشاد .

2 – سريع المتوكي : الإدارة الإلكترونية بالمغرب ورهان التنمية. وزارة العدل نموذج رسالة لنيل شهادة الماستر جامعة الحسن الثاني كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية المحمدية – الدار البيضاء وحدة التكوين والبحث و الحكامة المحلية . السنة الجامعية 2010/2011.

3- أسية الحراق: الإدارة الإلكترونية بالمغرب . الصفقات العمومية نموذجا. الطبعة الأولى أكتوبر 2015. دار السلام للطباعة والنشر.

4- ظهير الشريف رقم 1.06.23 الصادر في فبراير 2006 بتنفيذ القانون رقم 03/81 بتنظيم مهنة المفوضين القضائيين. 5-يوسف قجاج خصوصية القواعد الإجرائية في مجال البحث عن الجريمة الالكترونية – دراسة مقارنة – سلسلة البحوث الجامعية منشورات مجلة المنارة للدراسات القانونية و الإدارية  العدد 14 2016

المراجع العامة

– عبد الحكيم زروق : تنظيم التبادل الالكتروني للمعطيات القانونية عبر الانترنت. سلسلة الشؤون القانونية والمنازعات رقم 7 . الطبعة الأولى 2016

– مريم المتوكي : الادارة الالكترونية بالمغرب ورهان التنمية . وزارة العدل نموذجا. رسالة لنيل شهادة الماستر جامعة الحسن الثاني كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية المحمدية الدار البيضاء. وحدة التكوين والبحث والحكامة المحلية. السنة الجامعية 2010/2011 .

– عزيز الرامي : الطابع التقني للمعاملات الالكترونية رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص تخصص قانون الأعمال والمقاولة. جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي الرباط. السنة الجامعية 2013/2014 .

– هدار عبد الكريم : مبدأ الثبوت بالكتابة في ظل ظهور المحررات الالكترونية . مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص كلية الحقوق بن عكنون الجزائر . السنة الجامعية 2013/2014.

– حسن أهروش : الادارة الالكترونية في المغرب بين الأبعاد الاستراتيجية وهاجس الثقة الرقمية. رسالة لنيل دبلوم الماستر جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السنة الجامعية 2014/2015.

اترك تعليقاً