الأسس الدستورية والمقتضيات القانونية
لتشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية

       الدكتور رضوان الطريبق
عضو هيئة الباحثين لدى المركز الوطني للدراسات القانونية

إن مطلب تحقيق التمكين السياسي للمرأة بالمغرب، بما يمكنها من شغل المناصب والوظائف الانتخابية، ووصولها لشغل وقيادة مراكز اتخاذ القرار السياسي العمومي، لتدعمه العديد من الأسس والمبادئ والآليات القانونية والمؤسساتية، الرامية في جوهرها وأبعادها، إلى ضمان مشاركة المرأة فيتدبير الشأن العام وشغل المناصب والوظائف المنبثقة عن الانتخابات والحياة السياسية، أو على الأقل الحصول على فرصة مناسبة ومتوازنة للسعي إلى تحقيق ذلك على قدم المساواة مع الرجل.

ووعيا من المشرع الدستوري، بأهمية هذه المسألة، وهو أسمى القوانين في الدولة، وأعزها مكانة، وأعلاها قدراً ومرتبة، فقد جعل من مبدأ تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتاخبية حق دستوري أساسي نص عليه في الفصل 30، الذي جاء فيه “لكل مواطنة ومواطن، الحق في التصويت، وفي الترشح للانتخابات، شرط بلوغ سن الرشد القانونية، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية. وينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية”.

وهو المبدأ الذي عرف تفعيله صدور العديد من النصوص القانونية المتضمنة لمجموعة من الآليات القانونية المعززة والضامنة لمشاركة النساء في الوظائف الانتخابية، وذلك تمكينا لهم من الاستفادة من تكافؤ الفرص مع الرجال.

لعل من أهم تلك الآليات القانونية والمؤسساتيةلتفعيل ذلك المبدأ الدستوري، ما يتعلق إقرار اللائحة الوطنية الخاصة بالنساء وإقرار حق ترشح النساء في الجزء الثاني من اللائحة الوطنية المخصصة للشباب، وتشجيع التمثيلية النسوية عبر تحفيز مالي للأحزاب من أجل إدراج أسماء مترشحات في المراكز الأولى للوائح الترشيح، والتنصيص على تفعيل مبدأ المناصفة ومراعاة تمثيلية النساء ضمن أجهزة مجلس النواب المنبثقة عن الانتخابات التشريعية، وكذا إحداث صندوق الدعم لتشجيع تمثيلية النساء وإنشاء لجنة لتفعيله، وكذا الحرص على ضمان التمثيلية النسائية في شغل المناصب العليا في الجهات والجماعات الترابية.

إقرار اللائحة الوطنية الخاصة بالنساء وحق ترشحهن في الجزء الثاني من اللائحة الوطنية المخصصة للشباب

إن إقرار اللائحة الوطنية الخاصة بالنساء، هو ما جاءت به مستجداتالمادة 23من القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب،بحيث أوجبت أن تشمل لائحة الترشيح جزئين، وأن يتضمن الجزء الأول من اللائحة أسماء ستين 60 مرشحة مع بيان ترتيبهن.

وهو الإقرار الذي تم تعضيده بإقرار حق ترشح النساء في الجزء الثاني من اللائحة الوطنية المخصصة للشباب، ويعتبر مستجد جاء به القانون التنظيمي رقم 20.16 المغير والمتمم للقانون التنظيميرقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب،حيث منح النساء حق الترشح في الجزء الثاني المخصص للشباب خلافا لما كان عليه الوضع في السابق.

ومن خلال هذه الآليتينالتشريعيتين ارتفع مستوى التمثيل النسائي بالبرلمان إلى 60 مقعداً من أصل 395 مقعدا، بدل 30 مقعدا من أصل 325 التي كانت سابقا في برلمان 2002 و2006، وانتقلت نسبة التمثيلية النسائية بمجلس النواب من 34 نائبة برلمانية سنة 2007، إلى 67 نائبة برلمانية سنة 2011، ثم إلى 81 نائبة برلمانية سنة 2016، وهو تحسن جعل نسبة حضور المرأة البرلمانية تصل إلى 20%فيالمئة، 60 منهن وصلن عن طريق اللائحة النسوية الوطنية، و21 عبر اللوائح المحلية ولائحة الشباب، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 4%.

وتقارب هذه النسب مستوى النسب المحققة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا (16.8%)، وكذلك في أوروبا وآسيا الوسطى (18.6%)، لكنفي نفس الوقت يبقى أقل نسبياً من المتوسط العالمي (22.19%).

تشجيع التمثيلية النسوية عبر تحفيز مالي للأحزاب من أجل إدراج أسماء مترشحات في المراكز الأولى للوائح الترشيح :

وذلك عبر مرسوم اتخذته الحكومة في هذا الشـأن، ويتعلق الأمر بالمرسوم رقم 2.11.608 صادر في 27 من ذي القعدة 1432 (25 أكتوبر 2011) في شأن مساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية التي تقوم بها الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات العامة لانتخاب أعضاء مجلس النواب.

وقد تم من خلال المرسوم المذكور، مضاعفة المبلغ المالي للمساهمة في المقاعد الفائز بها كل حزب سياسي، في إطار مساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية، 5 خمس مرات مقارنة مع المقاعد التي فاز بها الذكور .

التنصيص على تفعيل مبدأ المناصفة ومراعاة تمثيلية النساء ضمن أجهزة مجلس النواب المنبثقة عن الانتخابات التشريعية :

حيث نص النظام الداخلي لمجلس النواب في مجموعة من مواده، أهمها المادة 11 على ما يلي:”يتعين على كل جهاز من أجهزة المجلس، كل في مجال اختصاصه، التقيد عند ممارسة مهامه وفق الضوابط والكيفيات المنصوص عليها في هذا النظام الداخلي بالمبادئ التالية :

  • العمل على تفعيل أحكام الفصل 76 من الدستور المتعلقة بإقرار المساواة والسعي نحو تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، ومكافحة مختلف أشكال التمييز؛
  • مراعاة تمثيلية النساء والشباب في مختلف أجهزة المجلس، وضمان مشاركتهم في أنشطته…”.

إحداث صندوق الدعم لتشجيع تمثيلية النساء وإنشاء لجنة لتفعيله :

وهو ما تم بمقتضى المادة 288 مكرر، من القانون رقم 9.97 المتعلق بمدونة الانتخابات، والتي صدرت من أجل تنفيذها النصوص التطبيقيةالآتية :

وتجدر الإشارة، إلى أنه من حيث كيفية ووتيرة الاستفادة عمليا وواقعيا من هذا الصندوق، فقد استفاد من دعم الصندوق ما بين سنة 2009 وسنة 2015، ما يقارب 25 مشروع دعم للأحزاب السياسية، و250 مشروع دعم لجمعيات وطنية ومحلية، وبنسب متفاوتة، بينما استفادة سنة 2016 سبعة 7 أحزاب سياسية من دعم وصل 65%، كما استفادت 8 جمعيات وطنية من دعم وصل إلى 68%، واستفادت كذلك 56 جمعية محلية بنسبة دعم وصلت إلى 69%.

الحرص على ضمان التمثيلية النسائية في شغل المناصب العليا في الجهات والجماعات الترابية

إلى جانب ضمان المساواة والمناصفة في الولوج وتقلد الوظائف الإنتخابية، والوظائف العمومية والمناصب العليا، فإن المشرع الدستوري، وتطبيقات التشريع الوطني حرصت على تبني مبدأ ضمان تمثيلية النساء في العديد من المؤسسات والهيئات التدبيرية والإدارية والاستشارية بالمغرب.

وهكذا، فقد نص دستور 2011  على ضمان تحسين تمثيلية النساء داخل الجهات والجماعات الترابية، وذلك من خلال تنصيصه في الفصل 146 على أنه”تحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة :… -شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية الأخرى لشؤونها بكيفية ديمقراطية، وعدد أعضاء مجالسها، والقواعد المتعلقة بأهلية الترشيح، وحالات التنافي، وحالات منع الجمع بين الانتدابات، وكذا النظام الانتخابي، وأحكام تحسين تمثيلية النساء داخل المجالس المذكورة.”

وهو ما تم تفعيله من خلال مجموعة من الآليات العملية والقانونية لعل أهمها السعي نحو تحقيق المناصفة في تعيين نواب رئيس الجهة ورئاسة اللجان الدائمة، حيث نصت المادة 19 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، على أنه :”سعيا نحو بلوغ المناصفة المنصوص عليها في الفصل 19 من الدستور يتعين العمل على أن تتضمن كل لائحة ترشيحات نواب الرئيس عددا من المترشحات لا يقل عن ثلث النواب”، كما نصت المادة 29 من نفس القانون على أنه :”يجب أن يراعى في الترشح لرئاسة اللجان الدائمة السعي إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء المنصوص عليه في الفصل 19 من الدستور”.

كما تم تفعيل المبدأ الدستوري من خلال العمل على تخصيص ثلث المقاعد للنساء في كل دائرة انتخابية كحد أدنى، وهو ما نصت المادة 76 من القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، كما تم تغييره وتتميمه، حيث جاء فيها ما يلي : “… يخصص للنساء في كل دائرة انتخابية ثلث المقاعد على الأقل. ولا يحول ذلك دون حقهن في الترشح برسم المقاعد المخصصة للجزء الأول من لائحة الترشيح المشار إليه في المادة 85 من هذا القانون التنظيمي”.

تلكم بعجالة هي أهم المقتضيات القانونية الرامية لتفعيل المبدأ الدستوري لتشجيع فرص التكافؤ بين الرجال والنساء في شغل المناصب والوظائف الانتخابية، ويبقى أهم اختبار هو اختبار التفعيل الواقعي، ولاسيما أننا على أبواب انتخابات 2021، الجماعية والجهوية والتشريعية.

اترك تعليقاً